بكين تتحرك لتقييد الوصول إلى رقائق إنفيديا رغم سماح ترامب

مع استمرار التنافس التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، تستعد بكين لفرض قيود على حصول شركاتها على أحدث معالجات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها معالجات “إتش 200” من شركة إنفيديا الأمريكية. يأتي هذا الإجراء على الرغم من موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تصدير هذه المعالجات إلى “عملاء معتمدين” في الصين، مما يعكس تعقيد العلاقة بين البلدين في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
يعكس هذا التحرك صراعًا متعدد الأوجه، فهو يجمع بين جهود واشنطن لحماية أمنها القومي من النفوذ التكنولوجي الصيني، وبين سعي بكين لتعزيز الاكتفاء الذاتي في صناعة أشباه الموصلات وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية. وتأتي هذه التطورات في وقت حرج يشهد فيه قطاع التكنولوجيا العالمي تحولات جذرية.
القيود الصينية المحتملة وتأثيرها على سوق الذكاء الاصطناعي
أفادت صحيفة فايننشال تايمز بأن الجهات التنظيمية الصينية تدرس إلزام الشركات بتقديم طلبات موافقة رسمية مسبقة وشرح أسباب عدم قدرة المعالجات المحلية على تلبية احتياجاتها. بالإضافة إلى ذلك، هناك توجه نحو منع القطاع العام من شراء هذه المعالجات بهدف دعم الشركات الصينية المنافسة، على الرغم من عدم اتخاذ قرار نهائي بهذا الشأن حتى الآن.
وتشير التقارير إلى أن بكين استغلت القيود التي فرضتها الولايات المتحدة في عهد الرئيس جو بايدن لدفع قطاع الرقائق الإلكترونية المحلي نحو تطوير بدائل تنافسية. وقد شمل ذلك تكثيف الفحص الجمركي وتقديم الدعم المالي لمراكز البيانات التي تعتمد على معالجات محلية الصنع.
ضغوط إنفيديا والتباين في المواقف الأمريكية
جاء قرار ترامب بالموافقة على بعض الصادرات بعد حملة ضغط قوية قادتها شركة إنفيديا، بقيادة رئيسها التنفيذي جنسن هوانغ. دعا هوانغ في تصريحات سابقة إلى “ضمان وصول التكنولوجيا إلى جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصين”، معتبرًا أن ذلك يصب في مصلحة الشركة والاقتصاد العالمي.
وبحسب مصادر إعلامية أمريكية، فقد وافق ترامب على السماح لشركة إنفيديا ببيع معالجات “إتش 200” للصين مقابل حصول الحكومة الأمريكية على 25% من عائدات هذه المبيعات. ويشمل هذا الإجراء أيضًا شركات أمريكية أخرى مثل “إيه إم دي”، ولكنه من المتوقع أن يواجه معارضة من بعض أعضاء الكونغرس الذين يركزون على الأمن القومي.
الأمن القومي والمعادن النادرة: دوافع صينية وأمريكية
يؤكد باحثون في مركز الأمن والتقنيات الناشئة بجامعة جورج تاون أن إتاحة الوصول إلى معالجات متطورة مثل “إتش 200” قد يسهل على الصين تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي لأغراض عسكرية. ويشيرون إلى أن جيش التحرير الشعبي يستخدم بالفعل معالجات أمريكية في تعزيز قدراته القتالية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
في المقابل، يرى بعض المحللين أن السماح ببيع “إتش 200” قد يمنح الولايات المتحدة فرصة للتفاوض بشأن الحصول على نفوذ أكبر في مجال المعادن الأرضية النادرة، والتي تعتبر ضرورية لصناعة الإلكترونيات. وتسعى الصين إلى السيطرة على جزء كبير من هذا السوق، مما يثير قلق واشنطن.
وتشير التقديرات إلى أن الصين تمثل سوقًا ضخمًا لشركة إنفيديا، تقدر قيمته بحوالي 50 مليار دولار. ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن الشركات الصينية قد تتردد في شراء معالجات “إتش 200” نظرًا لأنها أقل تطورًا من أحدث جيل من معالجات إنفيديا، بالإضافة إلى سعي بكين لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية.
مستقبل التكنولوجيا والرقائق الإلكترونية
من المتوقع أن تستمر المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في مجال التكنولوجيا وأشباه الموصلات. وتعتبر هذه المنافسة جزءًا من صراع أوسع نطاقًا على النفوذ الاقتصادي والعسكري العالمي.
في الوقت الحالي، لا يزال مستقبل مبيعات إنفيديا في الصين غير واضح، حيث تعتمد على القرارات السياسية والتنظيمية التي ستتخذها بكين. ما يجب مراقبته في الأشهر المقبلة هو رد فعل الشركات الصينية على القيود الجديدة، ومدى قدرة الشركات المحلية على تطوير بدائل تنافسية. كما يجب متابعة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي والمعادن النادرة، حيث تلعب هذه العوامل دورًا حاسمًا في تحديد ميزان القوى في هذا المجال.





