اكتشاف نقطة ضعف في خلايا المناعة يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الربو التحسسي

كشفت دراسة حديثة عن آلية جديدة تساهم في استمرار الالتهاب لدى مرضى الربو التحسسي، مما يفتح آفاقًا لتطوير علاجات أكثر استهدافًا. أجرى البحث علماء من مستشفى جامعة بون وجامعة بون، ونُشرت النتائج مؤخرًا، مسلطة الضوء على قدرة خلايا المناعة على البقاء على قيد الحياة في بيئة رئوية ضارة. هذه الاكتشافات قد تغير طريقة التعامل مع هذا المرض المزمن الذي يصيب الملايين حول العالم.
الربو التحسسي هو حالة التهابية مزمنة تصيب المسالك الهوائية، وتتميز بضيق التنفس والسعال والصفير. تحدث هذه الدراسة في مختبرات مستشفى جامعة بون بألمانيا، وتستهدف فهمًا أعمق للاستجابة المناعية المعقدة التي تسبب الربو. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من 262 مليون شخص من الربو في جميع أنحاء العالم.
آلية حماية الخلايا المناعية في الربو التحسسي
ركز الباحثون على نوعين من الخلايا المناعية، وهما خلايا ILC2 وخلايا Th2، المعروفة بدورها في التسبب في الالتهاب التحسسي. لاحظوا أن هذه الخلايا، على الرغم من وجودها في بيئة رئوية غنية بالدهون الحرة والجزيئات المؤكسدة – وهي ظروف عادة ما تؤدي إلى موتها – إلا أنها تستمر في النشاط.
كيف تتجنب الخلايا المناعية الموت؟
اكتشف الفريق أن خلايا ILC2 تمتص كميات كبيرة من الدهون وتدمجها في أغشيتها. هذا يجعلها عرضة لعملية تسمى موت الخلايا الحديدي، والتي تحدث بسبب أكسدة الدهون. ومع ذلك، فإن هذه الخلايا لا تموت؛ بل تقوم بتنشيط مضادات أكسدة قوية، بمساعدة إنزيمي GPX4 و TXNRD1، لحماية نفسها من الأكسدة. هذه الآلية تسمح للخلايا بالبقاء على قيد الحياة والاستمرار في إنتاج المواد الكيميائية التي تسبب الالتهاب.
هذا الاكتشاف مهم لأنه يوضح كيف تتكيف الخلايا المناعية مع البيئة الملتهبة في الرئة، مما يسمح لها بتجاوز آليات الموت الطبيعية. يعتبر فهم هذه التكيفات أمرًا بالغ الأهمية لتطوير علاجات جديدة تستهدف بشكل خاص هذه الخلايا.
استهداف إنزيم TXNRD1 لتخفيف الالتهاب
للتحقق من إمكانية تعطيل هذه الآلية الوقائية، قام الباحثون بتجربة دواء يثبط إنزيم TXNRD1 على الفئران المصابة بالربو. أظهرت النتائج انخفاضًا ملحوظًا في عدد خلايا ILC2 في الرئتين.
بالإضافة إلى ذلك، لوحظ انخفاض في إنتاج السيتوكينات المرتبطة بالربو، مثل IL-5 و IL-13. كما انخفضت مستويات الخلايا الحمضية والمخاط في الرئتين، مما أدى إلى تخفيف حدة الالتهاب التحسسي. تشير هذه النتائج إلى أن تثبيط إنزيم TXNRD1 يمكن أن يكون استراتيجية علاجية فعالة للربو التحسسي.
أكدت شانتال وينتجنس، الباحثة الرئيسية في الدراسة، أن الخلايا المناعية تنشط في بيئة معادية، لكنها تنجو بفضل آليات الحماية الخاصة بها. وأضافت أنه عند إيقاف هذه الحماية، تفقد الخلايا قدرتها على التسبب في الالتهاب. هذا يفتح الباب أمام تطوير علاجات أكثر دقة تستهدف الخلايا المسببة للالتهاب دون التأثير على الجهاز المناعي بأكمله.
البروفيسور كريستوف فيلهلم، المشرف على الدراسة، أشار إلى أن هذه النتائج تمثل خطوة مهمة نحو فهم أفضل للربو التحسسي. وأوضح أن الأبحاث لا تزال في مراحلها الأولية، لكنها واعدة جدًا في تطوير علاجات جديدة.
الخطوات التالية وتأثير الدراسة على علاج الأمراض المناعية
تعتبر هذه الدراسة نقطة انطلاق مهمة لمزيد من الأبحاث في مجال الربو والأمراض المناعية الأخرى. الخطوة التالية هي إجراء المزيد من الدراسات لتحديد مدى فعالية وسلامة تثبيط إنزيم TXNRD1 في البشر.
من المتوقع أن تبدأ التجارب السريرية لتقييم هذه الاستراتيجية العلاجية في غضون السنوات القليلة المقبلة. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن تطوير دواء جديد عملية طويلة ومعقدة، ولا توجد ضمانات للنجاح.
بالإضافة إلى ذلك، قد تساعد هذه الدراسة في فهم آليات مماثلة تحدث في أمراض التهابية أخرى، مثل التهاب القولون التقرحي ومرض كرون. فهم كيف تتكيف الخلايا المناعية مع البيئات الملتهبة يمكن أن يؤدي إلى تطوير علاجات جديدة لمجموعة واسعة من الأمراض.
تُظهر هذه الدراسة أن الخلايا المناعية لديها القدرة على تغيير طريقة عملها للتكيف مع البيئة الملتهبة داخل الرئة، مما يخلق نقطة ضعف يمكن استغلالها لعلاج الربو المزمن مستقبلًا.





