Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تكنولوجيا

العالم المشوّه.. الإنسان يزداد انعزالا والتقنية تزداد سيطرة

نحن الآن في المستقبل، إنه العام 2057، توصلت شركات التقنية إلى تصغير الهواتف الذكية جدا، وأصبح بإمكاننا زرعها مباشرة في أدمغتنا كشريحة. وعندما يفكر الشخص في حقيقة أو معلومة ما، فسوف تخبره الشريحة بالجواب المناسب في أقل من ثانية.

تخيل الآن، بعد أن عاشت أجيال وأجيال بتلك الشريحة المزروعة، وكبرت وهي تعتمد عليها اعتمادا كاملا لتحصيل ما يعرفونه عن الحياة، لدرجة أنهم نسوا كيف كان يتعلم الناس في الماضي: عن طريق الملاحظة، والبحث الدقيق، والاعتماد على المنطق والتفكير النقدي. ثم تخيل هذا: في لمح البصر تحدث كارثة بيئية تدمر شبكة اتصالات الكوكب الإلكترونية، وتُدمّر معها كل الشرائح المزروعة داخل أدمغة البشر، وكأن العالم كله أصبح أعمى في طرفة عين. لن يكون هناك طريقة لإثبات الحقائق، ولن يعرف أحد أي شيء بعد الآن، لأنه ببساطة، لا أحد يعرف كيف يعرف.

في كتابه “شبكة الإنترنت الخاصة بنا: معرفة أكثر وفهم أقل في عصر البيانات الكبيرة”، يتخيل أستاذ الفلسفة “مايكل لينش” تلك التجربة الفكرية، ويعتقد أننا قريبون جدا من الوصول إلى هذه النقطة، إذ لا يمكننا رؤية الحقائق في الواقع، وهو يرى أننا لم نعد قادرين فعلا على الاتفاق حول كيف نعرف.

ربما جزء مهم من هذا التصور هو انغماسنا في العوالم الافتراضية لدرجة أن الحدود بين العالم الواقعي والافتراضي بدأت في الذوبان، وقد لا نملك القدرة في المستقبل القريب على التفرقة بينهما، بل وربما نعيش داخل عالم افتراضي بالكامل، معتمدين فيه على تقنيات حديثة لا نعرف مدى تأثيرها على حياتنا أو تفاعلاتنا الإنسانية.

تلك التقنيات والأجهزة الحديثة هي ما تحاول آبل وميتا، وغيرها من شركات التقنية الكبرى، إقناعنا بأنها تقنيات مفيدة لحياتنا، وستطور من إنتاجيتنا في العمل، و”يجب” استخدامها في مهام وأنشطة يومنا بصورة مستمرة. نحن نتحدث هنا بالطبع عن نظارات الواقع المعزز، أو -للدقة- الواقع المختلط، كنظارة “آبل فيجن برو” الجديدة، التي بدأ بيعها للمستخدمين في بداية شهر فبراير/شباط من العام المنصرم.

بدأ بعض المستخدمين فعلا في تصوير مقاطع فيديو يرتدون فيها نظارة “فيجن برو” في أثناء تأدية مهام يومهم، وربما المهام الأخطر كانت قيادة السيارات، التي غالبا ما تكون من “تسلا” بالاعتماد على القيادة الذاتية. في السادس من فبراير/شباط، وبعد مرور 4 أيام فقط على إصدار النظارة الجديدة، نشرت الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة في الولايات المتحدة بيانا يدعو المواطنين إلى تجنب القيادة وهم يرتدون نظارة “فيجن برو”، وذلك استجابة لمقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي لمن يقومون بهذا الفعل، حتى إن كانت مقاطع فيديو غرضها المزاح وتلقي الإعجابات والتفاعل.

كما أشار وزير النقل الأميركي السابق في إدارة بايدن عبر حسابه على منصة “إكس”، إلى أن كافة السيارات المتوفرة للمستهلكين، والمزودة بأنظمة متطورة للمساعدة في القيادة، تتطلب انتباه وتفاعل السائق باستمرار.

ربما يمنحنا هذا المقطع السابق لمحة بسيطة للغاية عن المستقبل الذي نخشاه؛ رجل يقود سيارة “تسلا” معتمدا على القيادة الذاتية، ومرتديا نظارة “آبل فيجن برو” محركا يديه في الهواء، كعازف أوركسترا بدون جمهور، مستخدما تطبيقات مختلفة داخل عالم افتراضي، ولا يأبه بما يحدث خارج هذا العالم، حتى إن تسبب في كارثة لمن حوله.

