المنصات العائمة تحول بنيوي لمصادر النفط والغاز بدأ عام 1897

لم يعد البحر مجرد مساحة مائية، بل أصبح مركزًا حيويًا لصناعة الطاقة البحرية، التي تشهد نموًا متسارعًا وتغيرات جيوسياسية عميقة. فمنذ بداية الاستكشافات النفطية البحرية في أواخر القرن التاسع عشر، تطورت التكنولوجيا بشكل كبير، مما أتاح الوصول إلى موارد كانت تعتبر في السابق بعيدة المنال. هذا التطور يطرح تحديات قانونية وبيئية جديدة تتطلب إعادة تقييم شاملة للإطار التنظيمي العالمي.
شهدت صناعة الطاقة البحرية مراحل متقدمة، بدءًا من المنصات النفطية الأولى في خليج المكسيك وصولًا إلى المدن النفطية العائمة في بحر قزوين. اليوم، تتجه الشركات إلى استكشاف وإنتاج النفط والغاز في أعماق البحار، مستخدمة تقنيات متطورة مثل السفن العائمة للإنتاج والتخزين والتفريغ (FPSO). هذا التحول يغير خريطة مصادر الطاقة العالمية ويؤثر على توازنات القوى الإقليمية والدولية.
الطاقة البحرية تعيد رسم الجغرافيا
لم يعد التحول في قطاع الطاقة مجرد مسألة تقنية أو استثمارية، بل أصبح عنصرًا بنيويًا في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية. تشير المعطيات إلى انتقال تدريجي وعميق في مركز الثقل الطاقي من اليابسة إلى البحار، مما ينعكس على توازنات القوة وأنماط النفوذ، ومفهوم السيادة نفسه.
وتظهر آخر البيانات المنشورة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن الإنتاج النفطي البحري شكّل في عام 2015 نحو 30% من إجمالي الإنتاج العالمي. من جهته، ذكر معهد الأبحاث الفرنسي المستقل “آي دي دي آر آي” أن البحار تؤمن قرابة ثلث إنتاج النفط العالمي ونحو ربع إنتاج الغاز الطبيعي. وتشير تقارير مرصد الطاقة العالمي إلى أن غالبية المشاريع الجديدة التي دخلت مراحل التطوير في عام 2024 كانت مشاريع بحرية.
تساؤلات حول الحوكمة القانونية
في ظل هذا التوسع، تبرز تساؤلات حول الحوكمة القانونية للمناطق البحرية. كيف يمكن تنظيم الأنشطة الصناعية في أعماق البحار، حيث يفتقر القانون الدولي إلى آليات فعالة للرقابة والمساءلة؟ حادثة “ديب ووتر هورايزن” عام 2010 كشفت عن هشاشة الإطار القانوني الحالي وعدم قدرته على التعامل مع الكوارث البيئية الكبرى.
تطرح هذه الحادثة أسئلة جوهرية: من يحكم الأعماق؟ ومن يتحمل التكاليف عندما تتجاوز سرعة التكنولوجيا قدرة التشريعات على التكيف؟ تعمل المنصات البحرية ضمن منظومة قانونية صيغت في زمن لم يكن فيه الحفر في أعماق البحار ممكنًا، مما يخلق فجوة بين الواقع التقني والإطار القانوني.
أوروبا والتحول نحو الإمدادات البحرية
تشهد أوروبا تحولًا كبيرًا في هيكل إمدادات الطاقة، حيث تسعى إلى تقليل اعتمادها على الإمدادات البرية من روسيا وزيادة الاعتماد على المسارات البحرية، وخاصة الغاز الطبيعي المسال وخطوط الأنابيب البحرية العائمة. هذا التحول يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية البحرية وتطوير تقنيات جديدة.
وتشير تحليلات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن أوروبا أعادت تشكيل بنية إمدادات الطاقة منذ عام 2022، مع زيادة ملحوظة في واردات الغاز الطبيعي المسال. وقد وثقت المفوضية الأوروبية التوسع في محطات الاستقبال العائمة والثابتة على سواحل بحر الشمال والبحر الأدرياتيكي والمحيط الأطلسي.
القيود الفيزيائية والهندسية
تخضع المنصات العائمة لقيود فيزيائية وهندسية صارمة. يزداد الضغط الهيدروستاتيكي بمعدل ثابت مع العمق، مما يتطلب استخدام مواد عالية المقاومة وأنظمة عزل معقدة. بالإضافة إلى ذلك، تتعرض هذه المنصات للعواصف البحرية والتآكل، مما يزيد من خطر الأعطال والحوادث.
وتشير تقارير جمعية مهندسي النفط إلى أن الأنظمة المعتمدة في المنصات العائمة تسجل أعلى معدلات الأعطال بسبب التآكل وصعوبة التدخل التقني للإصلاح في الأعماق. وقد وثقت الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي عواصف بحرية أدت إلى تعليق الإنتاج وإجلاء العاملين.
الإطار القانوني للمنصات العائمة: تحديات مستمرة
تعتبر اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المرجعية القانونية الأساسية لتنظيم استخدام البحار والمحيطات. ومع ذلك، لا تتضمن هذه الاتفاقية معايير تشغيل تقنية ملزمة للمنصات العائمة أو آليات واضحة لمعالجة مسؤولية المشغلين في حالة التلوث. هذا الفراغ القانوني يمثل تحديًا كبيرًا لصناعة النفط والغاز البحرية.
يتطلب الوضع الحالي تطوير إطار قانوني دولي جديد يأخذ في الاعتبار التحديات التقنية والبيئية التي تفرضها صناعة الطاقة البحرية. يجب أن يتضمن هذا الإطار معايير تشغيل صارمة، وآليات للمساءلة والتعويض، وتعزيز التعاون الدولي في مجال السلامة البيئية.
من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة نقاشات مكثفة في المحافل الدولية حول تطوير هذا الإطار القانوني. وستركز هذه النقاشات على تحديد المسؤوليات، وتوزيع التكاليف، وضمان حماية البيئة البحرية. يبقى التوصل إلى اتفاق دولي شامل تحديًا كبيرًا، ولكنه ضروري لضمان استدامة صناعة الطاقة البحرية في المستقبل.




