القول قول محمد: استثمار يغيّر قواعد اللعبة
ولعل واحدة من أبرز الأمثلة على ذلك كانت في بداية ولاية الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب، حينما طرح عليه سؤالاً بسيطًا عن أول دولة سيزورها. إجابته لم تكن مجرد تصريح عابر، بل حملت معها طلبًا مباشرًا بأن يتم شراء منتجات أمريكية بمبالغ ضخمة تصل إلى ٥٠٠ مليار دولار إذا كانت السعودية على جدول الزيارة.
هنا، تكمن الفكرة. كان الرد السعودي على ذلك استثنائيًا في مضمونه واستراتيجيًا في تطبيقه. تم تعديل هذا الطلب من مفهوم «الشراء» إلى مفهوم «الاستثمار» وبمبالغ تصل إلى ٦٠٠ مليار دولار، وهو تغيير يعكس فهمًا عميقًا للأولويات الوطنية والاقتصادية. بدلاً من ضخ أموال طائلة في منتجات ستنتهي فائدتها بمجرد استخدامها، تم توجيه هذه الأموال نحو استثمارات طويلة الأمد تعود بالنفع على الاقتصاد السعودي والأمريكي على حدٍّ سواء.
هذا التعديل، الذي يحمل بصمة الأمير محمد بن سلمان، يعكس ذكاءً سياسيًا وحكمة اقتصادية تستحق الإشادة؛ فالفرق بين «الشراء» و«الاستثمار» ليس مجرد اختلاف لغوي، بل هو فرق جوهري يعكس رؤية بعيدة المدى وحرصًا على تعظيم الفائدة. الاستثمار يعني شراكة، بناء، ونقل للخبرات والتكنولوجيا، بينما الشراء يعني تبعية واستهلاكًا. وهو ما تم قبوله مباشرة من قبل الإدارة الأمريكية مع أملهم أن يتم رفع المبلغ إن كان بالإمكان وهو ما أشار إليه الرئيس ترمب في مؤتمر دافوس الأخير.
الأمير محمد بن سلمان، من خلال هذا الموقف وغيره، أعاد تعريف العلاقة بين المملكة والعالم، حيث لم تعد السعودية مجرد سوق استهلاكية، بل شريكٌ استراتيجيٌ يسعى لتحقيق مصالح متبادلة قائمة على أسس متينة من التعاون والاحترام.
هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج رؤية استراتيجية تتماشى مع التحولات العالمية وتطلعات المملكة لتحقيق أهداف رؤية 2030. لقد أثبتت هذه الرؤية أن القيادة السعودية قادرة على صياغة نماذج مبتكرة للشراكات الدولية، تستند إلى بناء علاقات متوازنة وقائمة على تبادل المصالح.
إن اختيار الاستثمار كبديل عن الشراء لا يُعد مجرد سياسة اقتصادية، بل هو تعبير عن طموح المملكة للانتقال من مرحلة التبعية الاقتصادية إلى الريادة. فبدلاً من الاكتفاء بدور المستهلك في سلسلة الإنتاج العالمية، تسعى السعودية اليوم لتكون شريكًا فعّالًا يسهم في صنع القرار الاقتصادي ويحقق التنمية المستدامة.
لقد انعكس هذا النهج على عددٍ من المشاريع الكبرى التي أطلقتها المملكة؛ مثل مشروع نيوم، الذي يعد بمثابة منصة عالمية للابتكار والاستثمار. هذه المشاريع، التي تحمل بصمة الأمير محمد بن سلمان، تمثل جسرًا للتواصل مع العالم، وتؤكد على قدرة المملكة على استقطاب رؤوس الأموال والخبرات من مختلف الدول.
السياسة السعودية في ظل القيادة الحالية تُظهر بوضوح أنها لا تقبل إلا بالشراكات المتوازنة التي تعزز سيادة المملكة وتحمي مصالحها. فالمملكة اليوم، بقيادة الأمير محمد بن سلمان، تقدم نموذجًا فريدًا للدول الطامحة لتحقيق التوازن بين متطلبات الداخل وأولويات الخارج.
لقد تمكّنت القيادة السعودية من تحويل نقاط القوة المحلية إلى أدوات للتفاوض العالمي. فعلى سبيل المثال، استخدمت المملكة مواردها الطبيعية، وموقعها الجغرافي، وقوتها البشرية كأوراق رابحة لتأمين شراكات اقتصادية واستراتيجية تضمن مصالحها الوطنية وتعزز مكانتها الدولية.
لأن القول الذي ينطلق من رؤية مدروسة ويُترجم إلى أفعال ملموسة، يصبح قولًا يُحتذى به. الأمير محمد بن سلمان أثبت للعالم أن الحكمة السياسية لا تقتصر على اتخاذ القرارات المناسبة فحسب، بل تشمل أيضًا القدرة على تغيير قواعد اللعبة بأسلوب يحترم الشركاء ويحقق المصلحة الوطنية.
لقد باتت السعودية، تحت قيادته، نموذجًا لقوة تتجاوز حدودها التقليدية لتصبح ركيزة استقرار في العالم. ومع كل قرار استراتيجي يتم اتخاذه، تتأكد حقيقة واحدة: القول قول محمد، والرؤية رؤية مستقبل لا حدود له.