الضربات الأوكرانية على منشآت الطاقة الروسية.. موجعة وليست قاضية
عندما أطلقت أوكرانيا عملية عسكرية كبيرة لاستهداف منشآت النفط والغاز الروسية قبل تسعة أشهر، كانت أهدافها واضحة: الإضرار بموسكو ماليا وتعطيل البنى التحتية المستخدمة لدعم الحرب.
لكن بينما حدّت الضربات من إمكانيات التكرير الروسية، كان التأثير الأوسع على القطاع محدودا حتى الآن.
وتعد مصافي التكرير ومخازن النفط قوة هائلة محرّكة للاقتصاد الروسي، إذ ولّدت عائدات تصدير بقيمة أكثر من 17 مليار دولار في يوليو، بحسب كلية كييف للاقتصاد.
ومنذ ضربت محطة أوست-لوغا الروسية الضخمة للوقود المطلة على بحر البلطيق في يناير، أعقبت أوكرانيا التحرّك بعدة هجمات استهدفت عشر مصاف روسية على الأقل.
خفضت الضربات مجتمعة إمكانيات التكرير الروسية بنحو “16 في المئة” في مرحلة ما في مارس، أو ما يعادل حوالى 1,1 مليون برميل يوميا، بحسب رئيس قسم الطاقة الروسية لدى شركة “إس أند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس” S&P Global Commodity Insights للتحليل ماثيو سيغرز.
ردّت شركات النفط الروسية سريعا على الهجمات المتكررة، إذا سارعت لإعادة تشغيل المصافي والحصول في بعض الحالات على أنظمة دفاعية خاصة بها.
وقال سيرغي فاكولنكو من مركز كارنيغي لروسيا وأوراسيا “عادت العديد من المصافي للعمل بعد أسبوعين إلى ثلاثة من أعمال الصيانة”، رغم أنه حذّر من أن الأمر يعتمد على حجم الأضرار.
كما تمكّنت شركات كبرى من إعادة تحويل النفط إلى مواقع بعيدة عن أوكرانيا، بحسب سيغرز. وفي بعض الحالات “استخدمت دفاعاتها الخاصة بها”.
وقال “اشتروا أسلحة نارية مضادة للطائرات وثبّتوا وجلبوا شبكات معدنية مضادة للمسيّرات”.
تأثير “محدود للغاية”
ولدى سؤاله من قبل فرانس برس، قال الكرملين إن الضربات الأوكرانية كان لها تأثير “محدود للغاية”.
لكن نائب رئيس الوزراء المعني بشؤون الطاقة ألكسندر نوفاك أقر بأن منعها “بنسبة 100 في المئة أمر مستحيل”.
مددت الحكومة الروسية أيضا حظرا لصادرات البنزين حتى نهاية العام، في خطوة تقول إنها نتيجة خضوع المصافي إلى “أعمال صيانة مقررة مسبقا”. لكن محللين ربطوا القرار بهجمات كييف.
بعد أعمال الصيانة التي تم القيام بها في الأشهر الأخيرة، تراجع حجم إمكانيات التكرير الخارجة عن الخدمة “إلى صفر في المئة تقريبا”، بحسب سيغرز، باستثناء منشأة كبيرة استُهدفت في موسكو مطلع سبتمبر.
لكن الضربات بقيت موجعة بالنسبة لموسكو.
وقال سيغرز إن كلفة الأضرار “تتراوح من بضعة ملايين إلى عشرات ملايين الدولارات” لكل ضربة.
وتقع أكثر من 60 في المئة من مصافي روسيا الكبيرة البالغ عددها 30 أو نحو ذلك (وهي مجمّعات كبيرة عادة يسهل استهدافها) ضمن مسافة 1300 كيلومتر عن مواقع إطلاق المسيّرات في أوكرانيا.
وبالنسبة لأوكرانيا، فإن القدرة على تعطيل المصافي باستخدام “خمسة إلى 50 كيلوغراما من المتفجرات” تتجاوز في أهميتها بأشواط كلفة تنفيذ الضربات بالمسيّرات، بحسب فاكولينكو الذي ألّف تقريرا في هذا الشأن.
وقال إن “كل هجوم يكلّف على الأرجح ما بين مليون وخمسة ملايين دولار لكل غارة وموقع، وهو ثمن ضئيل نسبيا لمهاجمة هدف بمليارات الدولارات”.
– “آلة الحرب الروسية” –
تفيد أوكرانيا بأن الضربات رد “منصف” على الهجمات الروسية على البنى التحتية التابعة لها المخصصة للطاقة التي أدت إلى غرق ملايين السكان في الظلام، وهو أمر يتفق معه كثيرون في الغرب.
وقال مسؤول غربي رفيع لفرانس برس طالبا عدم الكشف عن هويته “نتحدّث عن منتجات مكررة يستخدمها الجيش، لذلك فإنها أهداف عسكرية مشروعة تماما”.
وأضاف “يضغط ذلك على آلة الحرب الروسية”.
لكن مع تواصل الحرب على مدى عامين ونصف العام، تفيد تقارير بأن الجانبين يشعران بالإنهاك من استهداف مواقع الطاقة.
وذكرت “واشنطن بوست” في منتصف أغسطس بأن الجانبين أرادا التوصل إلى اتفاق بشأن وضع حد للهجمات على منشآت الطاقة في إطار “وقف جزئي لإطلاق النار”، لكن هجوم أوكرانيا على منطقة كورسك أخرج الخطط عن مسارها.
وقلل مصدر في الرئاسة الأوكرانية من أهمية المقترح، قائلا إن كييف خططت لاجتماع بشأن أمن الطاقة لكن مع البلدان التي شاركت في قمة يونيو للسلام في سويسرا فحسب، وهو اجتماع لم تدع إليه روسيا.
وقال مسؤول في الاستخبارات العسكرية الأوكرانية لفرانس برس إن “الضربات ستتواصل في الوقت الحالي”. وأضاف أن “عددها ومداها يزدادان”.