Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياسة

المسألة الدستورية في أفغانستان.. كيف تحكم طالبان؟

منذ عودة حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان في أغسطس/آب 2021، لم تضع دستورا رسميا لإدارة شؤون البلاد، واستندت بدلا من ذلك في حكمها إلى الشريعة الإسلامية والتفسيرات الفقهية التي تتبناها، وكذلك إلى فتاوى وقرارات زعيم الحركة الشيخ هبة الله آخوند زاده.

ولم تعترف طالبان بالدستور الذي أقرته الحكومة الأفغانية عام 2004، معتبرة أنه مستوحى من نموذج غربي لا يتماشى مع رؤيتها الإسلامية، ورفضت في الوقت ذاته إقرار دستور جديد، تاركة الإطار الدستوري في فراغ قانوني.

وحول الدستور الأفغاني وطريقة حكم طالبان، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان “أفغانستان في ظل غياب دستور رسمي: كيف تحكم طالبان؟”، ناقش فيها مراسل الجزيرة في أفغانستان حميد الله محمد شاه، تطور الدستور الأفغاني، بدءا من الملكية، مرورا بالتغيرات التي أحدثتها الانقلابات العسكري والغزو السوفياتي، وصولا إلى التحديات التي يواجهها اليوم.

حركة دستورية مبكرة

بدأت الحركة الدستورية في أفغانستان مع صدور أول دستور مكتوب عام 1923 في عهد الأمير أمان الله خان، في محاولة للجمع بين القيم التقليدية والأفكار الحديثة بعد الاستقلال عن بريطانيا.

ورغم طموح أمان الله خان في كتابة دستور يخلص البلاد من النفوذ البريطاني، فإنه وجد مقاومة شديدة من القوى المحافظة التي عارضت الدستور إلى حد إسقاط أمان الله خان.

بعد ذلك، شهدت أفغانستان سلسلة من الدساتير كان أبرزها دستور عام 1964 في عهد الملك محمد ظاهر شاه، الذي ركز على الملكية الدستورية والمبادئ الديمقراطية، لكن سرعان ما انهار مع الاضطرابات السياسية اللاحقة.

تلا ذلك الدستور عدد من الدساتير المتأثرة بالأيديولوجيا السوفياتية، قبل أن يُعتمد دستور 2004 تحت إشراف المجتمع الدولي، الذي حاول إرساء نظام ديمقراطي في ظل تحديات أمنية وسياسية هائلة تلت الغزو الأميركي في 2001 وسقوط حكومة طالبان.

ومع عودة طالبان إلى السلطة مجددا، دخلت أفغانستان مرحلة من الغموض الدستوري بعد تعطيل هذا الدستور الذي يعد الأطول تطبيقا في البلاد وأكثرها نقاشا وتحليلا وحوارا.

ويقتبس الباحث من كتاب عبد الحي حبيبي “أفغانستان بعد الإسلام” قوله إن “أفغانستان كانت أول دولة بين الدول الإسلامية تضع دستورا ينبع من النظرية الدستورية، متبعة الأفكار الإصلاحية لجمال الدين الأفغاني”، وقد أعد الأمير أمان الله خان مواده “بمساعدة السيد جمال الدين الأفغاني ومستشارين أتراك وفرنسيين، لكنه قوبل بالرفض، ولم يتمكن الأمير من تنفيذه”.

وبالنظر إلى دستور أمان الله خان نجد أنه فصل السلطات بشكل محدود للغاية وحاول الإبقاء على السلطات الرئيسية في يديه، لكن اعتماد دستور في حد ذاته كانت خطوة جريئة لتحديث السياسة في أفغانستان.

دساتير مملكة أفغانستان

يقول أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا الدكتور هشام كمالي: “يرتبط تطور الدساتير في أفغانستان ارتباطا وثيقا بالتغيرات السياسية التي مرت بها البلاد، بدءًا من إصلاحات أمان الله خان مرورا بالاضطرابات الناجمة عن الانقلابات والحروب الأهلية، وصولا إلى التدخلات الأجنبية التي أثرت بشكل مباشر على مسارها الدستوري”.

وأوائل عام 1929، اضطر الأمير أمان الله خان للتنازل عن العرش وغادر البلاد، ليتولى في العام ذاته الجنرال محمد نادر السلطة وسط الحرب الأهلية، ويقر دستورا جديدا عام 1931.

وحافظ الملك نادر خان على بعض أحكام ومواد دستور 1923، خاصة تلك المتعلقة بالمواطنين والمرأة، لكنه احتفظ للملك بسلطات أكثر مما كانت عليه في دستور 1923، مما نتج عنه تراجع أفغانستان خطوة إلى الوراء في سلم الفصل بين السلطات والدستورية الملكية.

وبعد اغتيال نادر خان عام 1933، تولى ابنه محمد ظاهر شاه الملك وظل يدير شؤون البلاد بواسطة عميه محمد هاشم وشاه محمود إلى أن قرر كتابة دستور جديد عام 1964 فصل فيه بشكل واضح بين السلطات الثلاث لأول مرة في تاريخ أفغانستان، رغم بقاء الملك بوصفه السلطة الوحيدة التي لا تقبل الجدل من منظور دستوري.

