تقدم بالمباحثات الأميركية الأوكرانية وأوروبا قلقة من مكافأة روسيا

شهدت الأزمة الأوكرانية تطورات متسارعة في الأيام الأخيرة، مع إعلان الرئيس فولوديمير زيلينسكي عن توصل بلاده إلى تفاهمات جديدة مع الولايات المتحدة بشأن إطار العمل للمفاوضات المستقبلية. يأتي ذلك بالتزامن مع تحركات دبلوماسية مكثفة في أوروبا وخارجها، بينما تتعرض أوكرانيا لقصف روسي متزايد الشدة. هذه التطورات تضع المفاوضات الأوكرانية الروسية في بؤرة الاهتمام، وتثير تساؤلات حول مسار الحل السياسي المحتمل.
أفاد زيلينسكي بأنه أجرى مكالمة مطولة مع المبعوثين الأمريكيين ستيفن ويتكوف وجاريد كوشنر، واصفًا المحادثات بأنها “جوهرية وبناءة”. وأضاف أن الطرفين اتفقا على الخطوات التالية لصياغة مباحثات مشتركة بين كييف وواشنطن، بهدف إيجاد حلول للأزمة. هذا التعاون الدبلوماسي يعكس أهمية الدور الأمريكي في الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة.
وأكد الرئيس الأوكراني، عبر منصة إكس (تويتر سابقًا)، أن بلاده “تؤكد عزمها مواصلة العمل بنية خالصة مع الجانب الأمريكي للتوصل إلى سلام حقيقي”. وأشار إلى أنه ينتظر تقريرًا مفصّلاً من كبير المفاوضين رستم أوميروف، بعد عودته من محادثات استمرت ثلاثة أيام في ميامي. ويرتقب أن يتضمن التقرير تفاصيل حول المقترحات المقدمة والردود المتوقعة.
وزارة الخارجية الأمريكية أكدت بدورها أن المناقشات مع الوفد الأوكراني كانت “بناءة”، وأنها تضمنت نتائج لقاء المسؤولين الأمريكيين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو. لكنها شددت على أن أي تقدم حقيقي نحو اتفاق سلام يعتمد بشكل كبير على التزام روسيا الجاد بخفض التصعيد ووقف الأعمال القتالية، وهو شرط أساسي لتحقيق الاستقرار.
في المقابل، صرح الكرملين بأنه ينتظر ردًا أمريكيًا على المباحثات التي جرت الأسبوع الماضي. وأقر بوجود “بعض التقدم”، لكنه أضاف أن “الكثير من العمل” لا يزال مطلوبًا للوصول إلى تسوية نهائية وشاملة. هذا التصريح يوحي بوجود هوة لا تزال تفصل بين وجهات النظر الروسية والأمريكية.
مخاوف وضغوط أوروبية حول المفاوضات الأوكرانية الروسية
بدت أوروبا أكثر حذرًا تجاه المسار الدبلوماسي الذي تقوده الولايات المتحدة، حيث أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن نيته التوجه إلى لندن للقاء زيلينسكي ورئيسي وزراء بريطانيا وألمانيا. يهدف هذا اللقاء إلى تقييم المفاوضات الجارية وتنسيق المواقف الأوروبية بشأن الأزمة.
وشدد ماكرون على أن روسيا تتبنى أسلوبًا تصعيديًا لا يتناسب مع الجهود المبذولة لتحقيق السلام. ودعا إلى توفير ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا، معربًا عن قلقه من الضربات الليلية التي تستهدف البنية التحتية للطاقة والسكك الحديدية. هذه التصريحات تعكس قلقًا أوروبيًا متزايدًا بشأن تداعيات الأزمة.
من جهتها، حذرت مفوضة السياسة الخارجية الأوروبية كايا كالاس من أن أي “قيود” أو ضغوط على كييف قد يُنظر إليه على أنه “مكافأة للعدوان”. وأكدت أن الاتحاد الأوروبي يبحث في إمكانية فرض عقوبات جديدة على روسيا، وربطها بمستقبل الأصول الروسية المجمدة في الخارج. تعتبر أوروبا العقوبات أداة مهمة للضغط على روسيا.
تزامن الحراك الدبلوماسي مع تصعيد عسكري روسي كبير، حيث أعلنت القوات الجوية الأوكرانية عن شن روسيا هجومًا واسع النطاق باستخدام 653 طائرة مسيرة و51 صاروخًا. وقالت إن الدفاعات الجوية الأوكرانية تمكنت من إسقاط معظم هذه الأهداف، بينما أُصيبت مواقع للطاقة في عدة مدن رئيسية. هذا الهجوم يمثل تحديًا جديدًا للجهود الدبلوماسية المبذولة.
وندد زيلينسكي بالهجمات، مشيرًا إلى أنها تستهدف بشكل مباشر منشآت الطاقة بهدف حرمان الملايين من الأوكرانيين من التدفئة والمياه خلال فصل الشتاء. وأكد أن بلاده ستواصل الدفاع عن أراضيها وشعبها.
بينما أعلنت روسيا إسقاط 116 مسيرة أوكرانية، وأكدت سلطات ريازان وقوع أضرار محدودة نتيجة سقوط حطام مسيرة بالقرب من مصفاة “ريازان” النفطية. وتعد هذه المصفاة منشأة إستراتيجية سبق أن استُهدفت بهجمات أوكرانية في الأشهر الماضية.
كما واجهت الخطة الأمريكية، التي تهدف إلى بلورة اتفاق سلام، انتقادات من الجانب الأوكراني وبعض العواصم الأوروبية، خاصةً فيما يتعلق بالتنازلات الإقليمية المقترحة لصالح روسيا. وقد خضعت الخطة لتعديلات متعددة في جنيف وميامي، قبل أن تعرض على الرئيس بوتين خلال زيارة المبعوثين الأمريكيين إلى موسكو. تعتبر هذه التعديلات ضرورية لزيادة فرص قبول الخطة.
حتى الآن، لا تزال تفاصيل الضمانات الأمنية التي قد تحصل عليها أوكرانيا غير واضحة، في ظل الخلافات القائمة بين واشنطن وبروكسل حول تحديد الخطوط الحمراء الممكن قبولها. يتطلب التوصل إلى اتفاق نهائي حل هذه الخلافات وتلبية مطالب جميع الأطراف.
تطورات الصراع وتأثيرها على المفاوضات
يستمر الصراع في أوكرانيا في التأثير على مسار المفاوضات، حيث تزيد الهجمات العسكرية الروسية من صعوبة التوصل إلى حلول وسط. ومع ذلك، تستمر الجهود الدبلوماسية للحد من التصعيد وإيجاد أرضية مشتركة للتفاوض.
من المتوقع أن تتواصل المشاورات الدبلوماسية في الأيام المقبلة، مع التركيز على تحديد الضمانات الأمنية اللازمة لأوكرانيا. يبقى من غير المؤكد ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق سلام شامل وقابل للتنفيذ في المستقبل القريب، لكن الحوار بين الأطراف المعنية يعتبر خطوة ضرورية نحو تحقيق الاستقرار في المنطقة. يجب مراقبة التطورات العسكرية والدبلوماسية عن كثب لتقييم فرص نجاح المفاوضات.




