العقيد الركن م. ناصر سالمين: معتقل «الرشيد» أصعب مرحلة مررنا بها خلال الأسر

- رفع حالة استعداد الجيش من 17 يوليو 1990 وكانت معنوياتنا عالية جداً في «المغاوير»
- الطيارون الكويتيون البواسل والدفاع الجوي أسقطوا 48 طائرة عراقية من مختلف الأنواع
عبدالهادي العجمي
في ذكرى الغزو العراقي الغاشم على الكويت الحبيبة، تتجدد كل عام آلام ومرارة الذكريات، وتتراءى أمام أعيننا مشاهد لم تغب عن مخيلتنا تجسد جريمة الغدر التي أقدم عليها النظام العراقي فجر 2 أغسطس 1990 وقيامه بغزو دولة الكويت، غير أن ما يثلج الصدر ويدعو إلى الفخر والاعتزاز هو ما سطره الشعب الكويتي من صمود وتضحيات بطولية في مواجهة العدوان الغادر وما ضربه من أروع الأمثلة من الوحدة الوطنية، وما قدمه من تضحيات جسام قام بها شهداء الكويت الأبرار الذين قدموا دماءهم الزكية فداء للوطن العزيز.
لإلقاء الضوء على جانب من هذه المرحلة المهمة في تاريخ الكويت، التقت «الأنباء» العقيد الركن متقاعد ناصر سالمين.. وكانت تفاصيل اللقاء كما في السطور التالية:
بداية، كيف استقبلتم خبر الغزو العراقي الغاشم في 2 أغسطس، وكيف كانت الأجواء بين العسكريين آنذاك؟
٭ كنا متواجدين منذ خطاب المقبور صدام حسين بتاريخ 17 يوليو 1990 نظرا لارتفاع الحالة في جميع وحدات الجيش الكويتي، وتم استدعاء جميع العسكريين من الضباط وضباط الصف والافراد، وكنا على أهبة الاستعداد للتحرك بالقيام بأي أوامر عسكرية تأتينا من القيادة. وفي 2 أغسطس 1990 كنا متواجدين في معسكر المغاوير وكانت معنوياتنا عالية جدا وننتظر الأوامر بفارغ الصبر للتحرك للدفاع عن وطننا الغالي، لأن ذلك اليوم هو يوم الجيش الكويتي وأيضا يوم المواطنين والمقيمين الشرفاء على ارض الكويت الغالية.
ما ذكرياتك.. ومن كان حولك حول فترة الاحتلال العراقي الغاشم؟
٭ بعد مرور 35 عاما على الغزو العراقي الغاشم لاتزال ذكرى الغزو على كويتنا الغالية معي في كل لحظة حاضرة في ذهني، حيث انني من الاوائل الذين تم أسرهم وسلب حريتهم في هذا اليوم، فمستحيل ان ننسى هذا اليوم وسنظل نتذكره طوال حياتنا بكل آلامه وتضحياته وبطولاته من قبل جميع من لبى النداء ودافع عن الكويت الغالية.
أين كنت خلال الغزو.. وماذا كانت رتبتك العسكرية؟
٭ كنت متواجدا في معسكر المغاوير، وكنت أشغل ضابط أمن قوات المغاوير وكنت حينها برتبة نقيب، وقد التحقت بتاريخ 17 يوليو 1990 وخرجت يوم الأربعــاء 1 اغسطس بعد نزول حالة الاستعداد إلى 50%.
نود لو سردت لنا قصة أسرك خلال الغزو العراقي الغاشم على الكويت والأحداث المتعاقبة التي توالت بعد ذلك.
