المؤرخ والأكاديمي الإيراني حميد دباشي: العالم العربي أصبح وطني | أخبار

أثار المؤرخ والأكاديمي الإيراني، حميد دباشي، جدلاً واسعاً خلال استضافته في برنامج “المقابلة” بتأكيده على ارتباطه العميق بالثقافة العربية، واهتمامه الخاص بالسينما الفلسطينية، وتأثره الكبير بالمفكر الراحل إدوارد سعيد. هذه التصريحات تعكس تحولاً شخصياً وفكرياً لدى دباشي، وتلقي الضوء على علاقة معقدة بين الهوية الإيرانية والوطن العربي، خاصةً في ظل التطورات السياسية والثقافية الأخيرة.
ولد دباشي ونشأ في الأهواز، جنوب غرب إيران، في بيئة متأثرة بالثقافة العربية، حيث كانت لهجات وعادات دول الجوار حاضرة بقوة في حياته اليومية. درس اللغة العربية في المدرسة الثانوية وأتقنها، وهو ما ساهم في تعميق فهمه للعالم العربي. ويشير إلى أن هذا الارتباط لم يكن ثقافياً فحسب، بل امتد ليشمل مشاعر الانتماء السياسي والاجتماعي.
حميد دباشي والثقافة العربية: جذور عميقة وتأثرات متبادلة
يرجع دباشي ارتباطه الوثيق بالثقافة العربية إلى التزامه الثوري بالقضية الفلسطينية، ونشاطه السياسي المبكر. ويصف هذا الارتباط بأنه تحول جذري في هويته، حيث وجد نفسه أكثر قرباً من العالم العربي من بلاده الأم، إيران. ويقول إنه شعر بأن العالم العربي أصبح وطنه، من المغرب إلى سوريا، معبراً عن شعوره بالانتماء العميق لشعوب المنطقة.
لم يكن هذا التأثر سطحياً، بل تجلى في اهتمامه العميق بالسينما الفلسطينية. يروي دباشي كيف سعى إلى جمع وتوثيق الأفلام الفلسطينية، بعد أن اكتشف نقصاً حاداً في هذا المجال. وبالفعل، تمكن من إنشاء أرشيف ضخم للسينما الفلسطينية، مساهماً في الحفاظ على هذا التراث الثقافي.
تأثير إدوارد سعيد على فكر دباشي
يؤكد دباشي على الأثر العميق الذي تركه المفكر الفلسطيني الأمريكي، إدوارد سعيد، على فكره. ويشير إلى أنه تعرف على أفكار سعيد قبل قراءة كتابه الشهير “الاستشراق”، الذي يعتبره ثورة في طريقة الكتابة عن الثقافة. ويصف الكتاب بأنه موجه للعالم أجمع، وليس فقط للعالم العربي، وأنه ساهم في تفكيك العديد من المفاهيم الخاطئة عن الشرق.
وتوطدت علاقته بسعيد بشكل خاص في عام 1988، عندما كان دباشي أكاديمياً شاباً يتلقى عروض عمل من جامعتي كولومبيا ونيويورك. ويذكر أن سعيد اتصل به شخصياً، مما ساهم في ترسيخ هذه العلاقة الفكرية والمهنية.
يرى دباشي أن جيله من الطلاب كان يتميز بالتزام قوي بالقضايا الثورية في مختلف أنحاء العالم، سواء في الجزائر أو مصر أو فلسطين. هذا الالتزام ساهم في توجيه اهتماماته نحو القضايا العربية، وفي تعميق فهمه للتحديات التي تواجه المنطقة.
السينما الإيرانية والعربية: فرص ضائعة للتعاون
بالحديث عن السينما، يصف دباشي السينما الإيرانية بأنها سينما جميلة جداً، ولكنها تنقسم إلى خطين رئيسيين. الخط الأول يركز على قضايا الثورة الإيرانية والنظام الحاكم، بينما يمثل الخط الثاني تياراً معارضاً ومختلفاً.
ويعرب عن أسفه لعدم وجود تواصل كافٍ بين السينما العربية والسينما الإيرانية، على الرغم من مشاركتهما في العديد من المهرجانات السينمائية العالمية مثل مهرجان كان. ويرى أن هناك فرصاً ضائعة للتعاون وتبادل الخبرات بين صناع السينما في البلدين.
فهم ضحل للإسلام وتأثير الاستشراق
يتطرق دباشي إلى الإشكالات التي يواجهها المسلمون اليوم، مؤكداً على أهمية فهم طبيعة التحديات التي تواجههم. وينتقد ما وصفه بـ “الفهم الضحل” الذي كونه المستشرقون عن الإسلام على مدى الـ200 عام الماضية. ويشير إلى أن المسلمين لم يمتلكوا فهماً موحداً للإسلام، بل كانت هناك مدارس فكرية مختلفة ومتناقضة، مثل الخلاف بين ابن سينا والفارابي، ورد الغزالي على الفلاسفة، ثم رد ابن رشد على الغزالي.
ويرى أن هيمنة النموذج الغربي على العالم ليست مطلقة، وأن قوى جديدة مثل الصين واليابان بدأت تظهر وتنافس الغرب في مختلف المجالات. ويشير إلى أن البنية التحتية في الولايات المتحدة بدأت في التدهور، مما يعكس بداية تراجع النفوذ الأمريكي.
في الختام، يظل مستقبل العلاقات الثقافية والسياسية بين إيران والعالم العربي أمراً غير واضحاً. من المتوقع أن تستمر الجهود الرامية إلى تعزيز الحوار والتفاهم بين الطرفين، ولكن يبقى التحدي الأكبر هو تجاوز الخلافات السياسية والأيديولوجية التي تعيق هذا التقارب. وسيكون من المهم مراقبة التطورات في المنطقة، وخاصةً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتقييم تأثيرها على مستقبل هذه العلاقات.




