“الست” يوقظ الذاكرة ويشعل الجدل.. هل أنصف الفيلم أم كلثوم أم غيّر ملامحها؟

منذ اللحظة الأولى لعرضه، أثار فيلم “الست” جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، ووضع في دائرة الضوء إرث أم كلثوم. هذا الفيلم، الذي يمثل أحدث إنتاجات السينما المصرية، لم يكن مجرد عمل فني، بل تحول إلى منصة للنقاش حول كيفية تمثيل الرموز الثقافية، وإعادة تفسير التاريخ، ومستقبل السير الذاتية في السينما العربية. النقاشات لم تقتصر على الجودة الفنية للعمل، بل امتدت لتشمل الأبعاد الاجتماعية والسياسية المرتبطة بحياة “كوكب الشرق”.
تفاعل الجمهور والنقاد على حد سواء مع الفيلم، مما أظهر أهمية أم كلثوم كشخصية أيقونية في الذاكرة الجماعية العربية. بينما انقسمت الآراء حول مدى نجاح الفيلم في تجسيد شخصيتها، استمر الجدل حول المعايير التي يجب أن تحكم هذا النوع من الأعمال الفنية.
النقاد أولاً.. قراءة فنية مشحونة بالحذر
عبّر عدد من النقاد والمختصين في مجال السينما عن قراءات مبكرة للفيلم، مشيدين ببعض الجوانب الفنية مثل الإخراج والتصوير. وأشاروا إلى أن الفيلم يمثل محاولة طموحة لتقديم سيرة ذاتية مختلفة، تركز على الجوانب الإنسانية للشخصية وتتجاوز النمطية. ومع ذلك، لم يخفِ النقاد تحفظاتهم على بعض جوانب السيناريو والمعالجة الدرامية، معتبرين أنها لم تكن قادرة على الغوص بعمق في تفاصيل حياة أم كلثوم.
وانتقد البعض تركيز الفيلم على بعض الجوانب السلبية في حياة أم كلثوم، مثل التدخين، وإهمال الجوانب الأخرى التي تعكس عظمة إبداعها وتأثيرها في المجتمع. كما أشاروا إلى أن الإيقاع السردي في الفيلم كان غير متوازن، وأن بعض الشخصيات الثانوية بدت دخيلة على الأحداث الرئيسية.
أكد الناقد السينمائي المعروف، أحمد صقر، على أن الفيلم “يفتقر إلى العمق الدرامي اللازم لتجسيد شخصية بحجم أم كلثوم”. في حين أشاد المخرج السينمائي، خالد يوسف ، بـ “الجرأة الفنية” للمخرج مروان حامد في طرح رؤية جديدة ومختلفة عن حياة الفنانة.
الجمهور بين الحنين وخيبة الأمل
الجمهور كان له رأي آخر في الفيلم، عبر عنه بآلاف التعليقات والمشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي. بينما أعرب الكثيرون عن إعجابهم بـ “الست” وبقدرته على استحضار ذكريات الزمن الجميل، وأثنوا على أداء الممثلة منى زكي، انتقد آخرون الفيلم معتبرين أنه لم يوفِ بحق أم كلثوم ولم يرتقِ إلى مستوى التوقعات.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع من الفيلم وأغاني أم كلثوم، وأرفقوها بتعبيرات عن الحنين والشوق إلى زمن الفن الأصيل. كما أطلقوا هاشتاغات خاصة بالفيلم، واستخدموها للتعبير عن آرائهم وتفاعلاتهم المختلفة.
أشارت استطلاعات الرأي التي أجريت على الإنترنت إلى أن نسبة الرضا عن الفيلم تراوحت بين 60٪ و70٪، بينما عبر 30٪ إلى 40٪ من المشاركين عن خيبة أملهم. هذه النتائج تعكس الانقسام الواضح في الآراء حول الفيلم.
تفاعل واسع النطاق مع إرث أم كلثوم
بغض النظر عن الآراء المتباينة حول الفيلم، فإن ما لا يمكن إنكاره هو أنه أثار نقاشاً واسعاً حول إرث أم كلثوم وأهمية الحفاظ على الذاكرة الثقافية العربية. الفيلم ساهم في إعادة إحياء الاهتمام بأغاني أم كلثوم وأفلامها، وشجع الكثير من الشباب على التعرف على تاريخها وإبداعاتها.
كما أثار الفيلم تساؤلات حول كيفية تمثيل الشخصيات التاريخية في الأعمال الفنية، وما هي الحدود التي يجب أن يلتزم بها المبدعون في هذا المجال. هل من حق المخرج أن يضيف أو يحذف من تفاصيل حياة الشخصية التاريخية؟ وهل يجب أن يلتزم بتقديم صورة واقعية وموضوعية، أم يمكنه أن يمارس حريته الإبداعية ويقدم رؤيته الخاصة؟
“الست” أكثر من فيلم.. مرآة للمزاج العربي
يمكن القول إن فيلم “الست” تجاوز كونه مجرد عمل سينمائي، ليصبح مرآة تعكس المزاج الثقافي والاجتماعي العربي. الفيلم أثار نقاشاً حول الهوية والتراث والذاكرة الجماعية، وكشف عن مدى تعاطف الجمهور العربي مع شخصية أم كلثوم وأهمية إرثها الفني والثقافي.
من المتوقع أن يستمر الجدل حول الفيلم في الأيام والأسابيع القادمة، وأن تتوالى التحليلات والنقاشات حوله. في الوقت الحالي، لا توجد أرقام رسمية حول إيرادات الفيلم، ولكن التقديرات الأولية تشير إلى أنه حقق نجاحاً تجارياً كبيراً في مصر والعالم العربي. وسيتم تحليل الأداء التجاري النهائي للفيلم في الأشهر القادمة لتقييم تأثيره على صناعة السينما في المنطقة.





