تنسيق عسكري أردني مصري في مواجهة التهديدات الإسرائيلية

عمّان- بينما تتزايد حدة التصريحات الإسرائيلية عما تسمى “إسرائيل الكبرى” وتتصاعد المخاوف من تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجد الأردن ومصر نفسيهما أمام تحديات أمنية مشتركة تتطلب تعزيز التنسيق بأعلى مستوياته السياسية والعسكرية والأمنية.
وفي هذا السياق، حملت زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي إلى القاهرة -بحسب مراقبين- بعدا يتجاوز الطابع البروتوكولي، لتتحول إلى رسالة قوية تعكس إدراك البلدين لحساسية المرحلة وضرورة بناء جبهة ردع عربية في مواجهة المشاريع التوسعية.
ومع التأكيد على أن هذه الزيارة تعكس وعيا مشتركا بحجم التحديات التي تفرضها إسرائيل وأن القاهرة وعمّان تسعيان إلى تشكيل جبهة ردع عربية قادرة على مواجهة الضغوط والتصدي لمشاريع التهجير والتوسع.
وناقش الطرفان المصري والأردني سبل تعزيز التعاون العسكري والأمني المشترك، في إطار العلاقات الإستراتيجية الراسخة بين عمّان والقاهرة، مؤكدين أهمية توحيد الرؤى في ظل المتغيرات المتسارعة التي تعصف بالمنطقة.
وتناولت المباحثات ملفات تتعلق بالتدريبات المشتركة وتبادل الخبرات ورفع مستوى التنسيق العملياتي والاستخباري، مما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي.
استعدادات عسكرية
وبالتوازي مع هذه الزيارة كشف مصدر عسكري عن رفع الجيش المصري مستوى انتشاره في شمال سيناء إلى درجة غير مسبوقة منذ سنوات، في ظل المخاوف من تداعيات المخطط الإسرائيلي الرامي إلى دفع الفلسطينيين خارج قطاع غزة.
ووفقا للمصدر الذي تحدّث لموقع ميدل إيست آي البريطاني، فقد وصل عدد القوات المصرية المنتشرة في شمال سيناء إلى نحو 40 ألف جندي، أي ما يعادل ضعف العدد المسموح به بموجب اتفاقية كامب ديفيد للسلام الموقعة مع إسرائيل عام 1979.
وهذه التعبئة -بحسب المصدر- جاءت بأوامر مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة عقب اجتماعه بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الأمن القومي.
وأشار المصدر المصري إلى أن إسرائيل أُخطرت رسميا بهذه التحركات لكنها أبدت اعتراضا على حجم الانتشار، خصوصا في “المنطقة ج” المتاخمة لقطاع غزة، في حين أوضحت القاهرة رفضها القاطع لأي مسعى لتهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، معتبرة ذلك “خطا أحمر يمس الأمن القومي”.
— Egypt MFA Spokesperson (@MfaEgypt) February 6, 2025
تحديات مشتركة
ويرى خبراء أن هذه التطورات تأتي في سياق تصاعد التهديدات الإسرائيلية، خاصة في ظل العدوان المستمر على غزة والتلويح بفرض وقائع جديدة على الأرض.
وأكد الدكتور قاصد محمود النائب السابق لرئيس هيئة الأركان الأردنية أن العلاقات الأردنية المصرية تستند إلى تعاون إستراتيجي تاريخي ازداد متانة بفعل التحديات المشتركة، وعلى رأسها المشروع الإسرائيلي لتفكيك غزة واحتمالات تمدده إلى الضفة الغربية.
وأوضح محمود في حديثه للجزيرة نت أن الأردن ومصر -بحكم موقعهما الجغرافي وصلتهما المباشرة بغزة- يواجهان تحديا أمنيا وجوديا يتطلب أعلى مستويات التنسيق.
وأكد أن زيارة الحنيطي إلى القاهرة جاءت في توقيت حساس، إذ تملك الدولتان عناصر قوة رادعة، سواء من خلال المعاهدات أو من خلال ما تتمتعان به من مقومات عسكرية وجغرافية، مشددا على أن هذه الزيارة قد تشكل نقطة انطلاق لتوسيع التعاون العسكري ليشمل أطرافا عربية أخرى.
وفي سياق متصل، تطرق محمود إلى ملف إعادة تفعيل خدمة العلم في الأردن، معتبرا أنه يمثل ضرورة في ظل المرحلة الراهنة، إذ يعزز الجاهزية الوطنية ويكرس قيمة الانتماء، إلى جانب الحاجة لدمج الجيش والاحتياط والمتقاعدين في منظومة مواجهة التحديات المشتركة.
ولفت إلى أن هذه المبادرة لا تقتصر على البعد العسكري فحسب، بل تمثل جزءا من إستراتيجية أوسع لتعزيز الاستقرار الوطني وتأمين الحدود، بالتوازي مع جهود الأردن الدبلوماسية لتنسيق مواقفه الدفاعية مع الشركاء الإقليميين.
وأضاف محمود أن التوجه الرسمي الأردني يعكس الحرص على مواجهة المخاطر المتصاعدة بطريقة متكاملة تجمع بين الاستعداد العملياتي والقدرة على إدارة الأزمات الأمنية بكفاءة.

تحالف عربي
من جانبه، أكد الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية عما تسمى “إسرائيل الكبرى” ستدفع الأردن أكثر نحو تعميق تحالفاته العسكرية مع دول عربية رئيسية مثل مصر والسعودية.
ورأى الحوارات في حديثه للجزيرة نت أن عمّان لا تملك خيارا سوى المضي باتجاه بناء قوة ردع إقليمية، مشيرا إلى أن تشكيل تحالف دفاعي عربي سيكون إنجازا إستراتيجيا يضع إسرائيل أمام معادلة جديدة.
وأضاف أن خطاب نتنياهو يستند إلى عقيدة توسعية قديمة تتجاوز حدود الضفة الغربية لتشمل شرق الأردن أيضا، لكن موقع المملكة الجيوسياسي يشكل عائقا أمام تحقيق هذه الطموحات بالقوة المباشرة، واستدرك بأن إسرائيل قد تحاول لاحقا استغلال أزمات الأردن الداخلية، مثل المديونية وأزمة الطاقة، للضغط عليه وإضعافه.
وفيما يتعلق بالموقف المصري على الحدود مع غزة، فقد شدد المحلل السياسي على أن القاهرة تنظر إلى دخول القوات الإسرائيلية إلى محور فيلادلفيا باعتباره خرقا واضحا لاتفاقية السلام، الأمر الذي يبرر اتخاذ القاهرة خطوات عسكرية دفاعية لحماية أمنها القومي.
وأوضح أن الجيش المصري يتحرك انطلاقا من قناعة راسخة بأن أي محاولة للمساس بسيادة مصر تستوجب ردا مباشرا.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال في وقت سابق إنه يتعين على الأردن ومصر استقبال المزيد من الفلسطينيين من غزة بعد أن تسببت حرب إسرائيل في وضع إنساني صعب، وعندما سُئل عما إذا كان هذا اقتراحا مؤقتا أو طويل الأجل قال ترامب “يمكن أن يكون هذا أو ذاك”.