“الرسالة” لأول مرة بإیطالیا.. فیلم یعید فهم الإسلام في زمن الیمین
تورینو- “في سابقة هي الأولى من نوعھا، یعرض الفیلم التاریخي ’الرسالة‘، للمخرج السوري مصطفى العقاد، في إیطالیا مترجما إلى الإیطالیة”، ھكذا علق لوكا باتریتسي، المؤرخ المختص في الإسلام، متحدثا قبل عرض الفیلم، المنظم من طرف المتحف الوطني للسینما، ومقره تورینو، بالتعاون مع جامعة تورینو.
كان الجمھور الإیطالي، من فئات مختلفة، على موعد مع النسخة العربیة لفیلم الرسالة (1976)، مرفقة بترجمة إلى الإیطالیة أنجزھا طلبة من جامعة تورینو.
ولأن ھذا الفیلم له خصوصیة تاریخیة من حیث مضمونه ومسار إنتاجه، فقد ارتأى المنظمون -على غیر العادة- تخصیص نقاش مستفیض قبل العرض، للإحاطة بسیرة المخرج وظروف ومراحل تصویر “الرسالة” بین المغرب ولیبیا.
ھكذا تمت تھیئة المشاھد الإیطالي، ووضعه في سیاق وحبكة فیلم دیني عن الإسلام، وإعداده لمشاھدته بقاعة ماسیمو الخاصة بالمتحف الوطني للسینما.
قصة إنتاج فیلم الرسالة
یمثل فیلم الرسالة للمخرج مصطفى العقاد (ذي الأصول السورية) المحاولة الأولى لنقل حیاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وتاریخ أصول الإسلام إلى الشاشة الكبیرة، على حد وصف باتریتسي المؤرخ والأستاذ بجامعة تورینو في أثناء تقدیمھ الفیلم.
ونوه المتحدث بنبوغ العقاد، الذي أصبح معروفا في صناعة السینما الھولیودیة، وبشكل مثیر للفضول، بفضل دوره منتجا لسلسلة أفلام الرعب “ھالوین”، وھكذا فإنھ لیس غریبا أن یستحضر فیلم الرسالة أجواء الكلاسیكیات الدینیة، مثل “الوصایا العشر” (1956) والأفلام التي تدور أحداثھا في الصحراء، مثل “لورانس العرب” (1962).
كان الرھان الأكثر جرأة الذي حققه العقاد ھو اعتماده حیلة سینمائیة ذكیة لتجنب التمثیل المباشر للنبي وللشخصیات الرئیسیة في القصة الإسلامیة الأولى، من دون تعارض مع المبادئ الدینیة، حسب شرح باتریتسي.
وتطرق المتحدث نفسه إلى تحد آخر كبیر، واجهه مخرج الرسالة، كان یتمثل في التوفیق بین التیارات المختلفة داخل الإسلام، مما أدى إلى مواجھة مشاكل سیاسیة خطیرة أدت إلى تعلیق التمویل.
أسباب ترجمة الرسالة
بعد الانتھاء من مشاھدة فیلم الرسالة، أكد لوكا باتریتسي، الأستاذ المختص في تاریخ الإسلام بجامعة تورینو للدراسات، في حدیث للجزیرة نت عن أسباب وملابسات ترجمة ھذا العمل السینمائي الشھیر، التي ترتبط في ببرنامج تدریس ماستر العلوم الدینیة والوساطة الثقافة، الذي تشرف علیھ كلیة الحقوق.
وأوضح أنه “بالإضافة إلى الدروس، توجد أیضا أنشطة موازیة مھاریة، حیث اقترحنا مع زملاء آخرین تنظیم سلسلة من عروض الأفلام الدینیة، حیث كنت من بین المنظمین ومن بین الأشخاص الذین قدموا أحد ھذه الأفلام. وبما أنني مختص في الإسلام، فھذا ربما ھو الفیلم الأھم والأشھر في السینما الدینیة الإسلامیة”.
الفیلم المفقود في الغرب
ویضیف لوكا باتریتسي بعد مشاھدته النسخة العربیة، “أرى أنھا لم تفقد شیئا من جودتھا، بینما النسخة الإنجلیزیة التي مثل فیھا أنتوني كوین قد أصبحت قدیمة بعض الشيء، في حین أن النسخة العربیة لا تزال محتفظة بجودتھا تماما. ومن الناحیة السینمائیة، أجد أنه فیلم مذھل حقا ولم يحصل على التقدير الكافي في تاریخ السینما”.
