Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اقتصاد

الوجه الآخر لتأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد والمجتمعات

يشهد العالم تحولًا تكنولوجيًا سريعًا تقوده تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي باتت تتغلغل في مختلف جوانب الحياة. ومع هذا التوسع المطرد، تتسارع وتيرة اعتماد الدول والمؤسسات للخوارزميات ودمجها ضمن عملياتها، بينما ارتفع اعتماد الأفراد على الأنظمة الذكية في أنشطتهم اليومية. إلا أن هذا التقدم التكنولوجي يحمل في طياته تحديات عميقة تمسّ سوق العمل والخصوصية والأمن، وتُعيد تشكيل الدورة الاقتصادية، وتؤثر في بنية المجتمعات والدول.

تُظهر البيانات أن الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي ينمو بمعدلات غير مسبوقة، مدفوعًا بالوعود بتحسين الكفاءة وزيادة الإنتاجية. ومع ذلك، فإن هذا التحول السريع لا يخلو من المخاطر. تُشير التقارير إلى أن التركيز المتزايد للقدرات التكنولوجية في يد عدد محدود من الشركات الكبرى، وخاصةً في الولايات المتحدة والصين، يخلق اختلالًا في موازين القوى العالمية، ويهدد بزيادة الفجوة الرقمية بين الدول.

1- تركز الذكاء الاصطناعي بيد عدد من القوى التكنولوجية

مع توسع نطاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي، تتركز الموارد الرقمية الأساسية – القدرة الحاسوبية، والبيانات، والشرائح المتقدمة – في يد عدد محدود من القوى الكبرى. تُظهر بيانات حديثة أن الولايات المتحدة تهيمن على حوالي 70% من القدرة الحاسوبية السحابية العالمية، في حين تقتصر حصة الصين على 11% فقط. والنسبة المتبقية موزعة بين دول مثل فرنسا وألمانيا واليابان.

ويمتد هذا التركز إلى قطاع تصنيع المعالجات المتقدمة، حيث تمتلك الولايات المتحدة أكثر من 80% من القدرة العالمية، بينما لا تتجاوز حصة الصين 10%. وتجمع القوى التكنولوجية الكبرى كميات هائلة من البيانات السلوكية للمستخدمين، مما يمنحها تفوقًا حتى على الحكومات. وتشير تقارير الأمن الرقمي إلى أن أقل من 10 مؤسسات تتحكم في الشرائح المتقدمة والبنية التحتية السحابية اللازمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تطورًا.

2- الذكاء الاصطناعي والتحيز الخوارزمي

الخوارزميات، على الرغم من مظهرها المحايد، تعكس التحيزات الموجودة في البيانات التي تُدرَّب عليها. وتظهر الدراسات العلمية وجود تفاوت كبير في دقة النماذج بين الفئات السكانية المختلفة. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها جامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا أن معدل الخطأ في التعرف على الوجوه يبلغ 1.3% لدى بعض الفئات، بينما يصل إلى 34% لدى فئات أخرى. وبالمثل، تُظهر تحليلات إضافية أن دقة أنظمة التصنيف البصري قد تنخفض بأكثر من 30% عند ضعف تمثيل البيانات.

ويظهر التحيز الخوارزمي في مجالات أخرى أيضًا، مثل التوظيف والتمويل. تُبين دراسات اختبارية أن أنظمة الفرز الآلي تستبعد بين 10% و20% من الطلبات تلقائيًا، وأن 27% من خوارزميات التوظيف تحمل تحيزًا موروثًا يفضل فئات معينة على حساب أخرى. وفي القطاع المالي، تكشف دراسات متخصصة عن فروق في التقييم الائتماني تتراوح بين 5% و15% بين أفراد متماثلين ماليًا بسبب الاعتماد على بيانات ناقصة أو قديمة.

3- الذكاء الاصطناعي والتحول البنيوي في سوق العمل العالمي

يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل سوق العمل العالمي بوتيرة سريعة، وتقدر منظمة العمل الدولية أن ربع الوظائف العالمية مهددة بدرجات متفاوتة من الأتمتة. وتشير التقديرات إلى أن 60% من المهن تتضمن ما لا يقل عن 30% من الأنشطة القابلة للاستبدال بالآلات. الوظائف الروتينية والحسابية والكتابية والتشغيلية هي الأكثر عرضة للخطر. وقد يؤدي هذا التحول إلى فقدان وظائف واسع النطاق، وتفاقم البطالة، وزيادة التفاوت الاجتماعي.

