بعد عام من انتصار الثورة.. كم سوريًا عاد إلى وطنه؟

وثقت الأمم المتحدة عودة أكثر من مليون و208 آلاف لاجئ سوري إلى بلادهم بعد التغييرات السياسية الأخيرة، في تطور يعكس تحولاً ملحوظاً في المشهد الإنساني والاجتماعي داخل سوريا. يأتي هذا التدفق الكبير من العائدين في ظل جهود متزايدة لإعادة الإعمار وتحسين الظروف المعيشية، لكنه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالإسكان والبنية التحتية. وتعتبر قضية اللاجئين السوريين من أهم القضايا الإنسانية التي شهدها العقد الماضي.
وتصدرت تركيا قائمة الدول التي شهدت أكبر عدد من العائدين السوريين، حيث بلغ عددهم أكثر من 700 ألف شخص. يليها لبنان بأكثر من 250 ألفاً، ثم الأردن والعراق، مع تسجيل أعداد أقل في مصر ودول الاتحاد الأوروبي. هذه الأرقام تعكس الدور الرئيسي الذي لعبته هذه الدول في استضافة اللاجئين السوريين خلال سنوات الأزمة.
توزيع العائدين السوريين: نظرة تفصيلية
أظهرت البيانات أن الإناث يمثلن الغالبية العظمى من العائدين، حيث تجاوز عددهن 627 ألف امرأة مقابل حوالي 581 ألف رجل. يعكس هذا التوزيع التركيبة السكانية للاجئين الذين اضطروا للنزوح خلال سنوات الصراع، بالإضافة إلى عوامل تتعلق بسلامة العودة وتوفر الدعم.
الأعمار والوجهات الرئيسية
تشير الإحصائيات إلى أن الأطفال دون سن الثامنة عشرة يشكلون نسبة كبيرة من العائدين، حيث بلغت 57% من إجمالي العدد. كما أن الشباب يمثلون 41%، بينما تقتصر نسبة كبار السن على 2% فقط. هذا التوزيع العمري يضع ضغوطاً إضافية على الخدمات التعليمية والصحية في المناطق التي يشهدون عودة إليها.
وعلى صعيد المدن السورية، تصدرت دمشق قائمة الوجهات الأكثر استقبالاً للعائدين، حيث استقبلت أكثر من 219 ألف شخص. تلتها حلب بأكثر من 185 ألفاً، ثم إدلب بأكثر من 172 ألفاً. بقية المحافظات السورية مجتمعة سجلت عودة أكثر من نصف مليون شخص. يعكس هذا التوزيع الأوضاع الأمنية والاقتصادية النسبية في هذه المناطق.
بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن عملية العودة لا تزال تواجه صعوبات جمة، حيث أن عدداً قليلاً من العائدين تمكن من استعادة منازلهم. فقد تعرض حوالي 64 ألفاً و282 منزلاً للتدمير الكامل، بينما تضرر 71 ألفاً و328 منزلاً بشكل جزئي، وتعرض 42 ألفاً و844 منزلاً لأضرار طفيفة. ويُقدر حجم الأنقاض بحوالي 6.9 مليون طن، مما يعيق جهود إعادة الإعمار.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 6 ملايين لاجئ سوري لا يزالون ينتظرون العودة إلى ديارهم، بالإضافة إلى 6 ملايين نازح داخلي يتطلعون إلى العودة إلى مناطقهم الأصلية. هذه الأرقام الضخمة تؤكد حجم التحديات التي تواجه سوريا في التعامل مع ملف النزوح واللجوء.
التحديات التي تواجه عملية عودة اللاجئين
لا تقتصر التحديات التي تواجه عودة اللاجئين السوريين على نقص المساكن المدمرة، بل تشمل أيضاً محدودية فرص العمل، وتدهور الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، بالإضافة إلى المخاوف الأمنية المستمرة. وتتطلب معالجة هذه التحديات جهوداً متضافرة من الحكومة السورية والمنظمات الدولية والمجتمع المدني.
وتشير بعض التقارير إلى أن نقص التمويل اللازم لإعادة الإعمار يمثل عائقاً كبيراً أمام عودة المزيد من اللاجئين. كما أن القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية تعيق جهود توفير الدعم اللازم للعائدين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الألغام والمتفجرات التي خلفتها الحرب تشكل خطراً داهماً على حياة العائدين.
وتعتبر قضية المصالحة الوطنية أيضاً من التحديات الهامة التي تواجه عملية العودة. فقد أدت سنوات الصراع إلى انقسامات عميقة في المجتمع السوري، ويتطلب تجاوز هذه الانقسامات جهوداً حثيثة لتعزيز الثقة والتسامح بين جميع الأطراف. كما أن ضمان حقوق العائدين وحمايتهم من أي شكل من أشكال التمييز أو الانتقام أمر ضروري لنجاح عملية العودة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا يمثل تحدياً كبيراً أمام العائدين. فقد أدت الحرب إلى تدمير البنية التحتية الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر. ويتطلب تحسين الوضع الاقتصادي تنفيذ إصلاحات هيكلية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتوفير فرص العمل.
وفي سياق متصل، تشير بعض المصادر إلى أن هناك حاجة إلى تقييم شامل للأضرار التي لحقت بالممتلكات والبنية التحتية في المناطق التي يشهد العائدون إليها. كما أن هناك حاجة إلى تطوير خطة وطنية لإعادة الإعمار تضع في الاعتبار احتياجات العائدين وتضمن الاستخدام الرشيد للموارد المتاحة. هذه الخطة يجب أن تكون شاملة ومستدامة، وأن تضمن مشاركة جميع الأطراف المعنية.
من المتوقع أن تستمر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في مراقبة عملية عودة اللاجئين السوريين وتقديم الدعم اللازم لهم. كما أن هناك حاجة إلى حشد المزيد من الموارد المالية والإنسانية لمساعدة سوريا في التعامل مع هذا الملف المعقد. وستظل قضية النزوح السوري من القضايا الرئيسية التي تتطلب اهتماماً دولياً مستمراً.
في الختام، على الرغم من عودة أعداد كبيرة من السوريين، لا تزال هناك تحديات هائلة تعيق عودة كاملة ومستدامة. من المتوقع أن تصدر الأمم المتحدة تقريراً مفصلاً في الربع الأول من عام 2026 حول التطورات في هذا الملف، مع التركيز على الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية للعائدين. يجب مراقبة التطورات الأمنية والسياسية في سوريا عن كثب، حيث أنها ستؤثر بشكل كبير على مستقبل عملية العودة.





