الجزيرة نت تكشف تفاصيل اجتماع علماء دين أفغان وعلاقته بباكستان

كابل – أثار اجتماع واسع النطاق عقده علماء دين أفغان في العاصمة كابل، أمس الأربعاء، وقضى بمنع الأفغان من “ممارسة أي نشاط عسكري خارج البلاد”، جدلاً كبيراً. يأتي هذا القرار في ظل توتر متزايد مع باكستان، وتبادل الاتهامات بشأن نشاط حركة طالبان باكستان في المناطق القبلية الحدودية، مما يضع مستقبل العلاقات بين البلدين على المحك ويؤثر على الاستقرار الإقليمي.
القرار، الذي وصفه مراقبون بأنه موجه بشكل مباشر نحو حركة طالبان باكستان، يهدف وفقاً للحكومة الأفغانية إلى “تنظيم الخطاب الديني وحماية أمن البلاد”. الاجتماع حضره أكثر من ألف عالم دين من مختلف الولايات الأفغانية، بالإضافة إلى كبار المسؤولين الحكوميين، بما في ذلك رئيس الوزراء الملا محمد حسن آخوند ورئيس المحكمة العليا الشيخ عبد الحكيم حقاني.
هدف الاجتماع وتداعياته على الأمن الإقليمي
أفاد مصدر حكومي رفيع المستوى للجزيرة نت أن الهدف الرئيسي من الاجتماع هو توحيد الموقف الشرعي تجاه أي نشاط مسلح خارج أفغانستان، وقطع الطريق أمام الأطراف التي قد تستغل الأراضي الأفغانية أو الهوية الأفغانية في صراعات خارجية. ويأتي هذا في سياق جهود كابل للتعامل مع الضغوط المتزايدة المتعلقة بمسألة الحدود والأمن.
وأضاف المصدر أن الرسالة لم تكن موجهة لطالبان باكستان وحدها، بل أيضاً إلى إسلام آباد، مؤكداً التزام كابل بتنفيذ اتفاق الدوحة بشكل كامل، بما في ذلك بند عدم استخدام الأراضي الأفغانية ضد دول أخرى. هذا التوضيح يهدف إلى طمأنة المجتمع الدولي بشأن سياسات الحكومة الأفغانية.
وفقاً لنص القرار الذي اطلعت عليه الجزيرة نت، أكد العلماء على عدة نقاط رئيسية، منها الالتزام باتفاق الدوحة، وتحذير أي جهة من استخدام الأراضي الأفغانية لزعزعة استقرار الدول المجاورة، واعتبار المخالفين لهذا القرار فئة متمردة. كما أكدوا على أن الأمير الشرعي لا يسمح بأي نشاط مسلح خارج الحدود الأفغانية، وأن أي نشاط من هذا القبيل يعتبر غير جائز شرعاً.
على الرغم من الصياغة العامة للقرار، يرى أغلب المراقبين أنه يهدف بشكل أساسي إلى وقف انخراط الأفغان في صفوف حركة طالبان باكستان، وتقليل التوترات الحدودية. هذا التحول في الموقف قد يؤثر على ديناميكيات الصراع في المنطقة.
الخلفية والتوترات مع باكستان
يشهد الأمن على الحدود الأفغانية الباكستانية تصاعداً في التوترات خلال الأشهر الماضية، حيث تتهم إسلام آباد كابل بدعم حركة طالبان باكستان، بينما تنفي كابل هذه الاتهامات وتتهم باكستان بانتهاك سيادتها من خلال الغارات الجوية على الأراضي الأفغانية. هذه الاتهامات المتبادلة تعيق جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة.
الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، عبد الكريم حبيب، أوضح للجزيرة نت أن القرار يمثل إعلاناً دينياً رسمياً يفصل بين طالبان الأفغانية والباكستانية، ويجعل أي قتال ضد الدولة الباكستانية خارج نطاق الشرعية في كابل. وأشار إلى أن هذا القرار يؤكد على أن الجهاد أصبح مرتبطاً بالدفاع عن الداخل الأفغاني وليس الهجوم على دول أخرى.
من جانبه، يرى الباحث الباكستاني محمد إسحاق خان أن القرار يمثل خطوة إيجابية، ولكنه يؤكد أن التنفيذ الفعلي على الأرض هو الأهم. وأشار إلى أن إسلام آباد تتطلع إلى خطوات عملية من جانب كابل للحد من حركة طالبان باكستان داخل أفغانستان.
رسائل طمأنة وتحديات التنفيذ
يعتقد بعض المحللين أن هذا الاجتماع يهدف إلى إرسال رسائل طمأنة إلى إسلام آباد، وإظهار استعداد كابل للتعاون في مكافحة الإرهاب. ومع ذلك، يرى آخرون أن التنفيذ الفعلي للقرار سيكون صعباً بسبب تعقيد الوضع القبلي على الحدود، وطبيعة العلاقات بين المجتمعات المحلية وحركة طالبان باكستان.
محمد شهاب، الكاتب والباحث الأفغاني، أكد أن حركة طالبان أفغانستان تعمل وفق إستراتيجية تهدف إلى تهدئة الأجواء مع باكستان دون خسارة الدعم الشعبي داخل باكستان. هذا التوازن الدقيق يعكس مدى صعوبة التعامل مع هذه القضية الحساسة.
الوضع الحالي يتطلب تنسيقاً وثيقاً بين كابل وإسلام آباد، بالإضافة إلى جهود دولية لتعزيز الحوار وبناء الثقة. الاستقرار الإقليمي يعتمد على قدرة الطرفين على تجاوز الخلافات والتركيز على المصالح المشتركة.
من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيداً من التطورات على صعيد العلاقات الأفغانية الباكستانية، حيث تسعى كابل إلى ترجمة قرارات الاجتماع إلى خطوات عملية على الأرض. يبقى التحدي الأكبر هو ضمان التنفيذ الفعال للقرار، وتجنب أي تصعيد قد يهدد الاستقرار الإقليمي. سيراقب المراقبون عن كثب رد فعل حركة طالبان باكستان، وموقف إسلام آباد تجاه هذه التطورات.