سوق راكدة منذ سنوات

في عام 2012، كشفت غوغل عن ما كانت تأمل أن يصبح الثورة التقنية الأكبر في عالم الأجهزة الذكية: نظارات غوغل، وهي كانت أولى تجاربها لنظارة ذكية تعتمد على تقنية الواقع المعزز (AR)، ثم قررت بيع نسخة للمستهلكين بعدها بعامين بسعر وصل حينها إلى 1,500 دولار. كانت الشركة تضع آمالها أن تحقق تلك النظارة للعالم ما حققه الآيفون والهواتف الذكية قبلها بسنوات قليلة، لكن تلك الثورة لم تحدث بالطبع. الفكرة كانت سابقة لعصرها فعلا، لكن الإمكانيات التقنية لم تكن موجودة بعد، والنظارة كانت محدودة ولا يوجد لها استخدامات حقيقية كالهاتف الذكي، مقارنة بسعرها المرتفع للغاية، والأهم أن رد فعل المستخدمين والجماهير كان سلبيا جدا.

في يناير/كانون الثاني عام 2015، أعلنت غوغل إيقافها عمليات بيع النظارة، وإنهاء المرحلة التجريبية لمشروع تطويرها، واستمرت إصدارات النظارة المخصصة للأغراض الصناعية لفترة زمنية أطول، ولكن أوقفتها الشركة أيضا في العام الماضي.

تأتي كل بضع سنوات شركة تقنية أخرى تحاول إحياء هذا التوجه ولكن دون نجاح يُذكر. فمثلا، تجربة مايكروسوفت، عام 2016، مع نظارتها “هولولنز” لم تختلف كثيرا عن فشل تجربة نظارة غوغل، ولم تحقق منها أي مبيعات أو نجاح في هذا السوق، ربما كان أكبر نجاح لها هو الاتفاق مع الجيش الأميركي في عام 2021 على عقد لتصنيع أجهزة الواقع المعزز المخصصة لتدريب الجنود، بناء على تصميم نظارتها “هولولنز”، بأكثر من 120 ألف جهاز.

أي أن استخدامها في النهاية اقتصر على مهام واضحة ومتخصصة جدا، كما هو الحال مع نظارات الواقع الافتراضي التي تستخدم غالبا في ألعاب الفيديو، ولم ينتشر استخدامها في سوق الأجهزة الذكية الاستهلاكية المعتادة.

وفي الوقت الراهن، لا تروق فكرة الواقع الافتراضي أو المعزز لكثير من المستخدمين، وهذا السوق كان في انخفاض مستمر خلال السنوات الماضية، مثلا انخفضت مبيعات تلك النظارات، سواء للواقع المختلط أو الافتراضي، بنحو 8.3% العام الماضي، وفقا لشركة أبحاث السوق (IDC). كما خسرت شركة ميتا، وهي للمفارقة من الشركات الرائدة في هذا المجال، بسبب استثمارها في نظارات “كويست”، أكثر من 46 مليار دولار في قطاعها لتطوير أجهزة الواقع المعزز منذ عام 2019.

حدث هذا بالطبع بعد فشل فكرة الميتافيرس في اكتساب أي زخم حقيقي، بعدما قرر مارك زوكربيرغ التوجه نحو تلك الفكرة بالكامل للدرجة التي غيّر معها اسم الشركة إلى ميتا، لأن هدفه في الأساس كان حجز أول مقعد في هذا المجال الجديد ليضع شروطه الخاصة.

إذن، لماذا تفكر شركة آبل في دخول هذه السوق الراكدة فعلا منذ سنوات؟

هل ستنجح آبل؟

قد تكون الإجابة الأقرب للواقع: لأنها تحاول التفكير في الأمر من وجهة نظر المستخدم العادي، بإجراء تغيير جوهري في تسويقها لنظارة “فيجن برو” والتأكيد على أنها لا تسعى إلى كسب ود اللاعبين المحترفين، كما تفعل باقي النظارات من شركات أخرى، بل تحاول إضفاء الطابع الاعتيادي على فكرة ارتداء النظارة للاستخدام اليومي في مهام مختلفة كالعمل والترفيه بمختلف أشكاله، لهذا تعتبر أنها بدأت حقبة جديدة من الحوسبة التي تطلق عليها اسم الحوسبة المكانية. لا تفكر الشركة في النظارة كأداة ألعاب أخرى، لكنها تراها كأداة أعمال كالحاسب الشخصي والهاتف الذكي مثلا.

في يونيو/حزيران العام الماضي، مع حدث الإعلان عن النظارة الجديدة، ذكر تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة آبل، أن “اليوم بداية حقبة جديدة للحوسبة؛ كما قدّم لنا جهاز ماك الحوسبة الشخصية، وقدم لنا الآيفون الحوسبة المحمولة، فإن نظارة آبل فيجن برو تُقدِّم لنا الحوسبة المكانية”.