٭ تم القبض علينا بتاريخ
2 أغسطس بعدما دافع الجيش الكويتي بعدده القليل ولكن بهمة جميع القوات المتواجدة في ذلك الوقت من جميع قطاعاته ووحداته العسكرية الذين دافعوا عن تراب الوطن الغالي، وقد سقط عدد من الشهداء وتم أسرنا وعدد كبير جدا من العسكريين وكذلك من المدنيين، وتم ترحيلنا إلى الزبير ثم إلى البصرة ثم إلى بغداد، بعدها تم ترحيلنا إلى الموصل ثم إلى معسكر بعقوبة والذي كان آخر معتقل احتجزنا فيه، وبعد ذلك في 27 مارس 1991 تم إطلاق سراحنا. تم أسرنا من معسكر المغاوير بعد أن قاتلنا ودافعنا عن دولتنا الحبيبة، حيث إن الغزو العراقي دخل إلينا من ثلاثة محاور، وكان الجسم الرئيسي للجيش العراقي يتحرك من منطقة المطلاع باتجاه مدينة الكويت، وقد حاولنا تعطيل تقدمه لكن كانت القوة بسيطة مقارنة بالجيش العراقي الذي غزا الكويت بثمان فرق، بما يعادل 150 الف جندي، ولكم ان تتخيلوا العدد الهائل وآلياته ومعداته. وقد احتل الكويت خلال ساعات، لكن في المقابل تم تكبيد العدو خسارة كبيرة وذلك بإسقاط 48 طائرة تابعة لسلاح الجو العراقي، وهذا ليس كلاما مرسلا من قبلنا بل جميع القيادات العسكرية العراقية التي كانت على رأس عملها فجر الغزو 2 اغسطس، العراقيون بأنفسهم قالوا ان القوة الكويتية المتمثلة في الدفاع الجوي وكذلك الطيارون الكويتيون البواسل استطاعوا ان يسقطوا 48 طائرة من مختلف انواع الطائرات العراقية بزمن قياسي لا يتجاوز الساعتين او الثلاث ساعات، هذا بحد ذاته درس من الدروس للبعض الذين يتغنون بأنهم احتلوا الكويت بباصات، نعم هناك باصات محملة بالجنود والجيش الشعبي الغازي لكن تكبدوا خسائر لم يتكبدها الجيش العراقي خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية طوال الـ8 سنوات. وبعد أن تمكن العدو الغادر من احتلال الكويت تمت السيطرة على معسكر المغاوير، ودخلنا في مباحثات مع الجانب المحتل بأن نلقي اسلحتنا وتبديل ملابسنا العسكرية، وقد رفضنا هذه الفكرة واستطعنا ان نخرج جميع «المرتب الثابت» ولم يبق في المعسكر سوى الضباط وعددهم سبعة عشرة ضابطا بالاضافة إلى ضابط صف كان متواجدا معنا، وهذا العدد هو الذي تم أسره وترحيله صباح يوم الجمعة إلى أول معتقل ونحن مقيدو الأيدي ومعصوبو الأعين ابتداء من المطلاع إلى العبدلي، ومن ثم دخلنا إلى صفوان الحدود العراقية.
حدثنا عن ذكرياتك في المعتقلات والسجون العراقية وكيف كان التعامل معكم خلال فترة الأسر؟
٭ بدأ أسرنا من 3 أغسطس، وكان معسكر حمزة اول معتقل بعد أن رفضتنا المعتقلات الاخرى لعدم وجود اماكن لنا، وبدأوا بعزل الضباط والعسكريين عن المدنيين، وبعدها تم التحقيق معنا، كل على حدة، ثم حدث تشكيل الحكومة الكويتية غير الشرعية، والتي كانت عبارة عن تمثيلية في تمثيلية، واستخدموا معنا الترهيب وقد واجهها الضباط برفض تام وعدم التعاون والامتثال مع النظام العراقي البائد لتشكيل هذه الحكومة. التعامل كان سيئا، ابتداء من معسكر حمزة في الزبير وكذلك في المعسكرات، حيث نقلنا إلى البصرة ومن ثم تم ترحيلنا إلى بغداد بالقطار، وكان اول معتقل لنا معتقل الرشيد بتاريخ 7 اغسطس، وكان هذا السجن صدمة لنا ونحن غير مصدقين من هول الصدمة، ونحن طوال الحرب العراقية ـ الايرانية وطوال الثماني سنوات ونحن نقدم يد العون للنظام العراقي البائد من الناحية العسكرية والاقتصادية وأمور كثيرة، ويكون الحقد الذي كان يحمله المقبور صدام حسين ونظامه تجاه الكويت ونيته المبيتة بغزو الكويت ان يكون جزاء المعروف والجميل التي قدمته الكويت وقيادتها هو غزو الكويت، وكان معتقل الرشيد اصعب مرحلة مررنا بها وكانت المعاملة قاسية جدا، وكان هذا السجن لا يرقى لان يحتجز فيه اي إنسان والخدمات سيئة جدا، سواء كان غذاء او غيرها.
وفي 26 أغسطس انتقلنا من سجن الرشيد إلى معتقل الموصل «قلعة العجلان رقم 1» والذي امضينا فيه حتى شهر نوفمبر 1990، وكان التعامل سيئا وقاسيا جدا، وكانت ألفاظ القائمين على المعتقل بذيئة جدا ولا يمكن وصفها، وبفضل من الله استطعنا خلال هذه الفترة ان نكون على قلب رجل واحد.
وبعد سجن الموصل تقريبا بتاريخ 6 نوفمبر عدنا إلى بغداد وتحديدا معتقل بعقوبة، وكان هذا المعتقل افضل قليلا من المعتقلات السابقة حيث كانت مساحته كبيرة نوعا ما وفي هذا المعتقل اعتقلنا فيه حتى يوم اطلاق سراحنا في 27 مارس 1991. تلقينا خبر تحرير الكويت ونحن في معتقل بعقوبة. في البداية، كانوا يطلقون علينا زورا وبهتانا «ضيوف صدام حسين» وبعدها تم تغيير مسمانا إلى الضباط الخارجين عن القانون وضد النظام العراقي.