4- تراجع الاستهلاك في ظل توسع الذكاء الاصطناعي

يعتمد الاقتصاد الحديث على دورة مترابطة من الاستثمار والوظائف والدخل والاستهلاك. ومع فقدان الوظائف بسبب الأتمتة، قد يتراجع الاستهلاك، مما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي. تشير التقديرات إلى أن الأسر التي تتعرض لصدمة في الدخل تخفض إنفاقها الاختياري بنسبة 8-15%. وقد يؤدي فقدان الوظيفة إلى تراجع الاستهلاك بنسبة تصل إلى الثلث أو النصف.

5- الذكاء الاصطناعي وتضخم اقتصاد المراقبة

أصبح الذكاء الاصطناعي محركًا رئيسيًا لتوسع اقتصاد المراقبة، حيث تعتمد المنصات الرقمية على جمع كم هائل من البيانات السلوكية للمستخدمين. وتشير التقديرات إلى أن صناعة البيانات العالمية تجاوزت 300 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 550 مليار دولار بحلول عام 2027. يتم جمع أكثر من 1500 نقطة بيانات عن كل مستخدم يوميًا، بما في ذلك تفاعلاته الرقمية، وموقعه الجغرافي، وتفضيلاته الشرائية.

6- الذكاء الاصطناعي وتزييف المحتوى

يمثل تزييف المحتوى تهديدًا متزايدًا، حيث تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي إنتاج صور وأصوات وفيديوهات واقعية للغاية. تشير التقديرات إلى أن عدد المقاطع المزيفة يتزايد بسرعة، ويصل إلى أكثر من 8 ملايين مقطع متوقع في عام 2025. هذا التزايد يهدد الثقة العامة ويُسهل التلاعب بالمجتمعات.

7- الهجمات الإلكترونية المدعومة بالذكاء الاصطناعي

تشهد الهجمات الإلكترونية المؤتمتة قفزة حادة، حيث تستخدم الخوارزميات لتحليل الثغرات وتنفيذ الاختراقات تلقائيًا. تشير البيانات إلى أن 87% من المؤسسات العالمية تعرضت لهجمات تعتمد على الذكاء الاصطناعي. كما ارتفعت عمليات الاحتيال الصوتي والمرئي بشكل ملحوظ، مما يشكل تهديدًا للأمن المالي.

8- الذكاء الاصطناعي والفراغ التشريعي المنظم

يتوسع الذكاء الاصطناعي بوتيرة تفوق قدرة التشريعات على المواكبة، مما يخلق فراغًا تنظيميًا واسعًا. تشير التقديرات إلى أن أكثر من 70% من الدول لا تمتلك أطرًا قانونية شاملة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي. هذا النقص في التنظيم يزيد من خطر إساءة الاستخدام وانتهاك الخصوصية.

9- الذكاء الاصطناعي لسباق التسلح التكنولوجي

يشهد العالم مرحلة تسلح جديدة، حيث تتقدم الخوارزميات على العنصر البشري في المجال العسكري. تستثمر الدول مبالغ طائلة في تطوير أنظمة قتالية ذاتية التحليل واتخاذ القرار. وتشير التقديرات إلى أن الإنفاق العسكري المرتبط بالذكاء الاصطناعي سيصل إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2030.

10- الذكاء الاصطناعي والأثر على المجتمعات

يحمل الذكاء الاصطناعي آثارًا بنيوية عميقة تمس استقرار المجتمعات. قد يؤدي ارتفاع البطالة وتراجع الدخول إلى زيادة التوتر الاجتماعي والجريمة. كما أن انتشار التزييف وانتهاك الخصوصية يهدد الثقة العامة ويجعل الرأي العام أكثر هشاشة.

من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة مزيدًا من النقاش حول الحاجة إلى وضع أطر تنظيمية شاملة للذكاء الاصطناعي، مع التركيز على حماية الخصوصية، وضمان الشفافية، ومنع التحيز، والتصدي للهجمات السيبرانية. من الضروري أن تتعاون الدول والجهات المعنية لوضع معايير أخلاقية وقانونية تضمن الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، وتجنب المخاطر المحتملة التي تهدد المجتمعات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى