العودة إلى الدبلوماسية.. هل تقود المفاوضات الإيرانية الأميركية لاتفاق جديد؟

بينما كانت التهديدات المتبادلة -حول القصف والرد- سيدة الموقف بين واشنطن وطهران قبل أسابيع، انتقل الجانبان إلی موقف دبلوماسي يُرجح التفاهم مستقبلا. ولا يخرج الوضع القائم عن أولويات أي من الطرفين. فإيران تريد إلغاءً للعقوبات وواشنطن تريده اتفاقا يضع سقفا للتطور النووي في إيران.
وبدأت في 12 أبريل/نيسان الجاري، جولة جديدة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بوساطة عمانية. ورغم اختلاف المقاربات حول طبيعة تلك الجولة وما سيُتفاوض فيه خلالها، فإن الراشح منها واتفاق الجانبين على استمرارها يوحي بإيجابيتها.
وحول آفاق هذه الجولة وقدرتها على إيقاف خطاب التهديد، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان “جولة دبلوماسية جديدة بين إيران والولايات المتحدة: المستجد والمآلات” تناول الأستاذ بجامعة طهران حسن أحمديان الدوافع وراء العودة لهذه المفاوضات ومآلاتها المحتملة.
عود على بدء
وكانت إيران قد وقعت للتو الاتفاق النووي حينما وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب للبيت الأبيض المرة الأولى عام 2016، وأجهز عليه بعد عامين معلنا إنهاء التزام بلاده ببنوده.
ويعود ترامب اليوم إلى المربع الأول بالتشديد على منع إيران من التسلح النووي، وهو ما تضمنه الاتفاق السابق، لكن المختلف هذه المرة هو السياق الذي يشمل نوعية العقوبات التي فرضها ترامب بولايته السابقة، والمتغيرات الإقليمية التي وصلت بالمواجهة إلى ذروتها خلال الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل خلال عام 2024.
وبينما واصل الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ممارسة “الضغوط القصوى” ولم يعد إلى الاتفاق النووي، أبدت إيران مقاومة شرسة أمام العقوبات كادت أن تصل في بعض المناسبات إلى الصدام المباشر.
وبعد الخطاب المعادي الذي أبداه ترامب تجاه إيران، عاد مرة أخرى إلى فكرة مواءمة احتمالات التفاهم مع طهران بعد إظهار انفتاحها على الدبلوماسية الثنائية، وشرع ترامب في العبور من الضغوط القصوى إلى طاولة الحوار، واضعا إياها كخيار إستراتيجي للتعاطي مع طهران ومقايضتها.

دوافع جديدة
بالنسبة لإيران، ثمة حاجة للحد من الضغوط الاقتصادية عبر تفاهم يقيد برنامجها النووي بصيغة مشابهة لاتفاق 2015، ويجب عليها بالمقابل إبداء الشفافية النووية التي توضح تراجع التقدم الواسع في برنامجها النووي.
وبالنظر إلى تعرض طهران للّدغ من ترامب عام 2018، فإن المفاوضات تشتمل في أغلب الظن على سبل وأدوات الضمان وتوثيق التزامات واشنطن بما يضمن عدم تنصلها في المستقبل، وهو ما يراه آخرون صعبا إن لم يكن مستحيلا.
وبالنسبة لواشنطن، لا هدف سوى منع طهران من امتلاك سلاح نووي. إلا أن هناك خلافا -بين من مستشار الأمن القومي مايكل والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو من جهة، ورئيس فريق التفاوض ستيف ويتكوف وجيه دي فانس نائب الرئيس من جهة أخرى- حول استغلال حالة الضعف الإيرانية للحصول على كل المرجو منها، أو التعامل بواقعية والالتقاء في مساحة الممكن الإيراني، بينما يميل ترامب إلى الفريق الثاني بتأكيده أنه لا يريد سوى منع تسلح إيران نوويا.
وبين هذا الخلاف، تشق طهران طريقها في المفاوضات، فالمرشد الأعلى علي خامنئي يتكلم عن الوقوف بين التشاؤم والتفاؤل، في حين يطالب وزير الخارجية عباس عراقجي واشنطن بعدم وضع شروط غير واقعية على الطاولة.
ورغم أن إلغاء العقوبات يعد الهدف الأساسي من وراء المفاوضات مع واشنطن، فإن طهران تنظر إلى الحد من إمكانية المواجهة بوصفها هدفا قد يؤثر على موقفها.
ويشترك الطرفان بالرغبة في تجنب المواجهة، فترامب يعلم أن كلفة الحرب باهظة، وقد حرص الإيرانيون في مناوراتهم على إظهار جوانب من قدراتهم وما قد تصل إليه كلفة الحرب.
ويظهر في تجاوز إيران لما كان محرما سابقا في عقد مفاوضات ثنائية -وإن كانت غير مباشرة مع الولايات المتحدة- أنها في حاجة ملحة لإلغاء العقوبات، خاصة وأنها مع الرئيس الذي تنصل من الاتفاق النووي وفرض عليها عقوبات قصوى واغتال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني.

