الغنوشي من زنزانته: شرف لتونس وجود رموز مثل الشابي والهمامي

أرسل راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية، رسالة من سجن المرناقية، حيث يقضي حكماً منذ أكثر من عامين، تعليقاً على توقيف قياديين معارضين في قضية “التآمر على أمن الدولة”. الرسالة، التي أثارت جدلاً واسعاً، تضمنت إشادة بالمعتقلين ووصفهم بـ”رموز الديمقراطية”، مما يعكس استمرار التوتر السياسي في تونس وتداعياته على المشهد الحقوقي والسياسي. هذه القضية، التي تتعلق بـالتآمر على الدولة، تثير تساؤلات حول مدى استقلالية القضاء وحرية التعبير في البلاد.
وتأتي هذه الرسالة بعد أيام من صدور أحكام بالسجن على عدد من المعارضين، بمن فيهم أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني، والقيادية شيماء عيسى، والمحامي العياشي الهمامي، بتهم تتعلق بالأمن القومي. وقد أثارت هذه الأحكام انتقادات واسعة من منظمات حقوقية دولية ومحلية، معتبرة إياها ذات دوافع سياسية ومخالفة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
قضية التآمر على أمن الدولة: تفاصيل وخلفيات
تعود جذور قضية “التآمر” إلى فبراير 2023، عندما أعلنت السلطات التونسية عن توقيف مجموعة من الأشخاص، بينهم سياسيون ومحامون وناشطون، بتهمة “محاولة المساس بالنظام العام” و”تقويض أمن الدولة”. ووفقاً لبيانات وزارة الداخلية، فإن التحقيقات كشفت عن وجود “خلايا” تعمل على التحريض على الفوضى والتنسيق مع جهات خارجية للإضرار بالاستقرار السياسي في تونس.
اتهامات متبادلة وتصاعد التوتر السياسي
في حين تؤكد السلطات التونسية أن القضية جنائية بحتة وأن الإجراءات المتخذة تتماشى مع القانون، يرى المعارضون أنها محاولة لتصفية الحسابات السياسية وقمع المعارضة. وتتهم جبهة الخلاص الوطني الرئيس قيس سعيد باستغلال القضاء لملاحقة خصومه السياسيين، وتدعو إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.
وأضاف الغنوشي في رسالته، التي نشرت على نطاق واسع، أنه يرى في هؤلاء المعتقلين “شرفاً لتونس” و”نماذج للالتزام بالقيم الديمقراطية”. كما أشاد بدورهم في الحوار الوطني والعمل على بناء توافق سياسي بين مختلف القوى السياسية في البلاد. وتشير هذه الإشادة إلى محاولة من الغنوشي لتعزيز مكانة المعارضة وإبراز التحديات التي تواجهها في ظل القيود الحالية.
وتأتي هذه التطورات في سياق أزمة سياسية واقتصادية حادة تشهدها تونس منذ فترة طويلة. فقد أدت الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد في يوليو 2021، والتي شملت تجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة، إلى تعميق الانقسامات السياسية وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وتشكل الأزمة الاقتصادية، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، تحدياً كبيراً للحكومة الحالية.
بالإضافة إلى ذلك، يثير الوضع الحقوقي في تونس قلقاً متزايداً، حيث تشهد البلاد تراجعاً في الحريات العامة وحرية التعبير. فقد سجلت منظمات حقوقية عديدة حالات اعتقال تعسفي وملاحقة قضائية للمعارضين والصحفيين والناشطين، مما يهدد الديمقراطية الناشئة في تونس. وتعتبر قضية التآمر مثالاً صارخاً على هذه التحديات.
وفي رسالته، وجه الغنوشي تحية خاصة للحزب الجمهوري بقيادة عصام الشابي، شقيق أحمد نجيب، مشيداً بعائلة الشابي كـ”أصيلة في النضال من أجل تونس” ودور الحزب في جمع تيارات متنوعة في مقره. هذه التحية تعكس محاولة من الغنوشي لتوحيد المعارضة وتجاوز الخلافات الأيديولوجية والسياسية.
من جهته، لم يصدر أي تعليق رسمي من السلطات التونسية على رسالة الغنوشي حتى الآن. لكن مصادر مطلعة أكدت أن السلطات تتابع التطورات عن كثب وتدرس الإجراءات المناسبة للرد على أي تحركات قد تهدد الأمن والاستقرار في البلاد. وتشير هذه المصادر إلى أن السلطات تعتبر قضية التآمر خطاً أحمر ولن تتسامح مع أي محاولة لتقويض الدولة.
من المتوقع أن تستمر التوترات السياسية في تونس في التصاعد خلال الفترة القادمة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والتشريعية. ويراقب المراقبون عن كثب التطورات في قضية التآمر، وما إذا كانت ستؤدي إلى مزيد من الاعتقالات والملاحقات القضائية للمعارضين. كما يترقبون رد فعل المجتمع الدولي على الوضع الحقوقي والسياسي في تونس، وما إذا كان سيتم اتخاذ أي إجراءات للضغط على السلطات التونسية من أجل احترام حقوق الإنسان والحريات العامة. الوضع السياسي الحالي يتطلب حواراً وطنياً شاملاً لإيجاد حلول للأزمة وتجنب المزيد من التصعيد.
الجدير بالذكر أن قضية التآمر أثارت نقاشاً واسعاً حول مفهوم الأمن القومي وتحديد نطاقه، وما إذا كان يمكن استخدامه لتبرير تقييد الحريات العامة وقمع المعارضة. وتدعو منظمات حقوقية إلى إعادة النظر في القوانين المتعلقة بالأمن القومي، وتضييق نطاقها لضمان حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وفي الختام، تبقى قضية التآمر على أمن الدولة قضية معقدة ومثيرة للجدل في تونس، وتداعياتها ستستمر في التأثير على المشهد السياسي والحقوقي في البلاد. من المنتظر أن تصدر محكمة الاستئناف التونسية قراراً نهائياً بشأن الطعون المقدمة على الأحكام الصادرة في القضية خلال الأسابيع القليلة القادمة.