وبیّن المتحدث أن ترجمة الفیلم إلى الإیطالیة مع عرض النسخة العربیة للرسالة كان بتأطیر منه لطلابه بغرض تعلیمي كتمرین “أردنا عرض النسخة العربیة، لأنني اعتقدت أن ھناك بعض الطلاب الذین یدرسون العربیة، سیأتون للتدريب على الاستماع إلى اللغة العربیة المنطوقة في الفیلم”.
الرسالة في زمن الیمین
وجوابا عن سؤال عرض فیلم الرسالة في زمن حكومة الیمین، إن كان قد لقي تحفظا من جھة ما، قال لوكا باتریتس “إنه مجرد فیلم، لا یمكن أن یكون ھناك أمر ضد عرض الفیلم”، وأشار إلى أن ھذه نقطة إیجابیة.
وفي معرض تعليقه بشأن توقيت عرض الفيلم في ظل مرحلة تشهد “الصراع الثقافي” بين بعض الشعوب والجاليات في الغرب، قال إن “الصراع موجود دائمًا منذ العصور الوسطى وبين مختلف العوالم، فهذه ليست مسألة جديدة. بالطبع، نحن نعيش في زمن أكثر تعقيدا من الناحية السياسية، لكننا نسعى لبناء جسور التواصل بين الثقافات، وهذا هو ما نقوم به بشكل مستمر في الجامعة”.
التفاعل الإيطالي مع الفيلم
من ناحية أخرى، صرحت كلوديا ماريا تريسو، أستاذة اللغة والأدب العربي في جامعة تورينو، خلال حديثها مع الجزيرة نت بعد مشاهدتها للفيلم، “كنت على علم بوجود هذا الفيلم وأرى أنه من المهم جدا نشره، خاصة باللغة العربية. هناك شخصيات عظيمة ساهمت في إلهام ديانات كبيرة، ومن بينها قصة النبي محمد، وهي للأسف ليست معروفة بشكل كافٍ في إيطاليا. لذلك أعتقد أن الفيلم مثير للاهتمام ويمكن أن يكون مفيدًا لكل من يملك عقلًا منفتحًا ويرغب في التعرف على الآخر. كما يقدم محتوى عميقًا عن جوهر الرسالة الإسلامية”.
وشهد عرض الفيلم حضورا طلابيا لافتا، من بينهم الطالب ليوناردو دوفيديو، الذي قال للجزيرة نت: “أعجبني الفيلم كثيرا. شخصيا، بالنسبة لعمل سينمائي مدته 3 ساعات، كنت أظن أنه سيكون ثقيلا، لكنه جذبني بشدة، خاصة مع تعلم بعض الكلمات العربية”.
الطالبة إيما جارديني أبدت هي الأخرى إعجابها بالفيلم قائلة: “وجدت الفيلم مثيرا للغاية من حيث الموضوع والجانب اللغوي، كما أشار زميلي ليوناردو. حاولت فهم بعض الكلمات بالعربية بينما كنت أركز على الترجمة. أعتبر هذا العمل السينمائي، رغم طوله، عميقًا ومثيرًا للاهتمام بشكل كبير”.
أما أنطونيلا كامبيا، وهي إحدى المواطنات الإيطاليات اللاتي شاهدن الفيلم وأدلين بشهادتهن للجزيرة نت، فقد عبرت عن إعجابها بقولها: “أحببت الفيلم كثيرا، وأرى أنه يتمتع بجودة رائعة، على الرغم من كونه فيلما قديما. بل أعتقد أن قيمته تتضاعف في هذا الوقت التاريخي، إذ يتيح لنا رؤية أصول الإسلام الحقيقي، غير الملوثة بالتشويهات التي حدثت لاحقًا للأسف”.
وأضافت أنطونيلا أن مشاهدة الفيلم باللغة الأصلية تُعد فرصة فريدة وأكثر جاذبية مقارنة بالنسخة الإنجليزية. وقالت إن “الفيلم يعيد لنا معنى الإسلام الحقيقي. إنه عمل رائع أيضا من الناحية الجمالية للصور، وهذا أمر معروف، كما أن التأثيرات التي يتيحها تجعله من الأفلام التي تتركك في حالة من الذهول الحقيقي”.