لا تحاول الشركة مجرد بيع منتج أو جهاز جديد، لكنها تحاول بيع مفهوم جديد للحوسبة، كأنها تبيع منصة جديدة بنظام تشغيل جديد، في محاولة استحواذ على بدايات هذا النوع الجديد من الحوسبة. بالطبع، كان هذا نفس النهج من التفكير الذي تبنّاه مارك زوكربيرغ عندما أطلق فكرة الميتافيرس، مؤكدا أنها منصة جديدة بالكامل للحوسبة يمكن للمستخدم الاستفادة منها في العمل والتواصل والترفيه وكل تلك الأنشطة اليومية الطبيعية، لكن، كما رأينا جميعا، لم يقتنع أحد بفكرة مارك أو بالميتافيرس.

الفكرة الأساسية في تسويق آبل لنظارة “فيجن برو” أنها ستدمج العالم الواقعي مع العالم الافتراضي، ستختفي الحدود بين العالمين تدريجيا وأنت ترتدي النظارة. وربما هي الفكرة الأكثر إثارة للقلق والخوف، خاصة عندما تدرك أننا لا نحتاج أصلا لمثل تلك التقنيات كي ننغمس أكثر في العالم الافتراضي في وقتنا الحالي. المشكلة الأكبر، بطبيعة الحال، هي أننا لا ندرك كيف سيؤدي النظر إلى العالم من خلال شاشة فقط إلى الإضرار بأدمغتنا وعلاقتنا بالحياة والمجتمع من حولنا.

لذا، فإن الأمر سيكون أعقد قليلا من فكرة توقع نجاح هذه النظارة أم لا، لأن التقنية نفسها عندما تتطور قد تسمح بإنتاج نظارة بمواصفات أفضل، ويمكن استخدامها فعلا في مهام متعددة بعيدا عن كونها جهازا ترفيهيا كما هو الحال حتى هذه اللحظة. لكن ربما ستكون المعضلة حينها: هل سيتقبل المستخدم هذا النوع الجديد من الحوسبة قريبا، أم أن الأمور ستظل على وضعها الحالي؟

نظارة “فيجين برو” (الموقع الرسمي لشركة آبل)

الحوسبة المكانية

دائما ما تحدّث تيم كوك عن إمكانات الواقع المعزز بوصفه تقنية مستقبلية، تنقل تجربة العالم الرقمي إلى العالم الحقيقي، وكيف ستدخل تلك الأجهزة في الاستخدام اليومي لمعظم الناس، وربما تأثيرها سيماثل اختراع الإنترنت يوما ما.

تهدف آبل من طرح نظارتها الجديدة “فيجن برو” إلى دمج الواقع مع المحتوى الرقمي، لهذا يُطلق عليها نظارة “الواقع المختلط (Mixed Reality)”، بجانب تغيير أسلوب تفاعل المستخدم مع هذا المحتوى. كما ذكرنا، تُقدِّم آبل نظارتها الجديدة باعتبارها منصة حوسبة جديدة بالكامل، لا علاقة لها بالهاتف الذكي أو الحاسب الشخصي أو حتى شاشة التلفزيون، وهو نوع الحوسبة الذي يُعرف باسم الحوسبة المكانية.

ويشير المصطلح إلى التقنية المستخدمة في مثل هذه النظارات، التي تدمج بين العالمين الرقمي والحقيقي، ما يسمح للمستخدم بالتفاعل مع المحتوى الرقمي داخل بيئته الواقعية. بينما التقنية الأساسية وراء هذا النوع الجديد من الحوسبة هي “تمرير الفيديو (passthrough)”، التي تسمح للمستخدم برؤية العالم الواقعي والتفاعل معه، في الوقت الفعلي، في أثناء استخدام النظارة ومشاهدة المحتوى الرقمي داخلها.

نظرا لأن التقنية نفسها حديثة نسبيا، فإننا لم ندرك بعد آثارها الصحية والنفسية علينا، لكن بدأت جهود بعض الباحثين في دراسة تلك التأثيرات الصحية والنفسية على الإنسان، والهدف من هذه الجهود هو الحرص على إمكانية استخدام تلك الأجهزة بأمان وفعالية مع تطور تقنية الحوسبة المكانية، باعتبار انتشار استخدام مثل هذه النظارات الجديدة أكثر داخل حياتنا اليومية في المستقبل القريب.

إذ أظهرت دراسة جديدة، نشرها مختبر التفاعل الإنساني الافتراضي التابع لجامعة ستانفورد، أن الاستخدام المتواصل لنظارات الواقع المختلط، مثل نظارة “آبل فيجن برو”، قد يسبب للمستخدمين اضطرابات حقيقية، مثل مشكلات إدراك العمق أو الإصابة بما يُعرف باسم “دوار أجهزة المحاكاة (simulator sickness)”، وهي مجموعة من الأعراض المزعجة التي تشمل الغثيان والصداع والدوار وإرهاق العين، وهو ما عانى منه الباحثون عند اختبارهم لهذا النوع من النظارات في أثناء الاستخدام اليومي.

