تقتل بسحب الموت والقنابل الغبية فما أنواع السلاح المحرم الذي تمتلكه إسرائيل؟
في حروب إسرائيل ضد لبنان وقطاع غزة المتكررة منذ قرابة عقدين، ظهرت مؤشرات عديدة على استخدامها أنواعا من الأسلحة التي توصف بأنها “محرمة دوليا” لكونها تُحدث أضرارا بالغة بين المدنيين، والتي بات من غير المقبول دوليًا استخدامها في الحروب الحديثة، مهما كانت شدة الحرب وضراوتها.
لكن “توحش” إسرائيل كان دائما مختلفا، فعلى سبيل المثال؛ في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009، أثناء العملية العسكرية في قطاع غزة، التي أسمتها إسرائيل “الرصاص المصبوب”، رُصدت ميدانيا العديد من الإصابات غير المعتادة، مثل الجثث المتفحمة حرقا على نحو يشير إلى إصابتها بأسلحة غير تقليدية، وأطراف مقطوعة تاركة جروحا تشبه الحروق، يَعرف الأطباء والمتخصصون أنها ليست ناتجة عن إصابات عادية. على إثر ذلك، اتهمت مؤسسات دولية جيش الاحتلال الإسرائيلي باستخدام أسلحة محرمة دولياً ضد المدنيين في القطاع.
وبشكل خاص، عادة ما يتم التركيز على القنابل الفسفورية كأداة تستخدمها القوات الإسرائيلية بكثافة في معاركها الأخيرة، وهي أسلحة حارقة تحتوي على الفسفور الأبيض كحمولة أساسية، جرى تصميمها لتوليد حرارة شديدة تبلغ قرابة 1000 درجة مئوية، إلى جانب قوتها التدميرية.
بيد أن هذا ليس السلاح “المحرم” الوحيد الذي تستخدمه إسرائيل، فثمة طبقات لا تنتهي يجري اكتشافها تباعا من توحش دولة الاحتلال في استخدام هذه الأنواع من الأسلحة، مما يستدعي التساؤل حول أنواع الأسلحة المحرمة دوليا التي استخدمتها إسرائيل بالفعل، بما فيها الفسفور الأبيض، ومتى ظهرت مؤشرات استخدامها؟
الفسفور الأبيض.. دمار فوق التخيل
يسبب الفسفور الأبيض حروقاً مؤلمة جداً قد تكون من الدرجة الثانية إلى الدرجة الثالثة، خاصة أنه يذوب بسهولة في الدهون السطحية، وقد يُمتص مباشرة عبر الجلد، ومن ثم ينتشر في باقي الجسد، حيث يُلحق أضرارا خطيرة بالكلى والكبد والقلب، يمكن أن تؤدي إلى الوفاة.
تخيّل معنا المشهد التالي؛ عندما تنفجر القنبلة في الجو، يُطلِق نظام الإشعال حمولة الفسفور الأبيض إلى خارجها، فتنتشر الحمولة ويتفاعل الفسفور بسرعة مع الأكسجين الموجود في الهواء ويبدأ في الاحتراق بشدة.
ينتج عن ذلك سحابة كثيفة من الدخان والجزيئات المشتعلة تُمطر على مساحة من الأرض تبلغ عدة مئات من الأمتار المربعة، وتحدث دمارا هائلا عند ملامستها أي مواد قابلة للاحتراق، ومنها أجساد البشر والمركبات والنباتات والحيوانات. وبالإضافة إلى خصائصه الحارقة، ينتج الفسفور الأبيض دخانًا كثيفًا، عادة ما يُستخدم لأغراض تكتيكية، مثل حجب الرؤية.
مما سبق، يمكنك أن تفهم لماذا هو محرم دوليًا، فهو أداة عمياء، والآثار الناتجة عن هذه القنابل لن تفرق بين عسكريين ومدنيين، ولا نساء أو أطفال أو رجال، وهذا بالفعل ما يحصل في حالة غزة.
في يونيو/حزيران الماضي، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن القوات الإسرائيلية استخدمت ذخائر الفسفور الأبيض في 17 بلدة على الأقل في جنوب لبنان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما فيها 5 بلدات استخدمت فيها ذخائر تنفجر في الهواء بشكل غير قانوني فوق مناطق سكنية مأهولة.
كان هذا بعدما استخدم الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض ضد الفلسطينيين في غزة أيضا، فبحسب منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أكد مختبر الأدلة أن الوحدات العسكرية الإسرائيلية المشاركة في الحرب على القطاع كانت مجهزة بقذائف مدفعية تحتوي على الفسفور الأبيض.
وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2023، رصد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن جيش الاحتلال شنّ أكثر من 1000 قصف مدفعي على مناطق مكتظة بالسكان، وبشكل عشوائي. كما كشفت الشهادات التي تلقاها فريق المرصد، أنه في غضون 40 دقيقة فقط، تلقت ساحة سكنية مكتظة في بلدة بيت لاهيا شمالي غزة؛ أكثر من 300 قصف بالفسفور الأبيض في 15 نوفمبر/تشرين الثاني.
قنابل فراغية أيضا
ليس الفسفور الأبيض فقط.. إليك واحدة أخرى من صور التوحش الإسرائيلي.. المرصد السابق نفسه وثق في أبريل/نيسان 2024 مستوى جديدا مروعا من القتل في قطاع غزة.. ضحايا يبدو أن أجسادهم تبخرت أو ذابت نتيجة قصف إسرائيلي للمنازل السكنية. هذه الملاحظات دفعت المرصد للقول بأنه “يجب إطلاق تحقيق دولي في استخدام إسرائيل المحتمل للأسلحة المحظورة دوليًا، بما فيها القنابل الفراغية”. فما هي القنبلة الفراغية؟
هي نوع من المتفجرات يُحدث انفجارًا عالي الحرارة والضغط، ويولد قوة اندفاعية عالية تصل إلى مساحة كبيرة. وعلى عكس المتفجرات التقليدية التي تعتمد على تفاعل كيميائي لإحداث الانفجار، تعمل الأسلحة الحرارية عبر إطلاق سحابة من جزيئات الوقود ثم إشعالها. وينتج عن هذا موجةُ انفجار شديدة وكمية كبيرة من الحرارة، يمكن أن يكون لها آثار مدمرة في الأماكن الضيقة.
تبدأ هذه القنابل بتفجير أولي يوزع سحابة من الوقود (عادةً في صورة قطرات سائلة أو مسحوق ناعم) على مساحة كبيرة، وتختلط بالأكسجين في الهواء قبل التفجير، ثم تحترق هذه السحابة بسرعة، مما يخلق ضغطًا هائلاً وحرارة بالغة الشدة يمكن أن تصل إلى 3000 درجة مئوية.
وفقًا للكاتب في “ذا وار زون”، توماس نيوديك، فإن صورة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي للقوات الجوية الإسرائيلية تُبيّن ذخيرة محمولة على إحدى طائرات الأباتشي تحتوي على شرائط حمراء، بما يشير -بحسب شفرة الذخائر الأميركية- أنها كانت نسخة فراغية من صواريخ “هيلفاير”، ولاحقا أزال جيش الاحتلال الصورة بعد تصاعد الجدل حول احتمالية استخدام تلك القنابل في غزة.
يحتوي صاروخ هيلفاير من نوع “أي.جي.أم-114 أن” على رأس حربي حراري، مصمم خصيصًا لزيادة القوة القاتلة في الأماكن الضيقة، مثل المخابئ والكهوف والبيئات الحضرية. وعلى عكس الرؤوس الحربية التقليدية التي تعتمد فقط على الانفجار والتفتت، فإن صاروخ هيلفاير الحراري يخلق موجة ضغط شديدة ودرجات حرارة عالية لزيادة الضرر إلى أقصى حد داخل منطقة مغلقة.
ويَستخدم هذا الصاروخ شحنة معدنية متفجرة معززة، تشتت مزيج الوقود والهواء ثم تشعله. وينتج عن هذا انفجار ثانوي أكبر يعزز بشكل كبير من الضغط والتأثيرات الحرارية.
في النهاية، لم تكن تلك هي المرة الأولى ولا الأخيرة التي يُشتبه فيها في استخدام إسرائيل أسلحة من هذا النوع، ففي حملتها ضد حزب الله عام 2006، ورد أن إسرائيل استخدمت قنابل فراغية في لبنان، وانتقدت منظمة العفو الدولية استخدام القنابل الحرارية، مشيرة إلى أن “القدرات التدميرية الكبيرة لهذه الأسلحة تثير مخاوف من أنها تؤدي غالبا إلى القتل العشوائي”.
