Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياسة

ثلاث نساء في قبر واحد.. يوم تصدت سيدات المرقب لشبيحة الأسد

|

لم يكن قد مرّ على بداية الثورة السورية إلا بضعة أسابيع شدّت أنظار العالم إلى الحواضر المنتفضة على نظام الأسد، غير أن قرية صغيرة عند أسوار قلعة عظيمة قد ضربت جذورها في نحو ألف سنة من التاريخ، وبسطت أسوارها على رأس جبل المرقب، كانت تقضّ مضجع الأسد الابن وتقلقل كرسيه.

كانت قرية المرقب بؤرة انتفاض لا تهدأ، فساحاتها تشهد مظاهرات يومية تندد بفساد النظام وتدعو لإسقاطه وتساند المدن الثائرة عليه، غير عابئة بغياب عدسة الإعلام عنها أو ابتعادها عن مراكز التأثير أو خلوّها من المشاهير، إلا ما يتسرب من مقاطع مصورة بهواتف بسيطة، تنقل إلى فضاء الإنترنت سقف المطالب الرفيع الذي كانت تصدح به حناجر المتظاهرين في ساحات القرية.

قلعة المرقب في ريف مدينة بانياس (الجزيرة)

هذه القرية الصغيرة التي لا تبعد أكثر من 5 كيلومترات عن البحر، كانت مثل أختها الكبيرة مدينة بانياس الساحلية، رمحا في خاصرة نظام بشار الأسد، لا ينفك يخزه، وهو يحاول يائسا التخلص منه، لذلك أرسل قوة كبيرة من الجيش، مدعومة بأعداد غفيرة من “شبيحة” القرى المؤيدة له في ريف بانياس، قدّر بعض السكان أن مجموعهم يصل إلى 25 ألفا، اقتحموا القرية واعتقلوا جميع رجالها، إلا من استطاع أن يهرب إلى أحراج الجبل قبل أن يتمكنوا منه.

خلت القرية من الرجال، إلا أنّ أخوات الرجال كنّ فيها. تجمّعت حوالي 150 سيدة يوم السبت السابع من مايو/أيار 2011، في مظاهرة نسوية تنادي بالإفراج عن أبنائهن وإخوانهن الذين اعتقلهم شبيحة الأسد. لكن قوات الجيش لم تمهلهنّ طويلا، بل فرّقت المظاهرة بالرصاص الحي، واستهدفت جمع النسوة برصاص قناصة الثكنة العسكرية الرابضة على رأس الجبل.

نقل مقطع الفيديو اليتيم الذي تسرّب عن الواقعة صورة سيدة مضرجة بالدماء تحاول أخرى من دون جدوى أن تسعفها، وفي الجانب الآخر من الطريق سيدتان ملقيتان عليه، تركض نحوهما أخريات أملا في نجدتهما، وفي الخلفية صوت نساء تولول أو تهلل، وجلبة واضطراب، ونداء يائس على المصابات الثلاث: أحلام حويسكية، وليلى طه، وأمينة صهيوني، لكن من دون مجيب.

درع من القنص

أحلام، طالبة الدراسات العليا في تخصص الفلسفة التي تعرفها القرية بثقافتها الواسعة وهمتها العالية ونشاطها في تعليم أبناء القرية وتثقيفهم. وليلى، الشابة الحانية على من حولها، الصابرة على أمراض ابتليت بها، المعروفة بدعاء الله أن يرزقها الشهادة. وأمينة، السيدة الستينية والأمّ لبنتين و4 شباب قد اختطف النظام اثنين منهم في سجونه، وهرب الثالث خشية الاعتقال؛ هؤلاء السيدات الثلاث، يسجل أهالي بانياس أنهن كن أول من استشهد من النساء في الثورة السورية.

تداعى من استطاع من أهالي القرية إلى الفقيدات الثلاث، فحملوهنّ إلى أحد البيوت وودعوهن بالدعاء والرحمات، قبل أن تلوح لهم مشكلة جديدة: أين يدفنونهن والمقبرة القريبة جدا مكشوفة تماما لقناصي الثكنة العسكرية الذين كانوا يستهدفون كل ما يتحرك في القرية؟، فالوصول إلى المقبرة الواقعة على الرصيف المقابل من الشارع، لم يكن إلا نوعا من المخاطرة بالحياة.

يقول الشيخ خالد نفّوس، إمام وخطيب جامع المرقب الأثري الذي يعد من أقدم مساجد الساحل السوري، إن المقبرة مجاورة للمسجد، لكنهم مع ذلك لم يستطيعوا الوصول إليها لوجود القناصة، لذلك اضطروا إلى دفن الشهيدات الثلاث في قبر واحد في حديقة المسجد، التي يسترها بناء من طابقين حجب أعمال حفر القبر والدفن عن أعين القناصة.

بعد أن حمد الله على النصر والخلاص مما وصفه بالنظام الفاسد، لم يستطع محمد، أخو ليلى صهيوني، أن يخفي دموعه وهو يذكر عطف أخته وحنوّها على البيت، لكنّ دموع الحزن هذه ما لبثت أن انقلبت إلى نبرة حسرة وغضب، وهو يتمنى أن يعرف المسؤول عن مقتل أخته، أو يمكنه الله به، ويقول: “يا ليت بس أعرفه، ولو يكون في الصين”.

أما فنان القرية بلال بدوي، فيؤكد أنهم مهما تكلموا فلن يقدروا على وصف الاختناق والحرمان الذي عانوا منه في عهد الأسدين، ثم يشير إلى جدارية رسمها، تصوّر يدا نازفة تداري برعم الثورة السورية حتى ينمو بأمان، قائلا إن هذه اليد الدامية تجسد الشهداء الذين ضحّوا بأنفسهم فداء للحق والعدالة وغيرهما من قيم الثورة.

دُفنت أمينة وليلى وأحلام في قبر واحد عليه 3 شواهد، لم يشهدنَ انتصار الثورة السورية، ولم يعشن فرحته، لكن ذكراهنّ كانت حاضرة في جميع احتفالات قرية المرقب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى