تركيا تعتزم الاستثمار في حقول الغاز الأميركية

تستكشف تركيا فرصًا متزايدة للاستثمار في قطاع النفط والغاز الأمريكي، وذلك في إطار جهودها لتنويع مصادر الطاقة وتسريع عملية إعادة هيكلة شاملة لمحفظتها الطاقوية. يأتي هذا التحرك مدفوعًا بالرغبة في تقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال الروسي والجزائري، وتعزيز مكانة تركيا كمركز إقليمي لتجارة الغاز. وتشمل الخطط التركية الاستحواذ على حصص في أصول المنبع، بالإضافة إلى زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال.
أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، خلال القمة العالمية للغاز الطبيعي المسال في إسطنبول، أن مؤسسة البترول التركية تجري مفاوضات متقدمة مع شركات أمريكية كبرى مثل شيفرون وإكسون موبيل، بهدف الاستحواذ على حصص في مشاريع استكشاف وإنتاج الغاز. ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن هذه الصفقات في وقت مبكر من الشهر المقبل، مما يمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز التعاون التركي الأمريكي في مجال الطاقة.
الغاز الطبيعي المسال الأمريكي: خيار أكثر تنافسية
أشار بيرقدار إلى أن الغاز الطبيعي المسال الأمريكي أصبح “أكثر تنافسية” من البدائل القادمة من روسيا وإيران، خاصةً مع التغيرات في الأسعار وظروف السوق العالمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تنويع مصادر الطاقة يعتبر أولوية استراتيجية لتركيا لضمان أمن إمداداتها وتقليل المخاطر الجيوسياسية.
حتى الآن هذا العام، استوردت تركيا حوالي 5.2 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال، مقارنة بـ 3.98 مليون طن خلال عام 2024 بأكمله، وفقًا لبيانات جمعتها بلومبيرغ. يعكس هذا الارتفاع في الواردات حاجة متزايدة للغاز لتلبية الطلب المحلي ودعم النمو الاقتصادي.
توسع البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال
لمواكبة الزيادة المتوقعة في الواردات، تخطط تركيا لإضافة وحدتين عائمتين جديدتين للتخزين وإعادة التغييز، مما سيرفع إجمالي عدد هذه الوحدات إلى خمس. تهدف هذه الاستثمارات إلى زيادة القدرة الاستيعابية لتركيا للغاز الطبيعي المسال، وتمكينها من الاستفادة من فرص التجارة الإقليمية والدولية.
وتدرس أنقرة إمكانية إرسال إحدى هذه الوحدات العائمة إلى مصر خلال أشهر الصيف، للمساعدة في تغطية النقص الموسمي في الغاز، كما تجري محادثات مع المغرب ودول أخرى لاستكشاف ترتيبات مماثلة. هذا يدل على طموح تركيا في أن تصبح مزودًا رئيسيًا للغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة أصبحت رابع أكبر مورد للغاز لتركيا هذا العام، بحصة تبلغ حوالي 5.5 مليار متر مكعب، تمثل نسبة 14% من إجمالي واردات الغاز التركية. يعتبر هذا الدليل على أهمية العلاقات التجارية المتنامية بين البلدين في قطاع الطاقة.
تتوقع تركيا تسلّم ما يقرب من 1500 شحنة من الغاز الطبيعي المسال على مدار السنوات العشر إلى الخمس عشرة القادمة، حيث أن معظم هذه العقود مرتبطة بأسعار الغاز في “هنري هب” الأمريكية. هذا الارتباط بأسعار الغاز الأمريكية قد يساعد تركيا في الحصول على أسعار تنافسية على المدى الطويل. وتشمل الصفقات المبرمة مؤخرًا عقودًا طويلة الأجل مع مجموعة ميركوريا للطاقة ومجموعة وودسايد للطاقة، بالإضافة إلى اتفاقات مع شركة “إيني” وشركة “إس إي إف إي” (SEFE) الألمانية.
تسعى تركيا كذلك إلى مضاعفة سعة نقل الغاز السنوية إلى بلغاريا إلى ما يتراوح بين 7 و 10 مليارات متر مكعب، بشرط إجراء تحسينات طفيفة على الجانب البلغاري. هذا التوسع في البنية التحتية قد يتيح كميات إضافية من الغاز لجنوب شرق أوروبا، وربما إلى أوكرانيا أيضًا.
في الختام، تمثل استثمارات تركيا في الغاز الطبيعي المسال الأمريكي خطوة استراتيجية نحو تنويع مصادر الطاقة وتحسين أمن الإمدادات. من المتوقع أن تشهد أنقرة والقاهرة مباحثات مكثفة خلال الأشهر القليلة القادمة لتحديد التفاصيل النهائية لإرسال الوحدة العائمة إلى مصر. يبقى من الضروري مراقبة التطورات الجيوسياسية وتغيرات أسعار الغاز العالمية لتقييم التأثير الكامل لهذه الخطط على مستقبل قطاع الطاقة في تركيا والمنطقة.