شارك 11 باحثا، في هذه الورقة البحثية، بعد اختبارهم واستخدامهم لأكثر من نظارة واقع افتراضي ومعزز، بما فيها نظارة آبل الجديدة ونسخ “كويست 3″ و”كويست برو” من شركة ميتا والعديد من نظارات الرؤية الليلية المختلفة. ووفقا للورقة البحثية، فإن هذا النوع من نظارات الواقع المختلط، التي تستخدم ميزة تمرير الفيديو، قد تؤدي إلى حدوث آثار نفسية سيئة على المستخدم.

الهدف من تلك الدراسة هو وضع إرشادات ومبادئ لبناء أساس مجال الأبحاث في هذا النطاق، المتعلق باستخدام هذا النوع من الأجهزة القابلة للارتداء، لكن نتائج الدراسة تشير إلى وجوب توخي الحذر عند ارتداء تلك النظارات لفترات متواصلة أو طويلة على مدار اليوم.

الحدود بين العالم الافتراضي والواقعي

بينما كانت نظارة غوغل تسمح لمرتديها بمشاهدة العالم الحقيقي بأقل قدر من التشويش، فإن نظارة آبل “فيجن برو” تحوّل العالم إلى شاشة عملاقة عبر عتاد داخلي قوي، لأنها مزودة بشاشتين بدقة 4K مع 23 مليون بيكسل و12 كاميرا ومستشعرات “ليدار” وغيرها، لإعادة تصميم العالم الحقيقي أمام عيني المستخدم على صورة عالم افتراضي. تجتمع كل هذه الكاميرات والمستشعرات والشاشات لإنتاج الميزة الأساسية في النظارة التي تفرقها عن النظارات الذكية السابقة تقنية “تمرير الفيديو” في الوقت الفعلي.

تستخدم نظارة آبل “فيجن برو”، شأنها شأن نظارات ميتا “كويست 3″، تقنية ” تمرير الفيديو” التي تلتقط صورة العالم الخارجي وتعيد إنتاجها داخل الجهاز. إذ تزود المستخدم بصور لبيئة اصطناعية مصممة لتبدو وكأنها واقعية، بينما تطفو تطبيقات وبرامج آبل وغيرها من العناصر الافتراضية الأخرى أمام تلك البيئة.

هنا تأمل الشركات المصنّعة لتلك النظارات، مثل آبل وميتا، أن يصبح هذا العالم الافتراضي مقنعا لدرجة تدفع المستخدم إلى عدم الاكتفاء بزيارته، بل يتطلعون إلى إمكانية أن يعيش بداخله، ممارسا أنشطة يومه المعتادة، ويتواصل مع عالمه الحقيقي في نفس اللحظة. ببساطة، الفكرة الأساسية هي اندماج الحدود بين العالم الافتراضي والواقعي.

هنا تكمن أهمية تلك التقنية الجديدة المختلفة، لأن نظارات الواقع الافتراضي (VR) التقليدية تقدم بيئة اصطناعية بالكامل، بينما النظارات الأحدث الخاصة بالواقع المعزز تقدم النوافذ الرقمية التي تطفو وتتحرك أمامك على شاشة النظارة، كما قدمت نظارات غوغل سابقا، ولكن لكلا الاتجاهين حدوده التي قيدت ومنعت انتشار هذه الأجهزة أكثر.

لأن نظارات الواقع الافتراضي، التي تعزل الحواس بالكامل عن العالم الخارجي، لم تحرز أي تقدم أكثر من كونها مجرد وسيلة ترفيهية متخصصة، تستخدم في بعض الألعاب أو مشاهدة مقاطع الفيديو، بينما نظارات الواقع المعزز تميل إلى تشويه صورة كل من التطبيقات الطافية والعالم الحقيقي.

لذا، من وجهة النظر البصرية، فإن تقنية “تمرير الفيديو” هي أقل الحلول سوءا، إلا أن تبعاتها الاجتماعية والنفسية أكثر إثارة للخوف والرهبة.

إعادة صياغة مفهومنا عن العالم

لسوء الحظ، فإن تأثير تلك التجربة قد يؤدي إلى بعض العواقب الغريبة والفوضوية للغاية على الدماغ البشري، فقد وجد الباحثون أن الانغماس لمدة طويلة في استخدام نظارات الواقع المعزز قد يغير فعليا نظرتنا وإدراكنا للعالم من حولنا ونظرتنا تجاه بعضنا بعضا. وهذا معناه أن أدمغتنا على وشك خوض تجربة ضخمة على مستوى المجتمع قد تعيد صياغة مفهومنا عن العالم من حولنا، بل وتزيد من صعوبة الاتفاق على ما هو الواقع تحديدا، لأنها ترصد العالم الواقعي ثم تعيد عرضه على الشاشة أمام المستخدم، ما يؤدي إلى تأثير مزعج ومشوش مع مرور الوقت.