ومن الأمثلة المروعة على الخسائر التي لحقت بالمدنيين بسبب هذه الأسلحة، هو ما حصل في عام 1982، بحسب المنظمة، أثناء حصار الجيش الإسرائيلي لبيروت. فقد أسقطت القوات الجوية الإسرائيلية قنبلة فراغية على مبنى سكني اعتقدوا أنه كان يختبئ فيه ياسر عرفات. وقيل إن نحو 200 شخص لقوا حتفهم في ذلك الهجوم.
إلى جانب ذلك، وجدت عدة تقارير أن إسرائيل استخدمت أيضا ما يسمى “المتفجرات المعدنية الخاملة الكثيفة” في غزة، سواء بإسقاطها جوا عبر الطائرات المسيرة أو تركيبها كرأس حربي للصواريخ. والمتفجرات المعدنية الخاملة الكثيفة تُحدث انفجارا نصفُ قطره محدود نسبيًا، لكنه فعال وقاتل للغاية.
وتُصنع تلك المتفجرات عن طريق ضبط خليط متجانس من مادة متفجرة مع جزيئات صغيرة من مادة خاملة كيميائيا مثل “تنغستن” (Tungsten)، الذي يضاف إلى المواد المتفجرة لتصنع شظايا دقيقة لا يمكن أن تنتشر إلا لبضعة أمتار، لذلك أُطلق على بعض أنواع هذه القنابل اسم “الذخيرة المميتة المركزة” (FLM).
تتسبب هذه النوعية من القنابل في تمزيق الأنسجة البشرية بشكل مختلف تمامًا عن الشظايا المعروفة بشكل عادة ما يؤدي إلى بتر الأطراف السفلية، وكان عدد من العلماء الإيطاليين المنتسبين إلى لجنة مراقبة أبحاث الأسلحة الجديدة قد أعلنوا أن جروح هذه النوعية من القنابل غير قابلة للعلاج، لأن مسحوق “تنغستن” لا يمكن إزالته جراحيًا.
كل هذا ولم نتحدث عن التأثيرات المسببة للسرطان لسبائك “تنغستن” المعدنية الثقيلة، حيث وجدت دراسة أجرتها وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية عام 2005، أن هذه الشظايا تُحفز بسرعة “الساركوما العضلية المخططة” في فئران المختبر، وهي نوع نادر من أنواع السرطانات. ويكفيك أن تعرف أن أكبر استخدامين معروفين عالميًا لهذه القنابل كانا في غزة خلال حرب عام 2006، وحرب 2008-2009.
القنابل الغبية.. إمعان في القتل
ولا تقف المسألة عند كون السلاح محرما بسبب طبيعته، بل يمكن أن يُستخدم سلاح قانوني في الحرب لكن بشكل لا يُميّز، مما يزيد قدرته على الفتك والتدمير.
فمثلا ووفقًا لتقييم استخباراتي أميركي صدر في ديسمبر/كانون الأول 2023، فإن قرابة نصف الذخائر الجوية التي استخدمتها إسرائيل في قطاع غزة، والتي بلغ عددها نحو 29 ألف قطعة، كانت من نوعية القنابل الغبية، تلك التي تفتقر إلى الدقة لأنها لا تمتلك أجهزة توجيه، مثل الذخائر الذكية التي توجّه عبر قطع تقنية دقيقة كالاعتماد على الليزر أو نظام التوجيه العالمي “جي.بي.إس”.
تعتمد تلك القنابل فقط على الجاذبية وتوجيه الطائرة، وبالتالي فهي في الأساس قنابل “سقوط حر” تتبع مسارا قوسيا بعد إطلاقها، وأقل دقة من الذخائر الموجهة الحديثة، خاصة عند إسقاطها من ارتفاعات عالية.
ولمزيد من فهم الآثار التدميرية لهذا النمط من استخدام القنابل، دعنا نقارن بين احتمالات سقوط قنبلة غير موجهة على منطقة ما، وأخرى موجهة. في الحالة الأولى يمكن أن تدمر القنبلة أي مكان تقع عليه ضمن منطقة مساحتها تصل إلى 125 ألف متر مربع، بما يساوي مساحة حوالي 18 ملعب كرة قدم، بينما تنخفض تلك المساحة مع القنابل الذكية لتصل إلى 314 مترا مربعا.
إلى جانب ذلك، تمتلك تلك القنابل أوزانا متنوعة، فتبدأ من 250 كلغ وصولا إلى 1000 أو 2000 كلغ. ونظرا لافتقارها إلى تكنولوجيا التوجيه المتطورة فإن إنتاج القنابل الغبية أرخص من القنابل الموجهة، مما يغري بعض الدول باستخدامها بكثافة، وخاصة إذا كان استهداف المدنيين مقصودًا لذاته.
الجدير بالذكر هنا، أن الأمر لا يقف عند القنابل الغبية، فاستخدام القنابل الذكية أحيانا بصورة لا تتفق مع المعايير الأخلاقية للحروب الحديثة قد ينتج آثارا أشد توحشا وهمجية. فمثلا في يونيو/حزيران الماضي، نشر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقييماً عن 6 هجمات افتراضية من قبل الجيش الإسرائيلي على غزة باستخدام قنابل ثقيلة مثل “جي.بي.يو-31″ بوزن 1000 كلغ، و”جي.بي.يو-32” بوزن 500 كلغ، في محاكاة لأحداث حقيقية حصلت خلال الأشهر الأولى من قصف إسرائيل لقطاع غزة.
وخلص التقرير إلى أن هذه القنابل وإن كانت موجهة، فإن ثقلها الشديد مع استخدامها في مناطق مكدسة بالسكان، ينتهك -بحسب المنظمة- المبادئ الأساسية لقوانين الحرب. ففي إحدى الهجمات الإسرائيلية، بحسب التقرير، تسببت الضربات على حي الشجاعية في مدينة غزة يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 2023، في تدمير مساحة يبلغ قطرها نحو 130 مترًا، مما أدى إلى تدمير 15 مبنى وإلحاق أضرار بما لا يقل عن 14 مبنى آخر.
وأضاف أن مدى الضرر والحفر المرئية من خلال صور الأقمار الصناعية تشير إلى استخدام ما يقرب من 9 قنابل “جي.بي.يو-31″، وتلقى المكتب الأممي لحقوق الإنسان معلومات تفيد بمقتل ما لا يقل عن 60 شخصًا.
في الغالب، تُستخدم القنابل من هذا النوع لاختراق عدة طوابق من الخرسانة، ويمكنها تدمير الهياكل الشاهقة. وخلص التقرير إلى أنه نظرًا للكثافة السكانية في المناطق المستهدفة، فإن استخدام سلاح متفجر بمثل هذه التأثيرات الواسعة النطاق، سيرقى -على الأرجح- إلى مستوى الهجوم العشوائي المحظور.
ترسانة من السلاح الكيميائي
لم يتوقف سجل إسرائيل في انتهاكات قوانين الحرب عند كل ما سبق، بل ثمة صور أخرى من التوحش لا تقل قتامة وسوءا، فترسانة السلاح المحرم في إسرائيل تتوسع كما يبدو. يُذكر أنه في عام 1983 أشار تقرير صادر عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية إلى أن إسرائيل نفذت برنامجًا للحرب الكيميائية.
ويوضح التقرير أن أقمارا صناعية أميركية للتجسس رصدت منشأة محتملة لإنتاج غاز الأعصاب في منطقة التخزين الحساسة في ديمونة جنوبي فلسطين المحتلة، ويعتقد الخبراء في هذا المجال أن إسرائيل لم تتوقف عند استخدام غاز الأعصاب فقط، بل تعمل على استكمال ترسانتها النووية بأسلحة بيولوجية وكيميائية متطورة.
وفي عام 1998، ورغم زعم إسرائيل أن المواد الكيميائية التي كانت تحملها طائرة الشحن “العال” التي اصطدمت بمبنى سكني في العاصمة الهولندية أمستردام عام 1992؛ كانت “غير سامة”، فإنها قالت بعد ذلك إن الطائرة كانت تحمل 190 لترًا من ثنائي “ميثيل فوسفونيت”، بحسب إذاعة البي.بي.سي، وهي مادة كيميائية مدرجة في جدول اتفاقية الأسلحة الكيميائية تُستخدم في تصنيع غاز الأعصاب “سارين”.
وغازات الأعصاب مثل السارين وغيره، تكون في صورة سائل أو رذاذ أو بخار أو غبار، وتصيب بشكل مباشر الرئتين والجلد، وما إن يحدث ذلك حتى يصاب الشخص بتشنجات شديدة، مع فقدان السيطرة على الجسم وشلل جميع العضلات بما فيها عضلة القلب والحجاب الحاجز.
الآثار الضارة لكل هذه العوامل توصف بأنها غير محكومة، لأنها يمكن أن تتركز في مكان دون آخر (الأماكن المغلقة على سبيل المثال)، وهنا يمكن أن تؤدي جميعها إلى الوفاة المباشرة. أضف إلى ذلك أنها عشوائية، بمعنى أن الرصاص العادي غالبًا ما يستخدم ضد جنود محددين من أعداء يحاربونك (ونقول هنا “غالبًا” بنوع من التحفظ)، لكن السلاح الكيميائي بقدراته الغازية على الانتشار، عشوائي تمامًا، يمر بين جنبات البيوت والحواري الضيقة، فيقتل من يقابل بلا تمييز.
ماذا عن السلاح البيولوجي؟
لم ننته بعد، فإليك طبقة جديدة من طبقات التوحش الإسرائيلي، في عام 2008 أفادت خدمة أبحاث الكونغرس الأميركي أن إسرائيل تمتلك بعض القدرات في مجال الأسلحة البيولوجية، واستشهدت صحيفة “صنداي تايمز” في عام 1998 بمصدر عسكري إسرائيلي أفاد بأن أطقم طائرات إف-16 الإسرائيلية تلقت تدريبًا على تحميل رؤوس حربية كيميائية وبيولوجية نشطة على طائراتهم.
والأسلحة البيولوجية إما كائنات حية مثل الفيروسات أو البكتيريا أو الفطريات، أو مواد سامة تنتجها كائنات حية، يجري إنتاجها وإطلاقها عمدا لتسبب المرض والموت للإنسان أو الحيوان أو النبات. ويمكن للعوامل البيولوجية أن تشكل تحديًا صعبًا على الصحة العامة بحسب منظمة الصحة العالمية، حيث تتسبب في أعداد كبيرة من الوفيات في فترة زمنية قصيرة، ودون تمييز.
ورغم التكتم الشديد من ناحية دولة الاحتلال الإسرائيلي حول مشروعاتها للأسلحة البيولوجية، فإن علماءها ينشرون أبحاثا علمية تكشف أنهم يجرون تجارب في نطاق “أبحاث الاستخدام المزدوج المثيرة للقلق”.
وركزت منشورات مركز أبحاث دفاعي سري للغاية يديره ويموله قسم الأبحاث بوزارة الدفاع الإسرائيلية؛ على بكتيريا الجمرة الخبيثة وبكتيريا الطاعون، وكلاهما سلاح بيولوجي معروف جرى استخدامه من قبل، على سبيل المثال في هجمات الجمرة الخبيثة عام 2001 بالولايات المتحدة.
تنتقل “الجمرة الخبيثة” في الهواء ولا يمكن اكتشافها بسهولة، حيث يبلغ قطرها فقط عدة ميكرونات (الميكرون أو الميكرومتر يساوي جزءا من مليون جزء من المتر)، وهي قادرة على الوصول إلى عمق الرئتين عند استنشاقها، وبمجرد وصولها إلى الدم تصبح قادرة على التكاثر والسفر إلى العقد الليمفاوية، وإنتاج السموم التي تؤدي إلى الوفاة.
في أحد النماذج الرياضية، ظهر أن إلقاء قنبلة تحوي كيلوغرامًا واحدًا من هذه المادة على مدينة بها 10 ملايين نسمة، سيقتل في وقت قصير حوالي 100 ألف شخص.
كما رأيت، فإن كل ما سبق من مستويات توحش استثنائية وقدرات انتقامية، لا تفرق بين حجر أو بشر، فضلا عن مدني ومحارب، قد اكتشفت كلها بمحض الصدفة، أو عبر دراسات استقصائية لا تستطيع بطبيعة الحال اكتشاف كل جوانب الحقيقة. ويظل كل هذا القدر المكشوف، على ما فيه من نزعة إجرامية وسلوك مخالف لما استقر العمل به دوليا من قوانين الحرب الحديثة، بمثابة جبل ليس من الجليد، وإنما من نيران ملتهبة يزداد توحشها يوما بعد يوم.