“جيش بلا ضباط؟” تقرير يكشف المستور داخل مؤسسة إسرائيل العسكرية

تواجه إسرائيل ما يوصف بأنه “أزمة قوى بشرية” حادة في جيشها، تهدد بشكل مباشر بالمساس بقدراته العملياتية و”الأمن القومي”. وتأتي هذه الأزمة بالتزامن مع نقاشات حول مشروع قانون مثير للجدل لإعفاء اليهود المتشددين (الحريديم) من الخدمة العسكرية الإلزامية، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي.
كشف تقرير رسمي حديث قدمه الجيش الإسرائيلي لرئيس الأركان إيال زامير والقيادة السياسية عن نقص ملحوظ في عدد الضباط والجنود، بالإضافة إلى تراجع حاد في استعداد الأفراد للاستمرار في الخدمة. وتثير هذه التطورات تساؤلات حول مستقبل جيش الاحتلال وقدرته على مواجهة التحديات المتزايدة في المنطقة.
نقص حاد في الضباط وتراجع الاستعداد للخدمة العسكرية
أظهر التقرير وجود عجز يقدر بنحو 1300 ضابط في مختلف الوحدات القتالية، بدءًا من رتبة ملازم وصولًا إلى رائد. بالإضافة إلى ذلك، يتوقع الجيش أن يغادر حوالي 30% من كبار القادة صفوفه بحلول العام المقبل، مما يُنذر بموجة خروج واسعة النطاق للخبرات والكفاءات القيادية. ويُعد هذا النزيف في الكفاءات تهديدًا مباشرًا لعمليات التدريب والتأهيل.
وتعمق الأزمة بانتشار حالة من عدم الرضا وتراجع كبير في الاستعداد لمواصلة الخدمة بين الضباط وضباط الصف. فوفقًا للتقرير، أبدى 37% فقط من الضباط استعدادهم للاستمرار في الخدمة هذا العام، وهي نسبة أقل بكثير من 58% في عام 2018. أما بالنسبة لضباط الصف، فقد انخفضت نسبة المستعدين للبقاء إلى 63%، مقارنة بـ 83% قبل سبعة أعوام. ويعكس هذا التراجع أزمة ثقة متزايدة داخل المؤسسة العسكرية.
تأثير الأزمة على قوات الاحتياط
لا يقتصر تأثير الأزمة على القوات النظامية، بل يمتد أيضًا إلى قوات الاحتياط التي تعتبر ركيزة أساسية في أي مواجهة عسكرية محتملة. تشير تقديرات الجيش إلى أن حوالي 30% من جنود الاحتياط والخدمة الدائمة قد لا يعودون إلى وحداتهم في العام المقبل، مما يُضعف قدرة إسرائيل على الاستجابة للأزمام. وهذا يشمل أيضاً التأثير على نظام الدفاع الإسرائيلي بشكل عام.
علاوة على ذلك، يسلط التقرير الضوء على الأعباء الاجتماعية التي تتحملها عائلات جنود الاحتياط، حيث أفاد 70% منها بمعاناتهم من “أزمة حقيقية” نتيجة طول مدة الخدمة والضغوط المتراكمة. هذا الوضع يؤثر سلبًا على الجبهة الداخلية ويعمق الشعور بالإحباط وعدم الاستقرار.
تعديلات تشريعية وإعفاء الحريديم
في محاولة لمواجهة تراجع أعداد المجندين، يستعد جيش الاحتلال لتمديد فترة الخدمة العسكرية الإلزامية للذكور إلى ثلاث سنوات، بعد أن كانت 32 شهرًا منذ عام 2015. هذا التعديل التشريعي يأتي في وقت حرج، بالتزامن مع الجدل المتصاعد حول قانون إعفاء اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية.
لقد أثار قرار المحكمة العليا في 25 يونيو/حزيران 2024 بإلزام الحريديم بالتجنيد ومنع تقديم المساعدات المالية للمؤسسات الدينية التي يرفض طلابها الالتحاق بالجيش، احتجاجات واسعة النطاق من قبل هذه الفئة. وبرر الحريديم رفضهم للخدمة العسكرية بأنه يهدف إلى الحفاظ على وقتهم للدراسة الدينية، ويخشون أن يؤدي الاندماج في المجتمع العلماني إلى تهديد هويتهم الدينية واستمرارية مجتمعاتهم.
يمثل الحريديم حوالي 13% من سكان إسرائيل البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، مما يجعل مسألة إعفائهم من الخدمة العسكرية قضية حساسة ذات تداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة. يرى البعض أن إعفاءهم يشكل عبئًا غير عادل على الفئات الأخرى من المجتمع، بينما يرى آخرون أنه يحترم حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية. هذا القانون المقترح يمثل تحديًا لـالسياسة الأمنية الإسرائيلية.
في الختام، من المتوقع أن تشهد الأزمة مزيدًا من التصعيد في الفترة القادمة، مع استمرار النقاشات حول قانون إعفاء الحريديم ومحاولات الجيش الإسرائيلي للتكيف مع النقص المتزايد في القوى البشرية. ستكون تطورات هذا الملف محل مراقبة دقيقة من قبل المحللين السياسيين والعسكريين، نظرًا لتأثيراتها المحتملة على استقرار إسرائيل وأمن المنطقة. يجب متابعة القرارات البرلمانية والمستجدات التنفيذية في الجيش الإسرائيلي لتقييم حجم التحديات والمخاطر المحتملة.