فعندما حاول الباحثون التحدث إلى الآخرين من حولهم عبر النظارة، تحول العالم إلى ما يشبه مكالمة ضخمة ومربكة على تطبيق “زوم”. فكما نعرف، تعاني مكالمات الفيديو، على تطبيقات مثل “زوم”، من التأخر في زمن الاستجابة والرد، بجانب ضياع الدلالات الاجتماعية للحديث. أي أن تلك المحادثات تفتقد الجانب الإنساني الواقعي، لكنها جيدة بالقدر الكافي لإجراء اجتماع عمل والانتهاء من تعيين أدوار ومهام المشروع القادم.

لكن تقنية “تمرير الفيديو” تضخم هذا التأثير، فمن تتحدث معهم من خلال النظارة يظهرون كأنهم أشخاص خياليون، وقد يشبهون عن قرب شكل “الآفاتار” الافتراضي، وعند النظر إليهم من مسافة أبعد فإنهم سيتحولون إلى مجرد جزء من خلفية المشهد أمامك. لذا، قد يسهّل استخدام نظارات الواقع المختلط على المدى الطويل اعتبار الآخرين أشخاصا غير آدميين، أو كالشخصيات الثانوية داخل ألعاب الفيديو.

يتطلب استيعاب الفارق بين العالمين الواقعي والافتراضي، خاصة في سياق تقنية الواقع المعزز، إلقاء نظرة أعمق على كيفية تأثير مواصفات الجهاز، مثل مجال الرؤية والبيكسل لكل درجة (PPD) ومعدل التحديث، على إدراك المستخدم للواقع من حوله. وتعد تلك الجوانب التقنية أساسية لأنها تؤثر بصورة مباشرة على مدى قرب التجربة الافتراضية من رؤية الحياة الواقعية، ما يؤثر على مستوى تشوه الرؤية أو وضوحها لدى مستخدم النظارة.

تشوه رؤيتنا عن العالم

تخيل أنك ترتدي نظارة خاصة تسمح لك برؤية نسخة رقمية أو محسنة من العالم حولك، قد يشبه هذا المفهوم إلى حد ما ألعاب الفيديو التي تكون فيها داخل اللعبة وترى كل شيء من خلال شاشة النظارة. والآن، دعنا نشرح بعض المفاهيم حتى يسهل فهم المشكلات النفسية التي تسببها نظارات الواقع المختلط.

أولا، ربما سمعت عن “الرؤية النفقية (Tunnel vision)”، التي يتضاءل فيها مجال رؤيتك المحيطية، وهي تشبه النظر عبر أنبوب ضيق لا ترى من خلاله سوى جانب بسيط من كل شيء حولك. عندما نذكر مجال الرؤية، في سياق ارتداء هذا النوع من النظارات، فإننا نتحدث عن مقدار ما يمكنك رؤيته من العالم دون أن تدير رأسك. إذا رأيت من خلال النظارات جزءا محدودا جدا من محيطك، فقد يشعرك ذلك بالانعزال والحصار قليلا، أو ربما يؤثر على مدى إدراكك لأماكن الأشياء في المساحة المحيطة بك، كما قد يقلل من واقعية تجربتك للنظارة.

أحيانا، يقرر صنّاع تلك النظارات أن يسمحوا لك برؤية نسبة أقل من الأشياء حولك عن عمد، وربما يكون الهدف تحسين عمل جوانب تقنية أخرى من النظارة. على سبيل المثال، تسمح نظارات الرؤية الليلية العسكرية بمجال رؤية أقل ولكنها تساعد على سرعة الإبصار في الظلام، وغالبا ما تتعلق تلك المفاضلة بسرعة تحديث الرؤية، أي مدى سرعة النظارة في إظهار ما يحدث أمامك في أثناء حركة رأسك.

إذا كان هناك تأخير، أو ما نطلق عليه “زمن الاستجابة”، فقد تشعر أن العالم متأخر قليلا عن تحركاتك. لذا، تحاول تلك النظارات الحديثة إبقاء هذا التأخير في أقل فترة زمنية ممكنة حتى لا تلاحظه، فمثلا نظارة ميتا “كويست 3” وآبل “فيجن برو” تتميزان بمعدل تأخير بنحو 12 مللي ثانية، وهو معدل أبطأ قليلا مما يمكن لعينك رصده.

