السودان يودع سفير الأغنية الكردفانية عبد القادر سالم

ودّع السودان أمس الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 الفنان الكبير عبد القادر سالم، أحد أعمدة الغناء السوداني وأهم الباحثين في التراث الموسيقي. رحل سالم عن عمر يناهز 79 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا غنيًا استلهم أغانيه من إقليم كردفان لعقود. نعى السودانيون الفنان الراحل، معربين عن حزنهم العميق لفقدان هذه القامة الفنية والثقافية.
وشهدت الخرطوم والمدن السودانية مراسم تشييع حاشدة بحضور مسؤولين حكوميين وفنانين ومئات المعجبين. وأشاد المتحدثون بمساهمات سالم الجوهرية في إثراء المشهد الموسيقي السوداني، ودوره في الحفاظ على التراث الثقافي الغني للبلاد. وتلقى مجلس السيادة الانتقالي ورئيس الوزراء نبأ الوفاة بأسف بالغ، معتبرين إياه خسارة وطنية.
الغناء السوداني الأصيل وإرث عبد القادر سالم
يُعد عبد القادر سالم من أبرز رواد الغناء السوداني، وقد تميز بأسلوبه الفريد وقدرته على المزج بين الأصالة والحداثة. لم يقتصر عطاؤه على الغناء والتلحين، بل امتد ليشمل البحث العلمي في مجال الموسيقى والتراث، مما جعله شخصية استثنائية في الساحة الفنية السودانية. وقد قدم سالم العديد من الأغاني التي تناولت قضايا اجتماعية وثقافية، وتعبر عن الهوية السودانية بكل أبعادها.
وركزت أغانيه بشكل خاص على إبراز جماليات وثقافة إقليم كردفان، مما ساهم في التعريف بهذا الإقليم الغني والمتنوع. ومن أشهر أغانيه أغنية “مكتول هواك يا كردفان” التي لاقت رواجًا واسعًا في السودان وخارجه، وأصبحت رمزًا للحب والانتماء لهذا الإقليم. إضافة إلى ذلك، ساهم سالم في تطوير الأغنية السودانية من خلال إدخال آلات موسيقية جديدة وتجارب صوتية مبتكرة.
مسيرة فنية وأكاديمية حافلة
بدأ سالم مسيرته الفنية في السبعينيات، وسرعان ما اكتسب شهرة واسعة بفضل صوته المتميز وألحانه الجميلة. وقدم العديد من الحفلات الموسيقية في السودان والدول العربية والأوروبية، وحظي باستقبال حافل من الجمهور والنقاد. كما شارك في العديد من المهرجانات الموسيقية الدولية، وساهم في تبادل الثقافات بين السودان والعالم.
بالتوازي مع مسيرته الفنية، واصل سالم دراسته في مجال الموسيقى، وحصل على شهادات عليا من جامعات سودانية مرموقة. وقدّم أبحاثًا علمية قيمة حول التراث الموسيقي السوداني، تناولت مختلف الأنماط الغنائية والآلات الموسيقية التقليدية. وبرز اهتمامه الخاص بموسيقى كردفان، حيث سعى إلى توثيقها وتحليلها وتقديمها للأجيال القادمة. هذا الجهد في مجال التراث السوداني أكسبه احتراماً واسعاً.
وقد شغل سالم مناصب قيادية في عدد من المؤسسات الثقافية والتعليمية، وعمل كأستاذ جامعي في مجال الموسيقى. كما أسهم في تدريب وتأهيل العديد من الفنانين الشباب، وقدم لهم الدعم والمشورة. وبذلك يكون قد ترك بصمة واضحة في مجال التعليم الموسيقي في السودان.
ويشير المراقبون إلى أن سالم كان مدافعًا قويًا عن الهوية الثقافية السودانية، وقد عمل على الحفاظ عليها وتعزيزها في مواجهة تأثيرات العولمة. كما كان يرى أن الموسيقى تلعب دورًا هامًا في توحيد المجتمع السوداني وتعزيز التفاهم بين مكوناته المختلفة.
تأثير سالم وخطوات ما بعد رحيله
إن رحيل عبد القادر سالم يمثل خسارة فادحة للحركة الفنية والثقافية في السودان. ولكن إرثه الفني والعلمي سيظل حيًا في ذاكرة الأجيال القادمة. ومن المنتظر أن تنظم وزارة الثقافة والإعلام السودانية سلسلة من الفعاليات لتكريمه، بما في ذلك إقامة معارض للأعمال الفنية التي قدمها، وتنظيم ندوات علمية لمناقشة أبحاثه.
كما من المتوقع أن تقوم بعض المؤسسات التعليمية بتضمين أعمال سالم في المناهج الدراسية، وذلك بهدف تعريف الطلاب بالتراث الموسيقي السوداني الغني. وسيظل سالم نموذجًا يحتذى به للأجيال الجديدة من الفنانين والباحثين، وسيبقى اسمه محفورًا في سجلات الشرف في السودان.
تستمر المباحثات حاليًا بين نقابة الموسيقيين السودانيين ووزارة الثقافة حول إطلاق مبادرة لحماية حقوق الملكية الفكرية للفنانين السودانيين، وذلك تكريمًا لجهود سالم في هذا المجال. ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن تفاصيل هذه المبادرة في غضون الأسابيع القليلة القادمة.