كيف تتذكر لحظة إعلان تحرير تراب الكويت من براثن العدوان العراقي الغاشم؟
٭ بنهاية شهر نوفمبر وبداية شهر ديسمبر تم فتح باب الزيارات في معتقل بعقوبة زارنا اهالينا من الكويت وأتوا بالخير كله (الأكل والنقود والملابس) مع انهم كانوا في أمس الحاجة ولكنهم بخلوا على انفسهم وجادوا علينا وهذه هي عوائد أهل الكويت، ونقدم الشكر والتقدير إلى الحكومة الكويتية والجمعيات الخيرية والتعاونية والتجار والمتطوعين وكل من أسهم بتوصيل حتى ولو كان شيئا بسيطا لجميع المعتقلين والأسرى في جميع السجون العراقية.
وطلبنا من أهالينا ان يجلبوا معهم في إحدى الزيارات «كاميرا وأجهزة الراديو»، وكنا نسمع الاخبار في وقت متأخر من الليل، وقد سمعنا بداية الضربة الجوية في فجر 17 يناير 1991، وكنا في غاية السعادة والسرور، وقد سجدنا في تلك اللحظة سجدة شكر، وحمدا لله بأن تكون بداية التحرير لبلدنا الكويت، وفعلا مع مرور الايام والتحضير من دول التحالف إلى يوم دخول القوات البرية في 24 فبراير 1991، وفجر يوم 25 فبراير بداية انسحاب القوات العراقية من الكويت، وفي 26 فبراير أعلن الرئيس الأميركي ان الكويت اصبحت حرة، وبعدها تلقينا الخبر من الإذاعات العالمية أن الكويت قد تحررت، وكان هذا الخبر أسعد خبر سمعناه، ورجعت الكويت حرة أبية.
وكيف تصف لنا دور المقاومة الكويتية أثناء الغزو من رجال ونساء؟
٭ دور المقاومة في الداخل مشهود لها حيث كان عددنا في المعتقل 635 ضابطا من مختلف الرتب من رتبة ملازم حتى رتبة عميد، وعند إطلاق سراحنا كان العدد 679 ضابطا أسيرا، حيث تم القبض على بعض أفراد المقاومة والتي تهمهم لا ترقى إلى الإعدام، فيتم اعتقالهم بمعتقلنا في بعقوبة، وهذا سبب زيادة العدد ومنهم ضباط في الجيش الكويتي تعرضوا لشتى انواع العذاب حتى انهم حكوا لنا عن عمليات التعذيب التي تعرضوا وأنهم الآن كأنهم مطلق سراحهم بعد هذا التنكيل والعذاب، وكنا نسألهم عن احوال الكويتيين في الداخل وكيف كانت معيشتهم، وتصادف احيانا أن بعض الضباط تكون له صلة قرابة او صداقة او يقطن في مناطق الأسرى، كما أنهم حكوا لنا ايضا عن عمليات مقاومة كبيرة قام بها شبابنا الابطال ونتجت عنها خسائر فادحة للعراقيين وأثبتوا جدارتهم في مواجهة النظام العراقي وجنوده، وكذلك المرأة الكويتية كان لها دور كبير في عمليات المقاومة.
ما الدروس المستفادة من الغزو العراقي؟
٭ من الدروس المستفادة أن يكون التدريب في الجيش الكويتي على مدار العام وهو الدرع الواقية لحماية الوطن، وكذلك على جميع القوات المسلحة التسلح بالأسلحة الحديثة والتثقيف من خلال ارسال الضباط وضباط الصف في دورات خارجية للاستفادة من الخبرات العسكرية ونقلها لزملائهم بعد اجتيازهم هذه الدورات وعودتهم إلى البلاد.
كتبت كتابا عن مرحلة الأسر، ماذا كانت دوافعه.. وكيف جاءت فكرته وما أصعب لحظات الأسر؟
٭ بعد تقاعدي عام 2009 فتحت حساب انستغرام وأقوم بين الحين والآخر بتنزيل صور عن الغزو والأسر، ولمست تفاعلا كبيرا من المتابعين وحرصهم على المحتوى الذي يتم نشره، وقد طلبوا مني أن انشر بشكل شبه يومي وبالفعل بدأت البحث والتواصل مع اخواني الأسرى، وقمت بجمع الصور والقصاصات. وأشارت علي ابنتي لولوة أن أفتح حسابا خاصا بالغزو العراقي أسميته «برزنر 1991»، وبعد عام تم تهكيره من قبل أحد العراقيين، وأنشأت حسابا آخر على انستغرام (prisonerkwt1990) وقمت بعرض يومياتي، ثم اقترح علي بعض الإخوة الأسرى والمتابعين جمع كل ما لدي من صور ووثائق في كتاب، وبالفعل صدر في اكتوبر 2015 أول كتاب لي عنوانه «يوميات أسير كويتي في السجون والمعتقلات العراقية» وقد حقق نجاحا كبيرا، وقد تمت طباعة النسخة الرابعة منه، وتمت ايضا ترجمته إلى اللغة الانجليزية.