وعندما نذكر درجة وضوح أو حدة ما تراه عبر النظارة، فإننا غالبا نستخدم مصطلحات مثل الدقة والبيكسل. بالرغم من أن الأجسام الحقيقية لا تتكون من بيكسلات، إلا أنها تُستخدم لوصف مدى دقة التفاصيل في الصورة التي تظهر أمامك على شاشة النظارة. يستخدم الباحثون وحدة قياس تُسمى بيكسل لكل درجة، وهي تساعدهم في معرفة مدى وضوح الصورة على شاشة النظارة، كلما زادت نسبة البيكسل لكل درجة أصبح العالم أكثر وضوحا وتفصيلا عبر شاشتها.

مثلا، تأتي نظارة “كويست 3” بمجال رؤية أفقية يبلغ 110 درجات بجانب دقة 25 بيكسل لكل درجة، وبينما لا تشارك آبل هذه الأرقام لنظارتها الجديدة “فيجن برو”، إلا أن بعض التقديرات تشير إلى مجال رؤية أفقية أقل قد يتراوح بين 100 إلى 110 درجات، ولكنها قد تأتي بدقة تصل إلى 34 بيكسل لكل درجة.

لذا، فإن كل تلك العوامل، سواء مدى اتساع مجال الرؤية أو سرعة تحديث الصورة أو مدى وضوحها، تعمل معا لإضفاء تجربة استخدام غامرة لمثل هذه النظارات بأكبر قدر ممكن. بينما عند مقارنة تلك الأرقام مع قدرات العين البشرية، التي يصل فيها مجال الرؤية الأفقية إلى 270 درجة مع حركة العينين، وتصل دقة الوضوح إلى 60 بيكسل لكل درجة، لشخص يتمتع بدرجة بصر قوية، وجد الباحثون أن الفارق بين الإدراك الواقعي والافتراضي يصبح فارقا واضحا.

على سبيل المثال، خلال الاختبارات التي أجراها الفريق البحثي على نظارة الواقع المختلط “كويست 3″، لاحظوا ظهور مشكلات تشوه شديدة في الرؤية، خاصة عند وضع الأجسام بالقرب من كاميرات النظارة.

بخلاف مواصفات النظارة التقنية، تلعب خوارزميات البرمجيات داخلها، التي تدمج الصور لعرض الواقع الافتراضي، دورا مهما أيضا، لأنها قد تؤدي إلى حدوث مزيد من التشوهات الإضافية، كما هو الحال عندما يتحرك جسم ما، كاليد، أمام كاميرات النظارة، ما يتسبب في إظهار الحواف منحنية أو مشوشة وضبابية.

تلك التشوهات، إلى جانب القيود التي تفرضها النظارة على مجال الرؤية، مع جودة التباين وغيرها من العوامل، يمكنها أن تؤدي إلى التنافر الإدراكي لدى المستخدم، وهو مصطلح يشير إلى صراع الدماغ البشري لإيجاد توافق بين ما يصله ويدركه عبر النظارة وبين ما يعرفه على أنه واقعي ومادي فعلا أمامه. ونتيجة لذلك، قد يجد المستخدم صعوبة في الانتقال من البيئة الافتراضية إلى أنشطة حياته العادية، مثل المشي أو التعامل مع الأشياء في محيطه، بعد استخدام النظارة لفترات طويلة في أثناء يومه.

تبرز هذه الدراسة التحديات العملية التي يواجهها مستخدمو هذا النوع من النظارات، بما فيها صعوبات الحكم الصحيح على المسافات والتفاعل مع الأجسام المتحركة أو البيئة المحيطة في أثناء ارتداء النظارة، وهو ما يشير إلى صعوبة استخدام تلك الأجهزة خلال الأنشطة اليومية المعتادة.

كما يشير الباحثون أيضا لحدوث مشكلة أخرى تتمثل في أن تلك التشوهات، بسبب إمكانية التنقل بين العالم الحقيقي والافتراضي، ستجبر الدماغ البشري على التكيف معها، في محاولة لملء تلك الفراغات. وبمرور الوقت، سيملك الدماغ قدرة على التأقلم مع مشاهدة العالم عبر النظارة، وقد يجد المستخدم سهولة أكبر في التنقل داخل البيئات الافتراضية، ويتعلم كيف يعوض تلك التشوهات والتناقضات الأخرى التي تظهر أمامه.

لكن، قد يشكل هذا التأقلم صعوبات للمستخدم بمجرد خلع النظارة، إذ يستمر الدماغ في عملية التعويض وملء الفراغات بناء على الإدراك المتغير الذي اعتاد عليه عندما كان يرى العالم من خلال شاشة النظارة. لذا، فإن ارتداءها لفترات طويلة يسبب تغيرات في إدراكنا للواقع قد لا نعود منه لمعرفة ما هو الحقيقي وما هو الافتراضي فعلا.

