“جيل الثورة” بسوريا.. ذاكرة مثقلة بالمآسي وآمال في التغيير

دمشق – يواجه جيل الشباب السوري، المولود بين عامي 1998 و 2005، تحديات وجودية وتغييرات جذرية في أعقاب سنوات الحرب والاضطرابات. هذا الجيل، الذي نشأ في ظل صراعات مستمرة، يعيد الآن تعريف هويته وانتمائه، ويتطلع إلى مستقبل مجهول في دولة تتشكل من جديد. تساؤلات حول الهوية والمستقبل تشغل بال هؤلاء الشباب، خاصةً مع محاولات إعادة بناء سوريا بعد سنوات من الصراع، وهو ما يجعل جيل الشباب السوري محوراً أساسياً لأي عملية تغيير مستقبلية.
لقد شهدت سوريا تحولات عميقة خلال السنوات الماضية، أثرت بشكل مباشر على حياة هذا الجيل. فبعد سنوات من المظاهرات والعنف، والنزوح القسري، يجد الشباب السوري نفسه أمام واقع جديد يتطلب منه التكيف والمساهمة في بناء مستقبل البلاد. ويعكس هذا الواقع تشتتاً في الرؤى والأهداف، إلى جانب قلق متزايد بشأن التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
جيل الشباب السوري: بين الذكريات والتطلعات
يصف خزيمة العيدو، طالب العلوم السياسية في إدلب، طفولته بأنها “عاشتها كلها داخل الثورة”، متذكراً المظاهرات الأولى، وصدى القصف، ومجزرة الأقلام في المدرسة. تلك المشاهد لا تزال محفورة في ذاكرته، لكنه يشعر اليوم بتغيير ملموس بعد مرور عام على تحولات سياسية واجتماعية كبيرة في البلاد. يعيش شعوراً بـ “فرح شديد ممزوج بحزن على الشهداء والمعتقلين”.
أصبح لدى خزيمة الآن حلم بأن يصبح سياسياً أو دبلوماسياً، ويمثل بلده في المحافل الدولية، وهو حلم كان يبدو مستحيلاً في السابق. بينما يشعر البعض بالتفاؤل، يعيش آخرون حالة من الضبابية والتشاؤم بشأن المستقبل.
أحمد علي، طالب هندسة معلوماتية من حلب، لم يعش بداية الثورة بنفس الطريقة التي عاشها خزيمة. ذاكرته عن الطفولة مشوشة، كأن شريطاً قد مسح من حياته. يتذكر أحمد رائحة القرية واجتماع العائلة قبل أن تبتلع الثورة تفاصيل حياتهم. ويشير إلى أنه لم ير أخاه منذ 14 عاما.
بالنسبة لأحمد، كانت سوريا القديمة مرتبطة بالرشوة، والذل، وطوابير تأجيل الخدمة الإلزامية، والقلق على الحواجز. كان الخوف جزءاً من الحياة اليومية، وهو ما يختلف عن الواقع الحالي الذي يصفه بـ “انفتاح الطرقات، ولكني لا أرى استقراراً.”
التحديات الاقتصادية والاجتماعية
يواجه الشباب السوري تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة تعيق تطلعاتهم. يوضح أحمد أن وضعه المعيشي أصبح أصعب من ذي قبل، وأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وضعف الرواتب جعلا الحياة اليومية سباقاً من أجل البقاء. يشير إلى أن تدفق البضائع الأجنبية أدى إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطنين.
بالرغم من دراسته في هندسة المعلوماتية، لا يرى أحمد مستقبلاً لمجاله في حلب. يقول إن طموحاته تواجه بسخرية من المحيط، وحتى عندما حاول تطوير تطبيقات إلكترونية للأطباء، لم تلقَ هذه التطبيقات الاهتمام الكافي. “لا مستقبل هنا، ومن يريد العيش يبحث عن عمل بالخارج” يؤكد أحمد.
بين الأمل واليأس
يعبر محمد بلال، الطالب في كلية الحقوق من درعا، عن ذكرياته الأولى مع الثورة، والهتافات في المظاهرات، والتغيرات التي طرأت على حياته. لم يشعر محمد بالتحسن الملموس بعد التغيرات السياسية، ولكنه يلاحظ أن الأجواء أكثر هدوءاً، والناس يتحدثون بشكل أكبر عن العمل والدراسة والمستقبل.
ومع ذلك، يظل الخوف من المستقبل قائماً. يشير محمد إلى أن الأجيال التي نشأت في بيئات ما بعد النزاعات تعاني من عدم اليقين وتنشد تغيير جذري. كما يشير إلى أن الشباب يشعرون بأن المؤسسات الرسمية لم تلبي احتياجاتهم، وأن الانتقال السياسي لم يترجم إلى تحسن في حياتهم اليومية.
تؤكد الدراسات أن الشباب الذين نشأوا خلال الاضطرابات غالباً ما يعانون من مستويات أعلى من القلق بشأن المستقبل، خاصة في ظل اقتصاد هش وفرص غير مستقرة. ويرى هؤلاء الشباب أن الهجرة هي الخيار الوحيد المتاح لتحقيق طموحاتهم.
مستقبل الشباب السوري: نظرة إلى الأمام
مستقبل سوريا مرتبط بشكل وثيق بمستقبل هذا الجيل. يتطلب بناء سوريا الجديدة استثماراً في التعليم، والتدريب، وخلق فرص عمل مناسبة للشباب. كما يتطلب تمكينهم من المشاركة الفعالة في العملية السياسية واتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم.
تُشير التقديرات إلى أن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى جهود إعادة الإعمار، ستستغرق وقتاً طويلاً. وتعتمد سرعة التقدم على العديد من العوامل، بما في ذلك الاستقرار السياسي، وتوفر الموارد المالية، والتعاون الدولي. يبقى الوضع في سوريا معقداً وغير مؤكد، ويتطلب مراقبة دقيقة لتطورات الأحداث المستقبلية.





