الديون الخفية تهدد استقرار اقتصاد السنغال وتتحوّل لقضية سياسية

تواجه السنغال أزمة اقتصادية متصاعدة في أعقاب الكشف عن “ديون خفية” تقدر بـ 13 مليار دولار، لم يتم تسجيلها في الميزانيات الرسمية خلال فترة حكم الرئيس السابق ماكي صال. أثارت هذه القضية غضبًا شعبيًا واسع النطاق، وتسببت في تدهور التصنيف الائتماني للبلاد، وتعطيل مشاريع البنية التحتية الرئيسية، مما يلقي بظلال من الشك على مستقبل الاقتصاد السنغالي. هذه القضية المتعلقة بـ الديون الخارجية للسنغال أصبحت الآن محورًا للصراعات السياسية والاقتصادية.
بدأت تداعيات الأزمة تتكشف بعد تقرير قضائي فضح هذه الديون غير المعلنة، والتي تعود إلى فترة حكم صال. وقد أدى ذلك إلى رد فعل عنيف من جانب الحكومة الحالية، بقيادة رئيس الوزراء عثمان سونكو، الذي اتهم صال بالتسبب في “خيانة عظمى”. الاجتماع الذي عقد في جنوب أفريقيا في 27 فبراير 2025 بمشاركة رؤساء أفارقة سابقين ودعوا إلى مواجهة عبء الديون في القارة، زاد من حدة الانتقادات الموجهة لصال، خاصة وأن مشاركته جاءت بعد أيام قليلة من هذه الاتهامات.
تفاقم أزمة الديون الخارجية للسنغال: تفاصيل وتحقيقات
وفقًا لبعثة صندوق النقد الدولي، فإن أجهزة الرقابة السنغالية اكتشفت “نية صريحة لإخفاء هذه الديون” عن السجلات الرسمية. لم تظهر القروض في الإحصاءات الرسمية أو في وثائق الميزانية، مما يشير إلى محاولة ممنهجة لإخفاء حجم الالتزامات المالية للبلاد. وتعزو السلطات الحالية هذا الإخفاء إلى رغبة في إظهار صورة وردية للاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
تحليل أجرته “فاينانس فور ديفلوبمنت لاب” في ديسمبر 2024 أظهر فجوة متزايدة بين الديون المعلنة والديون الفعلية للسنغال. ففي عام 2018 بدأت هذه الفجوة في الظهور، وبلغت ذروتها في عام 2023، حيث أعلنت داكار عن ديون خارجية بقيمة 17 مليار دولار، بينما قدرها المركز بـ 22.5 مليار دولار. هذه الأرقام تشير إلى أن حجم الدين الحقيقي أكبر بكثير مما كان معلنًا رسميًا.
خطة “السنغال الناهضة” والاستثمارات الكبيرة
خلال العقد الماضي، أطلق الرئيس السابق صال “خطة السنغال الناهضة”، وهي برنامج طموح يهدف إلى تطوير البنية التحتية للبلاد. تضمن هذا البرنامج مشاريع ضخمة مثل بناء شبكة طرق بطول ألفي كيلومتر، ومطار جديد، وبرنامج كهرباء شامل، بالإضافة إلى قطار إقليمي سريع تجاوزت تكلفته 1.2 مليار يورو. يهدف هذا البرنامج إلى تحفيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة، وتحسين مستوى معيشة السكان.
ومع ذلك، يرى خبراء اقتصاديون أن بعض هذه الخيارات كانت “مغامرة غير محسوبة”، وأن الإنفاق اتجه نحو مشاريع استعراضية أكثر من كونها مشاريع تنموية حقيقية. ويرون أن الحكومة لم تأخذ في الاعتبار المخاطر المحتملة المتعلقة بالتمويل، ولم تضع خططًا واضحة لسداد الديون.
التداعيات الاقتصادية والسياسية للأزمة
تحولت القضية إلى مواجهة سياسية مفتوحة بين صال ورئيس الوزراء الحالي عثمان سونكو، الذي اتهمه على الفور. بالإضافة إلى ذلك، قامت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني بتخفيض التصنيف السيادي للسنغال ثلاث مرات خلال عام واحد، مما يعكس فقدان الثقة في قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها المالية. هذا التخفيض في التصنيف الائتماني يزيد من صعوبة حصول السنغال على تمويل خارجي، ويرفع من تكلفة الاقتراض.
على الصعيد العملي، تجمّدت العديد من مشاريع البنية التحتية، مما أثر سلبًا على قطاع البناء والتشييد، وعلى فرص العمل. ويواجه برنامج الرئيس الحالي باسيرو ديوماي فاي صعوبات في التمويل، مما يعيق تنفيذ وعوده الانتخابية. تتعقد هذه المشكلات بسبب تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ورفض سونكو أي إعادة هيكلة للديون، واصفًا إياها بـ”الإهانة”.
في الوقت الحالي، تبحث السنغال عن بدائل تمويلية في الخليج والصين، ولكن دون تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن. ويعتقد الاقتصاديون أن استعادة ثقة المستثمرين ستستغرق سنوات، وأن البلاد ستدفع ثمنًا اجتماعيًا واقتصاديًا باهظًا قبل أن تتمكن من تجاوز هذه الأزمة. ويبدو أن استقرار الاقتصاد السنغالي يعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة على إيجاد حلول جذرية لمعالجة أزمة الديون.
من المتوقع أن تعقد الحكومة السنغالية اجتماعًا مع ممثلي صندوق النقد الدولي في غضون الشهر القادم لمناقشة سبل التعاون وإيجاد حلول لأزمة الديون. وستظل القضية المتعلقة بـ الشفافية المالية هي المحور الرئيسي في هذه المحادثات. من غير الواضح ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق، ولكن من المؤكد أن هذه المحادثات ستكون حاسمة لمستقبل الاقتصاد السنغالي، وتحديد القدرة على معالجة التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد.





