الصين تتحول لقوة ابتكار عالمية لكن بتكاليف باهظة ومخاطر كبيرة

Published On 27/8/2025
|
آخر تحديث: 15:43 (توقيت مكة)
في تقرير مطوّل نشرته مجلة “إيكونوميست” البريطانية، حذّرت المجلة من أن الصين -التي تحوّلت خلال العقد الأخير إلى قوة ابتكار عالمية تقود قطاعات السيارات الكهربائية والبطاريات والروبوتات- تفعل ذلك عبر نموذج استثنائي تديره الدولة يقوم على ما تصفه بكين بـ”سلسلة الابتكار”، هذا النموذج يحوّل الأبحاث في الجامعات والمختبرات الحكومية إلى منتجات تجارية، ويمنح الصين سرعة غير مسبوقة في تحويل الأفكار إلى صناعات.
لكن في الوقت نفسه ترى “إيكونوميست” أن هذا السباق الممول بالدين العام والدعم الحكومي قد يكون غير قابل للاستمرار. وقالت المجلة: “إن النفقات الهائلة والإفراط في المنافسة وسوء تخصيص الموارد يهدد بتحويل قصة النجاح إلى عبء طويل الأمد على ثاني أكبر اقتصاد في العالم”.
سلسلة ابتكار مدفوعة بالدولة
وفقا لما نشرته “إيكونوميست” فإن الرئيس الصيني شي جين بينغ جعل من التفوق التكنولوجي على الغرب هدفا إستراتيجيا، وأكد التقرير أن “الشركات الصينية تهيمن بالفعل على قطاعات مثل السيارات الكهربائية والبطاريات، وتسير بسرعة للحاق بالركب أو التفوق في مجالات ناشئة مثل الروبوتات الشبيهة بالبشر”.
المجلة عرضت مثال شركة “فيوجن إنرجي تيك” التي خرجت عام 2023 من مختبر نووي حكومي في مدينة هيفي، وأعلنت في يوليو/تموز 2025 عن خطط تجارية لتقنية اندماج نووي تنتج حرارة عالية جدا، كما طوّرت الشركة أجهزة فحص أمني يجتازها يوميا آلاف الركاب في محطات المترو.
حالة مشابهة قدمتها “إيكونوميست” من مدينة تشونغتشينغ، حيث تحولت مجموعة علماء من معهد حكومي صغير إلى شركة “ثيسيوس” التي أصبحت في غضون 5 سنوات من أبرز اللاعبين في مجال الرؤية الحاسوبية، وأعلنت في مايو/أيار الماضي عن شاشات متقدمة بتقنية “أموليد” بالشراكة مع “تشاينا موبايل”.
أرقام ضخمة ونفوذ متسع
المجلة لفتت إلى أن عوائد المعاهد البحثية الحكومية من بيع براءات الاختراع، أو تطوير تقنيات مشتركة قد تضاعفت بين 2019 و2023 لتصل إلى 205 مليارات يوان (29 مليار دولار). وأشارت “إيكونوميست” إلى أن مدينة هيفي تمثل “النموذج الأمثل لتلاقي البحث العلمي ورأس المال الخاص”، حيث تستثمر الحكومة المحلية في الشركات الناشئة وتبني سلاسل توريد داعمة، مما أدى إلى تسويق علاجات تعتمد على الاندماج النووي ودخول خدمات الاتصالات الكمية إلى الأسواق.
وفي مارس/آذار الماضي، منحت لجنة التنمية والإصلاح الوطني سيطرة مباشرة على صندوق تكنولوجي قيمته تريليون يوان (141 مليار دولار)، بهدف توسيع التجربة على مستوى وطني.

تكاليف باهظة ومخاطر الإفراط في المنافسة
لكن “إيكونوميست” نبّهت إلى أن الكلفة تتصاعد بشكل خطير، إذ تُقدَّر قيمة الدعم الحكومي للصناعات بما يقارب 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وأشارت إلى أن استثمارات رأس المال المغامر الخاص انهارت بنسبة 41% في النصف الأول من 2025، وهو ما يعكس “تراجع ثقة المستثمرين في بيئة الابتكار الموجهة من الدولة”.
وأضاف التقرير أن الدعم الكبير ولّد طاقات فائضة ضخمة، خصوصًا في قطاع السيارات الكهربائية، حيث أن “الغالبية العظمى من شركات تصنيع السيارات الكهربائية في الصين غير مربحة”، واشتكى خبراء الروبوتات من وجود “عشرات الشركات التي تنتج منتجات متشابهة دون وجود طلب حقيقي”، وهو ما يُعرف في الصين بحالة الإفراط في المنافسة الداخلية.
ديون متصاعدة ومستقبل غامض
المجلة نقلت عن دانييل روزن من مجموعة “روديوم” قوله: “إن الديون التي تكبدتها الصين لتمويل الابتكار هائلة وغير قابلة للاستمرار”، وأشارت إلى أن الدين العام، بما في ذلك ديون الحكومات المحلية، بلغ 124% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024، في وقت تراجعت فيه إنتاجية رأس المال والعمالة.
ورأت “إيكونوميست” أن الرئيس شي جين بينغ قد يجد نفسه مضطرا لتقليص الدعم الحكومي عاجلا أم آجلا، وهو ما قد يؤدي إلى “توقف حزام النقل الابتكاري الذي غذّى صعود الصين التكنولوجي في العقد الأخير”.
وأضافت المجلة أن “النموذج الصيني خلق شركات عالمية المستوى، لكن العائد على الاستثمار أصبح منخفضا إلى حد يجعل الاستمرار غير مضمون”.