Title 2062865573 Category ShutterStock, Shutter Stock, Technology, Sports/Recreation File Type jpg Picture Size 7952 x 5304 Description Metaverse digital cyber world technology, man with virtual reality VR goggle playing AR augmented reality game and entertainment, NFT game futuristic lifestyle Keywords ShutterStock, Shutter Stock, play, virtual reality, gadget, simulation, augmented reality, meta verse, screen, competition, digital world, communication, creativity, tech, neon background, cyber space, imagination, ar, background, science, vr, nft, colorful, internet, party, game, virtual, entertainment, concept, exercise, goggle, smart, glasses, computer, futuristic, laser, modern, graphic, connect, fight, hand, digital, sport game, neon, abstract, technology, lifestyle, cyber, blue, future, fun, digital technology
المشكلة ليست في التقنية نفسها، بل مدى انغماسنا داخلها (شترستوك)

مزيد من العزلة

قد نحيا جميعا داخل فقاعاتنا الإدراكية الخاصة، كل منا لديه حدود حسيّة مختلفة ولو قليلا عن الآخرين، مثلا قد نرى الألوان بصورة مختلفة نوعا ما، أو نسمع بمستويات مختلفة من الحدّة، أو نملك حساسية أكثر أو أقل تجاه الروائح المختلفة. تتولى أدمغتنا معالجة كل هذه المدخلات بصورة فريدة عبر الجينات أولا، ثم من خلال التغيرات العصبية طوال حياتنا من التفكير والتنفيذ.

لكن بصفة عامة، فإننا نتفق على بعض القواسم المشتركة على الأقل. بينما النظارات الجديدة قد تضفي على جدران تلك الفقاعات الحسية مزيدا من الكثافة والسُّمك، وتزيد من صعوبة تخطيها. نحن بدأنا نخسر أصلا تلك الأرضية المشتركة من الناحية الاجتماعية والإنسانية، فماذا سيحدث عندما يرتدي الملايين نظارات الواقع المختلط على مدار ساعات اليوم؟

حينها قد نجد أنفسنا عاجزين حتى عن التوافق على ماهية واقعنا المادي، إذ ستضع النظارات أشياء وعناصر داخل عالمنا المرئي لا يراها سوانا، ستخلق أدمغتنا عالمها الخاص!

نعلم أنه بمرور الوقت، ومع تطور تلك الأجهزة أكثر، ستزيد دقة شاشات تلك النظارات وستصبح أفضل وأسرع في عرض الصورة، كما قد تقلل الخوارزميات الجديدة من التشويه الذي يحدث عند ارتدائها. المشكلة هنا ليست في التقنية نفسها، بل مدى انغماسنا داخلها.

يمتلك هذا الانغماس الكامل في العالم الافتراضي إغراء وجاذبية بالتأكيد، ولكنه أيضا يُعد تنازلا كاملا من الإنسان لصالح الشاشات، كأن تلك النظارات تلعب على احتلال آخر مساحة انتباه متبقية يملكها الإنسان الحديث، وهي رؤيته المحيطية. وهو ما يطرح سؤالا آخر عن علاقتنا المعقدة بالتقنية: هل التقنيات والأجهزة الجديدة مفيدة أم ضارة؟

خدعة التكنولوجيا

الفكرة هنا، كما يطرحها عالم الاجتماع “جاك إيلول” في كتابه “خدعة التكنولوجيا”، أن السؤال نفسه مضلل، بمعنى أن الخطاب التقني العالمي، من شركات التقنية الكبرى، يصدّر لنا هذه الأجهزة الجديدة كسلاح ذي حدّين، يمكنك أن تستخدمها في فعل الخير أو في أفعال شريرة، فالأمر في النهاية يعود لحكمك. بهذا يمكن اعتبار التقنية نفسها عنصرا محايدا يرتبط فقط بأسلوب استخدامك لها، وهنا تبدأ الكوارث في الظهور، كما يرى إيلول، لأن هذا الخطاب التقني ليس دقيقا، وربما يكون مُضللا ويتسبب في خداعنا.

يرجع هذا لعدة أسباب، أولها أن فكرة الازدواجية بين الخير والشر، في حالة استخدام التقنية الحديثة، تظهر في قصص وأفلام هوليوود فقط، إذا اطلعنا على تاريخ تطور التقنية في العالم لوجدنا أن هناك دائما منطقة غامضة واسعة للغاية بين الخير والشر، في تلك المنطقة تظهر دائما حالة من عدم اليقين لا يمكننا معها حسم مستقبل هذه التقنية أيّا كانت في حياتنا، ومهما بدت مفيدة أو مسلّية للوهلة الأولى.