التعاطي البناء
يركز وزير الخارجية الإيراني -بالتزامن مع مفاوضات واشنطن- على محور تنشيط العلاقات الإيرانية العربية، وذلك اتعاظا من التأثير السلبي التي مارسته دول عربية على إدارة ترامب السابقة للانسحاب من الاتفاق النووي.
وقد نضجت في الفترة الأخيرة ما تسمى “دبلوماسية الجوار” لدى صناع القرار الإيرانيين، خاصة بعد فشل الاتفاق النووي وبقاء طهران وجها لوجه مع الصراعات الإقليمية.
كما ينظر عراقجي إلى المحور الروسي الصيني بالقدر نفسه من الأهمية، وذلك للموازنة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، لكنه في الوقت ذاته يحاول الحد من النتائج السلبية للمفاوضات الثنائية مع واشنطن على الشراكة الإستراتيجية التي تجمع طهران مع موسكو وبكين.
وتنسق إيران مع روسيا والصين لتوجيه رسالة بأنها لن تبتعد عنهما في حال الاتفاق مع واشنطن، ويزداد ذلك التنسيق أهمية لعدم حضور الدولتين في المفاوضات الجارية.
وعلى هذه المحاور الثلاثة، تعمل الدبلوماسية الإيرانية -المثقلة بأعباء اقتصادية وإقليمية- لاستثمار الفرصة التي يقدمها ترامب للحد من المشاحنات بين الدولتين ورفع العقوبات.
رؤى إيرانية
تبدو الأغلبية الإيرانية في الداخل دافعة نحو التفاوض والوصول لتفاهمات للحد من الأعباء، بينما يرى آخرون في الرئيس الأميركي ورؤيته خطرا متدرجا يبدأ بإبعاد أوراق القوة عن أيدي إيران وتجفيف المخرجات الاقتصادية لأي اتفاق نووي بعد إخراج أوراق قوتها النووية من أيديها باتفاق أولي، كما حدث عام 2018.
ويرى أصحاب الرؤية المتشائمة أن ترامب وأي رئيس أميركي آخر قد يتنصل من الاتفاق وإن تبناه الكونغرس، خاصة وأن المفاوضات الحالية تقوم في نظر الولايات المتحدة على أساس ضعف إيران.
ويرد الداعمون للمفاوضات على هذه الادعاءات بالقول إن القوة الإيرانية على المستوى النووي والدفاعي قد قطعت أشواطا مهمة منذ عام 2015، وأن لا ضير من العملية التفاوضية حتى وإن لم تفض إلى المطلوب.
ويذهب هؤلاء بعيدا بالقول إن على إيران إظهار النية التفاوضية بوصفها جنوحا للسلام لا المواجهة، خلافا لصورة يحاول الإسرائيليون وصقور واشنطن تفنيدها عبر إظهار إيران قوة إقليمية مزعزعة للاستقرار.
وبينما يروج المتفائلون بأن نجاح المفاوضات مع واشنطن قد يعود بالنفع على الاقتصاد الإيراني، يرى الآخرون أن فشلها سيكون ضغطا إضافيا على الاقتصاد المضغوط أساسا.
تحديات عصيبة
يمكن تلخيص أبرز التحديات أمام الجانبين في النقاط التالية:
- تفاصيل المفاوضات قد تفسد رغبة الطرفين في خوضها، وهي بالأساس محاولة إيران الحصول على ضمانة أميركية للالتزام بمخرجات الاتفاق، ورغبة إدارة ترامب في تقديم اتفاق أفضل من “اتفاق أوباما”.
- الدور الذي قد تلعبه إسرائيل ورئيس وزرائها بالتحديد في إفساد أي تفاهم أو تقارب أميركي إيراني، يقابله تساؤل وشك في قدرة إسرائيل على التحرك خارج العباءة الأميركية.
- في ظل الخلافات الأميركية وتضارب الآراء والأولويات بين المجموعات المحيطة بترامب -خاصة مع تقدم المفاوضات وتعقد التفاصيل- قد يكون واردا طغيان وجهة نظر مخالفة لاستمرار المفاوضات.