وكان دستور 1964 الوحيد الذي لم ينتج عن انقلاب أو تغيير للنظام، فقد كُتب في فترة توصف بالعصر الذهبي الذي جمع بين التقاليد والإصلاح.

عهد الجمهورية.. بداية التقهقر

وفي عام 1973، قاد ابن عم الملك محمد داود شاه انقلابا عسكريا وأعلن نفسه رئيسا لأول جمهورية في أفغانستان، ليأمر بعد ذلك بكتابة دستور عام 1977 وأوكل لنفسه سلطات رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الخارجية والقائد العام للقوات المسلحة، ليُقتل بعد ذلك بعام واحد في انقلاب دموي قاده الحزب الشيوعي الأفغاني.

وكان دستور محمد داود خان مختلفا عن دستور سلفه من حيث محاولته إرساء نظام جمهوري قوي بعد إنهاء الملكية في 1973، وبعد مقتل داود خان في 1978 أعلن الحزب الشيوعي المجلس الثوري بقيادة نور محمد تره كي، وتشكلت الحكومة برئاسته على النمط السوفياتي الذي كانت فيه الحكومة تأتمر بأمر لجنة التخطيط المركزية.

لم تبدأ صياغة الدستور بعد وصول الشيوعيين إلى السلطة إلا بعد انتخاب نجيب الله أمينا عاما للحزب ورئيسا لأفغانستان، حينها شرع الحزب لدستور 1980 متأثرا بالأيديولوجيا اليسارية.

وفي عام 1987 تخلى نجيب الله عن الشيوعية ومال نحو الديمقراطية عبر تعديلات أقرها في دستور 1980، أصبح بعدها احترام الدين والتمسك به إلزاميا، ليعود ويعزز تعديلاته في دستور 1990 الذي لم يتمكن من تنفيذه على خلفية الصراع بين الأحزاب الجهادية وحكم المجاهدين.

وبعد وصول المجاهدين إلى السلطة، ألغى زعيمهم برهان الدين رباني الدستور السابق، ولم يتمكن من إيجاد بديل متفق عليه بين المجاهدين، وهو ما جعل أفغانستان تتقدم “بشكل حاد نحو الفوضى وعدم احترام الدساتير”.

وفي محصلة تاريخ دساتير أفغانستان ما قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، يعد دستورا 1964 و1990 الوحيدين اللذين كانا بمنزلة محاولة حقيقة لإرساء نظام ديمقراطي حقيقي في البلاد.

كرزاي قاد أفغانستان بعد سقوط حكومة طالبان الأولى عام 2001 (الفرنسية)

طالبان ومسألة الدستور

كلفت الحكومة الانتقالية برئاسة حامد كرزاي لجنة دستورية لكتابة دستور جديد خلال 18 شهرا، ليدخل حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2004، وهو من أكثر الدساتير حداثة على مدار الـ90 عاما ماضية.

ومع عودة طالبان إلى الحكم، فضلت قيادتها الاعتماد على الأحكام الدينية وقرارات القيادة بدلا من دستور مكتوب يحدد حقوق المواطنين وآليات الحكم في البلاد، كما صرح المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد بأن الإمارة الإسلامية “لا تواجه فراغا دستوريا، وأن هناك دولا وحكومات ليست لها دساتير مكتوبة، وتمشي أمورها وفق آلية يرونها مناسبة لإدارة بلادهم”.

وليس جديدا على أفغانستان وجود جماعة تعارض فكرة الدستور من أساسه، فقد اختار أمان الله خان تسمية الدستور بـ”نظام نامه” لتفادي التصادم مع رجال الدين الذين اعتبروا الدستور بديلا عن القرآن بغض النظر عن طبيعته ومصادره.

واليوم بعد مرور ما يقرب من 3 سنوات منذ وصول طالبان للسلطة، ركزت الحركة على فرض رؤيتها للحكم بناء على تفسيراتها للشريعة الإسلامية دون الحاجة إلى تشريع دستور مكتوب.

وما يمنع طالبان من صياغة دستور جديد هو -في واقع الأمر- عدم قدرتها على ذلك بسبب غياب الخبرة الدستورية، كما لا يوجد إجماع بين كبار القادة على النظام السياسي الذي يجب اتباعه، فمؤسس الحركة الملا محمد عمر كان يميل إلى اعتماد دستور الملك محمد ظاهر شاه، في حين يميل زعيمها الحالي هبة الله آخوند زاده لاعتماد دستور محمد داود خان.

كما لا يمكن التغافل عن العامل الأيديولوجي وراء عدم صياغة دستور حتى الآن، رغم وعود وزير العدل في حكومة طالبان الشيخ عبدالحكيم شرعي، فطالبان لا تزال تعمل وفق منطق الحركة، ولا تزال لا تشعر بالاستقرار للانتقال إلى منطق الدولة، وتفضل التعامل مع المجتمع الدولي بمرونة أكبر، لكن الضرورة الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل قد تجعل من الدستور على قائمة الأولويات.

 

[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة عبر هذا الرابط]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى