الشاباك حاضر في الفضاء الرقمي لاستهداف الوعي الفلسطيني

رام الله – يشهد الفضاء الرقمي الفلسطيني تصاعدًا في نشاط حسابات وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، ممولة ومنسقة، تستخدم أساليب جديدة للتأثير على الرأي العام. هذه الحسابات، التي غالبًا ما تتخذ أشكالًا جذابة مثل شخصيات كرتونية أو صفحات تقدم خدمات، هي جزء من استراتيجية متزايدة التعقيد تستخدمها أجهزة إسرائيلية، وتثير تساؤلات حول الأمن الرقمي والتأثير النفسي على الفلسطينيين. وتعتبر هذه الظاهرة تطورًا في أساليب استهداف الفلسطينيين عبر الإنترنت، حيث لم يعد الأمر يقتصر على المراقبة التقليدية بل امتد ليشمل التأثير المباشر على الوعي والسلوك.
وتشير التقارير إلى أن هذه الحملات الرقمية تهدف إلى زعزعة الثقة بالمقاومة، والترويج لليأس، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وذلك من خلال استغلال نقاط الضعف الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين. وتأتي هذه الجهود في سياق التوترات السياسية والأمنية المستمرة في المنطقة، مما يزيد من أهمية فهم هذه التكتيكات ومواجهتها.
تزايد التهديدات الرقمية وأثرها على الفلسطينيين
لم تعد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تقتصر على الأساليب التقليدية في جمع المعلومات ومراقبة الفلسطينيين، بل توسعت لتشمل الفضاء الرقمي بشكل مكثف. وتشمل هذه الأساليب إنشاء حسابات وهمية، واستخدام مؤثرين، ونشر محتوى مضلل، بهدف التأثير على الرأي العام الفلسطيني وتوجيهه بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
ويقول خبراء في الأمن السيبراني إن هذه الحملات تستخدم تقنيات متطورة، مثل الذكاء الاصطناعي، لإنشاء محتوى مقنع وتوزيعه على نطاق واسع. كما أنها تستغل الخوارزميات الخاصة بمنصات التواصل الاجتماعي لزيادة انتشار هذا المحتوى، مما يجعل من الصعب على المستخدمين العاديين تمييزه عن المعلومات الحقيقية.
وتعتمد هذه الأساليب على فهم عميق للثقافة والمجتمع الفلسطينيين، مما يسمح لها بتقديم رسائل مصممة خصيصًا للتأثير على المشاعر والمعتقدات. على سبيل المثال، قد تستخدم هذه الحملات صورًا أو مقاطع فيديو تثير مشاعر الحنين إلى الماضي أو الخوف من المستقبل، بهدف خلق حالة من اليأس والإحباط.
استهداف الشباب وتضليل المعلومات
تتركز جهود التأثير الرقمي بشكل خاص على الشباب الفلسطيني، الذين يعتبرون أكثر عرضة للتأثر بالمحتوى الذي يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي. وتستخدم هذه الحملات أساليب مختلفة لاستهداف الشباب، مثل إنشاء صفحات خاصة بالألعاب أو الموسيقى أو الموضة، ثم استخدام هذه الصفحات لنشر رسائل سياسية أو أيديولوجية.
بالإضافة إلى ذلك، تلجأ هذه الحملات إلى نشر معلومات مضللة أو أخبار كاذبة، بهدف تشويه صورة المقاومة الفلسطينية وتقويض مصداقيتها. وتعتمد هذه الأساليب على استغلال سرعة انتشار الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعل من الصعب تصحيح المعلومات الخاطئة قبل أن تصل إلى عدد كبير من المستخدمين.
وتشير الدراسات إلى أن انتشار المعلومات المضللة يمكن أن يؤدي إلى تراجع الثقة في المؤسسات الإعلامية والسياسية، وزيادة الاستقطاب والانقسام في المجتمع. كما يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة بناءً على معلومات غير دقيقة.
دور “الشاباك” والمنسق في الحملات الرقمية
تُتهم أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وعلى رأسها “الشاباك”، بالوقوف وراء العديد من هذه الحملات الرقمية. وتستخدم هذه الأجهزة مجموعة متنوعة من الأدوات والتقنيات لتنفيذ هذه الحملات، بما في ذلك إنشاء حسابات وهمية، وتجنيد مؤثرين، وشراء إعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما يلعب ما يُعرف بـ “المنسق” – وهو الحساب الرسمي لمسؤول الاتصال الإسرائيلي في الضفة الغربية – دورًا مهمًا في هذه الحملات. ويستخدم هذا الحساب لنشر معلومات حول الخدمات التي تقدمها إسرائيل للفلسطينيين، مثل التصاريح الطبية والمنح الدراسية، بهدف تحسين صورتها في نظر الرأي العام الفلسطيني.
ومع ذلك، يرى العديد من المراقبين أن هذه الخدمات غالبًا ما تكون مشروطة بالتعاون مع إسرائيل، وأنها تستخدم كأداة للضغط على الفلسطينيين.
مواجهة التهديدات الرقمية وتعزيز الوعي
تتطلب مواجهة هذه التهديدات الرقمية جهودًا متضافرة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة الفلسطينية، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، والمواطنين. ويجب التركيز على تعزيز الوعي بأهمية الأمن الرقمي، وتطوير مهارات التفكير النقدي لدى الشباب، ومكافحة انتشار المعلومات المضللة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة الفلسطينية الاستثمار في تطوير البنية التحتية الرقمية، وإنشاء فرق متخصصة في الأمن السيبراني، وتطوير قوانين ولوائح تحمي حقوق المواطنين في الفضاء الرقمي.
وفي المستقبل القريب، من المتوقع أن تشهد هذه الحملات الرقمية تطورًا مستمرًا، مع استخدام تقنيات جديدة وأساليب أكثر تعقيدًا. لذلك، من الضروري الاستمرار في تطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة هذه التهديدات، وحماية الأمن الرقمي للفلسطينيين.





