“التوافق الوطني”.. هل هو تحالف الفرصة الأخيرة لمعارضي طالبان؟

أثار إعلان تشكيل ائتلاف “التوافق الوطني لمستقبل أفغانستان”، الذي يضم تكتلات معارضة لحركة طالبان، ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية الأفغانية. يأتي هذا الإعلان في وقت يشهد فيه المشهد السياسي الأفغاني انقسامات عميقة، خاصة بعد انسحاب حزب الجمعية الإسلامية بقيادة صلاح الدين رباني من “المجلس الأعلى للمعارضة الوطنية من أجل إنقاذ أفغانستان”. ويهدف الائتلاف إلى إيجاد منصة موحدة للمفاوضات مع حركة طالبان، لكن التحديات التي تواجهه كبيرة.
وعقد الاجتماع الأخير الذي أدى إلى تشكيل الائتلاف بمبادرة من ثلاث حركات معارضة رئيسية، وهي المجلس الأعلى للمقاومة الوطنية، والجمعية الوطنية للإنقاذ، والحركة الوطنية للسلام والعدالة. شارك في الاجتماع شخصيات بارزة من النظام السابق، مثل الجنرال عبد الرشيد دوستم، وعطا محمد نور، ومحمد محقق، وحنيف أتمر، وعمر داودزي، ويونس قانوني، وسرور دانش. ودعا الائتلاف إلى إطلاق مفاوضات سلام شاملة برعاية الأمم المتحدة ودول إقليمية.
تحالفات المعارضة الأفغانية: تحديات وفرص
يمثل تشكيل هذا الائتلاف محاولة جديدة لتوحيد صفوف المعارضة الأفغانية، التي تشتت جهودها على مدى السنوات الماضية. لكن الانسحاب المبكر لحزب الجمعية الإسلامية بقيادة صلاح الدين رباني يثير تساؤلات حول مدى قدرة هذا الائتلاف على الصمود وتحقيق أهدافه. ويرى مراقبون أن هذه التحالفات غالبًا ما تكون قصيرة الأجل وتفتقر إلى رؤية واضحة.
صلاح الدين رباني أوضح أن المجلس السابق انشغل بتحالفات فئوية وتكتيكية، وأنه من الضروري التركيز على النضال الحقيقي لاستعادة سيادة القانون والديمقراطية في أفغانستان. وأضاف أن هذه التحالفات لا يمكنها حل الأزمة الحالية لأنها لا تملك رؤية شاملة يلتف حولها الأفغان.
وتشير المصادر إلى أن دولًا إقليمية مثل إيران وتركيا وقطر دعمت مبادرة عقد الاجتماع، بهدف توحيد رؤية المعارضة تمهيدًا لأي حوار سياسي محتمل. لكن هذه الدول، بحسب الخبراء، لا تسعى إلى إسقاط طالبان، بل إلى تحقيق الاستقرار في أفغانستان لمنع تصاعد الفوضى.
أوجه القصور في المعارضة الأفغانية
يعاني الائتلاف من عدة أوجه قصور، أبرزها الانقسامات الداخلية العميقة وغياب النفوذ الميداني داخل أفغانستان. فالمعارضة تعمل بشكل رئيسي من الخارج، مما يحد من قدرتها على التأثير في الأحداث على الأرض. بالإضافة إلى ذلك، تعاني المعارضة من فقدان ثقة الشارع الأفغاني، بعد تجربة طويلة من التحالفات التي لم تحقق نتائج ملموسة.
ويرى رئيس المخابرات الأفغانية السابق رحمة الله نبيل أن أفغانستان تحتاج إلى تحالف يفوح منه الأمل، لا رائحة الصفقة. وحذر من أن أي مشروع سياسي تديره الدول الأجنبية بدلًا من الشعب مصيره الفشل. وأشار إلى أن الجميع يعرف من أجبر هذه الشخصيات على تشكيل تحالف.
من جانبه، قلل المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد من جدوى تشكيل هذه التحالفات، معتبرًا أنها لا تحظى بأهمية كبيرة. وأضاف أن الشخصيات التي تقف خلفها قضت حياتها السياسية في تشكيل تحالفات لم تؤدِ إلى أي نتائج إيجابية.
وتشير الخبيرة في الشؤون الحزبية ليلى جلال إلى أن حركة طالبان تتعامل مع هذه الأحزاب من موضع قوة، ولا ترى حاجة للمفاوضات. وترى أن على الجميع قبول النظام الحالي، وأن التحالف الجديد قد لا يجد آذانًا صاغية في أفغانستان.
مستقبل المفاوضات الأفغانية
على الرغم من التحديات التي تواجهها، قد يمثل هذا الائتلاف نقطة انطلاق لمفاوضات سياسية مستقبلية بين المعارضة الأفغانية وحركة طالبان. لكن نجاح هذه المفاوضات يعتمد على قدرة الأطراف المعنية على تجاوز خلافاتها، وإيجاد أرضية مشتركة. كما يعتمد على الدور الذي ستلعبه الدول الإقليمية والمجتمع الدولي في دعم هذه المفاوضات.
من المتوقع أن تسعى الأمم المتحدة والدول المعنية إلى تسهيل الحوار بين الأطراف الأفغانية في الأشهر القادمة. لكن يبقى من غير الواضح ما إذا كانت حركة طالبان ستوافق على إجراء مفاوضات جادة مع المعارضة. وستظل الأوضاع الأمنية والسياسية في أفغانستان حاسمة في تحديد مسار الأحداث.





