براعة مذهلة.. كيف يتقن الأطفال أدوارهم في السينما؟

يثير أداء الأطفال في الأفلام دهشة المشاهدين، فحين يتقن طفل صغير دورا دراميا أو كوميديا بحرفية توازي كبار الممثلين، يطرح التساؤل نفسه: كيف تمكّن من الوصول إلى هذا المستوى؟ وما الذي يحدث خلف الكواليس؟
ريتا خان، في حلقة جديدة من برنامج “عن السينما”، تحاول الإجابة عن هذا السؤال، مستعرضة عددا من النماذج اللافتة لنجوم صغار أذهلوا الجماهير.
تقول خان إن تصوير مشهد واحد مع طفل يتطلب صبرا مضاعفا، فالكاميرات والإضاءة وأوامر المخرج ليست بيئة مألوفة لطفل لم يتجاوز العاشرة.
وتلفت إلى أن بعض المخرجين لا يبحثون عن ممثلين محترفين بقدر ما يسعون وراء أطفال يشبهون شخصيات الفيلم نفسيا وسلوكيا.
هذا ما فعله مخرج فيلم الرعب “It”، إذ حرص على أن يحمل الطفل نفس ملامح الشخصية التي يؤديها، من حيث الخجل أو الجرأة، بدلا من تلقينه صفات لا يمتلكها.
وتستعرض خان الطريقة التي اعتمدها الممثل والمخرج أنور وجدي مع الطفلة فيروز، حين شكّلا معًا ثنائيًا سينمائيًا ناجحًا. كان وجدي يعاملها كابنته، تعيش معه ومع زوجته ليلى مراد لخلق انسجام كامل أمام الكاميرا، وهي علاقة تركت أثرا بالغا في دقة أدائها.
وتشير خان إلى أن البعض يعتقد أن براعة الأطفال تأتي من موهبة فطرية، لكن الحقيقة أكثر تعقيدا، إذ يخضع الطفل في كثير من الأحيان لتدريبات خاصة، ويجري توجيهه بأساليب تراعي نفسيته، كأن يُعامل كصديق لا كمجرد منفّذ لأوامر.
في السياق ذاته، تذكر خان تجربة المخرجة نادين لبكي مع الطفل زين الرفيع، بطل فيلم “كفرناحوم”، الذي كان يعمل صبيّ توصيل في شوارع لبنان حين تعرفت عليه.
زين لم يكمل تعليمه، وكان بالكاد يكتب اسمه، لكنه أدى دوره ببراعة استثنائية، مما جعله يحصد تصفيقا حارا في مهرجان كان.
الصدق عنصر حاسم
وتلفت إلى أن الصدق هو العنصر الحاسم في أداء الطفل، فمثلا، حين رفض الطفل جايكوب تريمبلي في فيلم “روم” أن يصرخ في وجه الممثلة بري لارسون لأن “بري طيبة ولا يريد إيذاءها”، لجأ المخرج إلى التصوير بأسلوب يجعل الطفل يشعر بالأمان، وهو ما أخرج أداء حقيقيا نال الإعجاب.
ويحظى المخرج البريطاني كين لوتش بسمعة مميزة في التعامل مع الأطفال، إذ يرى أن على المخرج التعامل مع الطفل باحترافية كما يفعل مع أي ممثل بالغ، مع إيلاء الصداقة والاحترام أولوية في التعامل، دون الوقوع في فخ التدليل الذي قد يفسد الأداء.
وتعود خان بالذاكرة إلى أوائل القرن العشرين، حين اكتشف تشارلي شابلن الطفل جاكي كوجن وهو يرقص على المسرح، فاختاره لدور البطولة في فيلم “ذا كيد”، وقد نجح الفيلم نجاحا ساحقا، واعتقد الجمهور أن كوجن هو ابن شابلن فعلا من شدة الانسجام بينهما.
لكن خان تشير أيضا إلى الوجه الآخر لهذه النجومية المبكرة، فبعض الأطفال الذين سطع نجمهم في طفولتهم، اختفوا تماما بعد البلوغ، ولم يعودوا مرغوبا فيهم من قبل صناع السينما، وهو ما يطرح تساؤلات حول التأثير النفسي لهذه التجارب المبكرة.
وتؤكد أن القوانين في بعض الدول حدّدت ساعات عمل الأطفال في مواقع التصوير بشكل صارم، فمثلا لا يُسمح لمن هم دون 6 أشهر بالعمل أكثر من 20 دقيقة يوميا، فيما لا تتجاوز ساعات عمل من هم في سن 17 عاما 8 ساعات، مع حقهم في الانسحاب دون أي تبعات قانونية.
حيل تحفيزية
وترى خان أن بعض المخرجين يلجؤون إلى حيل تمثيلية بسيطة لتحفيز الطفل، مثل استخدام أسلوب اللعب، أو تشجيعه بجوائز رمزية، أو حتى استبدال الممثلين البالغين بشخصيات مألوفة للطفل تساعده على التفاعل بصورة تلقائية.
وتنوه إلى أن التكرار والمثابرة جزء أساسي من تدريب الطفل على التمثيل، وتروي كيف أن المخرجين يعيدون تصوير مشهد واحد عشرات المرات لضبط الأداء، وهو ما يتطلب صبرا من الطفل والمحيطين به على حد سواء.
ورغم الصعوبات، ترى خان أن العمل مع الأطفال له سحره الخاص، فالطفل إذا شعر بالثقة والاحتواء قد يقدّم أداء يتفوّق به على أي ممثل محترف، وهو ما حدث مع الطفل نسيم، الذي ظهر في الحلقة كطفل عادي ثم فاجأ الجميع بموهبة مدهشة حين أعطي فرصة بسيطة.
وتختم خان حلقتها بالتأكيد على أن موهبة الطفل لا تكفي وحدها، فالحظ والظروف والمحيطون به -خصوصا المخرج- هم من يرسمون مسار نجوميته. وإذا صادف الطفل المخرج المناسب، فقد يكون فيلمه الأول هو بوابته نحو مجد سينمائي لا يُنسى.