ببساطة، لا يمكننا أن نضع كل تأثيرات تلك التقنية الضارة والنافعة أمامنا على الشاشة ثم ننتقي منها المفيد فقط، لأن تلك التأثيرات تمثل تركيبة معقدة لا يمكن فصلها عن بعضها لسببين: الأول هو مدى تعقيدها، وعدم قدرتنا على توقع مستقبل تلك المنظومة من التعقيد، بينما الثاني هو مدى تعقيدنا نحن البشر، فحينما يستخدم الإنسان أي تقنية كسلاح يتحول لشخص آخر، بمعايير أخرى تماما، وتتولد لديه أفكار جديدة لم يكن يملكها في السابق، ومنها يختلف حكمه على الأمور.

يواجه البشر معضلة إدراكية تتمثل في نقص قدراتنا على الانتباه لكل هذا المحيط الشاسع من الأحداث المتراكبة والمتتالية، فنضطر للتحيز إدراكيا تجاه ما يشعرنا بالأمان والسكون بغض النظر عن الموضوعية، ومع كل هذه الأجهزة التي تسرق أجزاء متفرقة من انتباهنا يزداد الأمر صعوبة.

إذن، فكل أشكال التقدم التقني تأتي بأثمانها، وهي أثمان سندفعها حتما، ما يراه “جاك إيلول” أن هذا التقدم التقني يثير في كل مرحلة من تطوره مزيدا من المشكلات أكثر مما يسهم في حلّها. تلك المشكلات لا يمكن بسهولة عدّها أو توقّعها، كما هو الحال مثلا في تطور الهواتف الذكية أو منصات التواصل الاجتماعي أو حتى تقنيات الذكاء الاصطناعي أو تقنيات الحوسبة المكانية والنظارات الخاصة بها.

تُعيد التقنية تشكيل العالم بسرعة قد لا تتناسب مع تطور قدراتنا العقلية كبشر، ما يطرح بدوره مجموعة جديدة من المخاطر لهذا التقدم التقني، ولا نتحدث هنا عن ضرورة إيقاف تقدمنا التقني الذي أسهم في تسهيل حياتنا كثيرا إلى الآن، لكن ما نود توضيحه هو أننا نقع مع التقنية في علاقة معقدة للغاية، لا يمكن توقع كل النتائج الممكنة منها، والمشكلة فقط هي وجهة نظرنا للتقنية على أنها عنصر “طيّب” بطبعه، أو محايد وظيفيا، من ثم ننساق بصورة قد نصفها بأنها “لا واعية” مع نتائج تلك التقنية.

كيف ستتغيّر نظرتنا للعالم؟

بينما قد يبدو من المغري تناول الأمور فلسفيا، إلا أن هناك أسئلة عملية أكثر حول ما يعنيه إطلاق نظارة آبل “فيجن برو” بالنسبة لمستقبل الحوسبة. فنحن نستخدم أجهزة الحاسوب طوال اليوم تقريبا، تلك الأجهزة التي تسبب لنا آلام الرقبة عبر النظر إلى شاشتها لفترات طويلة، وهي الهواتف الذكية.

فهي ببساطة أجهزة صغيرة غيّرت مفهوم الحوسبة وحررتها من قبضة الحاسوب التقليدي وحولتها إلى جهاز يمكننا التنقل به في كل وأي مكان وزمان. لقد بدّلت نظرتنا فعلا للعالم الواقعي وكيفية تفاعلنا معه. لذا، إن انتشر استخدام جهاز جديد تماما، كنظارات واقع مختلط، أو أي جهاز لم نعرفه بعد، فسيغير هذا الجهاز الجديد بدوره أيضا نظرتنا للعالم، فيصبح السؤال المطروح هو: كيف سيفعل هذا؟

قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن نحصل على هذا الجهاز السحري الذي يضعنا داخل الحاسوب ونرى العالم من خلاله ويكون بديلا للهاتف الذكي، لا نعرف متى سيحدث هذا بالتحديد، لكن نتمنى أن يكون جهازا أكثر إثارة، المهم أن أفعالنا واستخدامنا لنظارة آبل الجديدة، أو أي جهاز من هذه الفئة، سيحدد غالبا شكل وتصميم هذا الجهاز السحري القادم.

إذا لم يحب المستخدم رؤية العالم من خلال الشاشة أمام عينيه، فحينها سيتعين على أحدهم تصميم وصُنع جهاز أفضل، نأمل أن يكون أرخص بالطبع، وربما الاحتمال الآخر أن تستمر الهواتف الذكية بنفس مميزاتها وعيوبها الحالية. قد لا يبشّر هذا الأمر بما سيحدث في المستقبل بقدر ما يشير إلى أن شركات التقنية الكبرى، مثل آبل وميتا، تحتاج أن ترتدي نظارة لأنها على ما يبدو لا تملك رؤية واضحة المعالم لمستقبل عالم التقنية!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى