برلمان الجزائر يصادق بالإجماع على قانون تجريم الاستعمار الفرنسي

صادق البرلمان الجزائري بالإجماع اليوم الأربعاء على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر، واصفًا إياه بأنه “جريمة دولة” ومطالبًا فرنسا بتقديم اعتذار رسمي. يهدف هذا القانون إلى إدانة الممارسات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر، وتأكيد حق الجزائريين في التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم خلال فترة الاستعمار. ويأتي هذا التصويت في خضم توترات دبلوماسية مستمرة بين البلدين.
وقف النواب تحت قبة المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى في البرلمان) موشحين بألوان العلم الجزائري، وصفقوا طويلاً بعد إقرار النص الذي يحمّل الدولة الفرنسية “المسؤولية القانونية عن ماضيها الاستعماري في الجزائر والمآسي التي تسبّب بها”. ويعد هذا القانون خطوة رمزية هامة في الذاكرة الوطنية الجزائرية، ويثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا.
دلالة رمزية لقانون تجريم الاستعمار الفرنسي
يعد إقرار هذا القانون بمثابة رسالة سياسية قوية، تعكس الرغبة الجزائرية في مواجهة الماضي الاستعماري بشكل صريح وواضح. وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن القانون يحمل دلالة رمزية كبيرة، لكن أثره العملي على المطالبة بالتعويضات قد يكون محدودًا ما لم يتم اللجوء إلى هيئات دولية أو اتفاق ثنائي بين البلدين.
أثناء عرض مقترح القانون، قال رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي السبت الماضي، إن هذا المقترح “فعل سيادي بامتياز”، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية. وأضاف أنه أيضًا “رسالة واضحة إلى الداخل والخارج بأن الذاكرة الوطنية الجزائرية غير قابلة للمحو أو المساومة”.
في المقابل، اكتفت وزارة الخارجية الفرنسية بالقول، ردًا على سؤال حول التصويت، بأنها لا تعلق “على نقاشات سياسية تجري في دول أجنبية”. ويرى مراقبون أن هذا الموقف يعكس حساسية الموضوع في فرنسا، وتجنبًا لتصعيد التوترات الدبلوماسية.
جرائم الاستعمار غير القابلة للتقادم
يعدد القانون “جرائم الاستعمار الفرنسي غير القابلة للتقادم” ومنها “الإعدام خارج نطاق القانون والتعذيب والاغتصاب والتجارب النووية والنهب المنهجي للثروات”. كما يطالب القانون بتسليم خرائط التفجيرات النووية والتجارب الكيميائية، والألغام المزروعة، وذلك في إشارة إلى التجارب النووية الفرنسية التي أجريت في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966.
الاعتراف والاعتذار: المطالب الجزائرية
يؤكد قانون التجريم أن “التعويض الشامل والمنصف، عن كافة الأضرار المادية والمعنوية التي خلّفها الاستعمار الفرنسي، حق ثابت للدولة والشعب الجزائري”. وينص على إلزام الدولة الجزائرية بالسعي من أجل “الاعتراف والاعتذار الرسميين من طرف دولة فرنسا عن ماضيها الاستعماري”.
بالإضافة إلى ذلك، يطالب القانون فرنسا بإعادة “أموال الخزينة التي تم السطو عليها” وكل الممتلكات المنقولة من الجزائر، بما في ذلك الأرشيف الوطني. ويعتبر هذا البند من أهم بنود القانون، حيث يهدف إلى استعادة الثروات التي نهبتها فرنسا خلال فترة الاستعمار.
التداعيات القانونية والسياسية
يرى الباحث حسني قيطوني أنه “من الناحية القانونية، لا يحمل هذا القانون أي بُعد دولي، وبالتالي لا يمكنه إلزام فرنسا” و”أثره القانوني محلي فقط”. وأضاف الباحث في تاريخ الحقبة الاستعمارية في جامعة إكستر البريطانية أن “أثره السياسي والرمزي مهم، فهو يمثل لحظة قطيعة في العلاقة التاريخية مع فرنسا”.
كما يفرض القانون عقوبات بالسجن والحرمان من الحقوق المدنية والسياسية لكل من “يروج” للاستعمار أو ينفي كونه جريمة. ويعتبر هذا البند مثيرًا للجدل، حيث يرى البعض أنه يمس بحرية التعبير.
ويقر القانون أيضًا أن الجزائريين الذين تعاونوا مع الاستعمار الفرنسي، والذين يطلق عليهم وصف “الحركيين”، قد ارتكبوا “جريمة الخيانة العظمى”. هذا البند يثير حساسية خاصة في المجتمع الجزائري، حيث لا يزال موضوع “الحركيين” يثير جدلاً واسعًا.
هذه هي المرة الأولى التي يناقش فيها البرلمان الجزائري، في جلسة علنية، مقترح قانون يتعلق بتجريم الاستعمار. ويأتي هذا التصويت في سياق جهود متواصلة لإعادة كتابة التاريخ الجزائري، وتأكيد الهوية الوطنية.
من المتوقع أن تثير هذه الخطوة ردود فعل متباينة في فرنسا، وقد تؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات الثنائية. وستراقب الأوساط الدبلوماسية والقانونية عن كثب التطورات المقبلة، بما في ذلك رد فعل الحكومة الفرنسية، وإمكانية اللجوء إلى هيئات دولية لحل النزاع. يبقى مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية معلقًا على كيفية التعامل مع هذه القضية الحساسة.





