الرعاية الصحية بأميركا.. أعلى إنفاق بالعالم والمهمشون بالملايين

انتهى مؤخرًا أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، لكن شبح تكراره يلوح في الأفق خلال شهرين. السبب الرئيسي وراء هذا التوتر السياسي المستمر هو تكاليف الرعاية الصحية الباهظة، وهي قضية خلافية حادة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ومن المتوقع أن يكون لها تأثير كبير على انتخابات التجديد النصفي القادمة.
تسعى إدارة الرئيس ترامب إلى خفض نفقات الرعاية الصحية، إلا أنها لم تقدم بعد بديلاً واضحًا لقانون الرعاية الصحية (أوباما كير) الذي يعود لعام 2010. حاول الجمهوريون مرارًا إلغاء هذا القانون، خاصة في عام 2017، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق ذلك. هذا الجمود يزيد من القلق بشأن مستقبل التغطية الصحية لملايين الأمريكيين.
إنفاق التريليونات على الرعاية الصحية
يمثل الدعم الحكومي الحالي للرعاية الصحية نسبة ضئيلة مقارنة بالإنفاق السنوي الإجمالي، الذي يقدر بنحو 5.6 تريليونات دولار، أي 18.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفقًا لإحصائيات مراكز الرعاية الصحية والخدمات الطبية. يزيد هذا الإنفاق على الصحة للفرد الواحد عن 15 ألف دولار سنويًا، مما يؤثر على جميع فئات المجتمع.
شهد عام 2024 ارتفاعًا في الإنفاق على الصحة بنسبة 8.2%، ويعزى ذلك إلى التضخم وارتفاع معدلات استخدام الخدمات الصحية وزيادة أسعار الأدوية. يتحكم القطاع الصيدلاني بشكل كبير في أسعار الأدوية، وتظل هذه الأسعار خارج نطاق سيطرة الحكومة.
أنواع التغطية الصحية في الولايات المتحدة
وفقًا لإحصائيات حديثة، يغطي التأمين الصحي الخاص حوالي 66% من سكان الولايات المتحدة، أي ما يقارب 225 مليون شخص. عادة ما يتم توفير هذا التأمين من خلال جهة العمل أو من خلال سوق التأمين الصحي المنشأ بموجب قانون الرعاية الصحية أو مباشرة من شركات التأمين.
بالإضافة إلى ذلك، يستفيد ما بين 70 و71 مليون أمريكي من برنامج “ميديكيد”، وهو برنامج مشترك بين الحكومة الفيدرالية والولايات، يوفر الرعاية الصحية للأفراد ذوي الدخل المحدود، والأطفال، والنساء الحوامل، وكبار السن، وذوي الإعاقة. كما يوجد برنامج “ميديكير”، وهو التأمين الصحي الفيدرالي للمتقاعدين والأشخاص ذوي الإعاقة.
ارتفاع أقساط التأمين وتأثيرها على المواطنين
يتوقع خبراء الاقتصاد ارتفاع أقساط التأمين الفردي بنسبة 18% مقارنة بالعام الحالي، وقد يتجاوز متوسطها 600 دولار شهريًا قبل احتساب الإعانات. يعتمد الكثير من الأمريكيين على هذه الإعانات لتغطية تكاليف التأمين، مما يعني أنهم قد يواجهون صعوبات مالية كبيرة إذا توقف الدعم الحكومي.
من المتوقع أيضًا ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية للمشتركين في التأمين الجماعي من خلال جهات العمل بنسبة 8.5%. يقدر مكتب الميزانية بالكونغرس أن حوالي مليوني أمريكي سيفقدون التأمين الصحي تمامًا في العام المقبل مع ارتفاع أسعار الخدمات الطبية، ليصل إجمالي عدد غير المؤمن عليهم إلى حوالي 27 مليون شخص، أي ما يعادل 8.2% من السكان.
يمثل تمديد الدعم الإضافي المخصص للرعاية الصحية تكلفة كبيرة، حيث يقدرها مكتب الميزانية الأميركية بـ 23 مليار دولار للعام المقبل، وحوالي 350 مليار دولار على مدى السنوات العشر القادمة. ويزيد هذا العبء المالي من تعقيد المفاوضات السياسية حول مستقبل الرعاية الصحية.
المستقبل المجهول للرعاية الصحية في أمريكا
مع اقتراب نهاية الدعم الحكومي للبرامج الرئيسية بنهاية العام الجاري، يترقب المراقبون نتائج المفاوضات بين الحزبين. يعد مستقبل قانون الرعاية الصحية وقدرة ملايين الأمريكيين على الحصول على تغطية طبية ميسورة التكلفة مسألة حاسمة. يشير المحللون إلى أن هذا الملف سيلقي بظلاله على انتخابات التجديد النصفي، وأن أي قرار بشأن الرعاية الصحية سيكون له تداعيات سياسية واقتصادية كبيرة. من المتوقع أن تستمر المناقشات الحادة في الكونغرس خلال الأشهر القادمة، وأن مصير الملايين من الأمريكيين معلق على نتيجة هذه المفاوضات.





