Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الكويت

حديث لا ينتهي… بقلم: د. يعقوب يوسف الغنيم

  • الآية 7 من سورة الإسراء تدل على آخرة بني إسرائيل بعد أن استبد بهم الكفر وارتكاب المعاصي أما الوعد المتمسكون به فقد كان مشروطاً لم يفِ به آباؤهم فسقط دون شك
  • بعض الكتب الموجودة عندنا ألّفها أصحابها لمساندة إسرائيل في مواقفها ضد العرب والمسلمين خصوصاً في فترة اشتعلت الدعوة اليهودية إلى احتلال فلسطين وقيام دولتهم
  • إسماعيل الكيلاني فنّد وأبطــل مزاعــم «إســرائيل ولفنسون» وكشف عن جهود اليهود في تخريب حياتنا الثقافية والتشكيك في تراثنا كله بما فيه من شعر ونثر
  • الكيلاني أثبت أن يهود اليوم كالناس جميعاً نتاج اختلاط وامتزاج شعوب متعددة ولا يمكنهم أبداً المطالبة بإرث أسلاف وهميين واستبعاد سكان فلسطين من مسلمين ومسيحيين

بالتأكيد!! إن الحديث الذي سيتناوله هذا المقال حديث لا ينتهي. وهذا لأن الأحداث تأتي مترادفة يوما بعد يوم، ولكل يوم حديث جديد. إن حديث الساعة في أيامنا هذه هو الذي استمر شاغلا للأذهان منذ أوائل القرن الماضي، ولا تزيده الأيام إلا استمرارا يعقب مرارة ستبقى في حلوقنا إلى أن يكشف الله البلاء بإذنه، عز وجل. وأي بلاء أشد من هذا الذي تعانيه أمتنا من إسرائيل وممن يقف وراءهم منذ بدأت حرب فلسطين الأولى. وكانت حربا مدعومة من الغرب ماديا ومعنويا بصورة لا تقبل الشك. ومع ذلك، فإنه مما ينبغي أن يذكر هنا هو أنه على الرغم من هذا الظلام الدامس المخيم علينا جراء العدوان، والغبار الذي تثيره هذه الحرب الغاشمة نتيجة للهجوم الإسرائيلي على أهلنا في فلسطين، وقد اتسعت آثاره حتى شملت سورية ولبنان، فإن لنا وعدا هو أصدق من الوعد المزعوم الذي يتمسك به المعتدي، فقد أخبرنا الله عز وجل في سورة الإسراء حين ذكر بني إسرائيل في عدة آيات أولها قوله سبحانه وتعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا (4) فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا (5) ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا (6) إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) (7). فنرى الآية الكريمة رقم (7) التي تدل على آخرتهم بعد أن استبد بهم الكفر وارتكاب المعاصي. أما الوعد الذي يتمسكون به فقد كان وعدا مشروطا لم يف آباؤهم بشروطه فسقط. وهناك دلائل كثيرة تدل على ذلك أوردها الأستاذ إسماعيل غريب الكيلاني في كتابه الذي تضمن كثيرا من الأمور التي ينبغي أن يطلع عليها أبناء العرب والمسلمين جميعا لما تضم من حقائق دامغة ضد أعدائنا الذين هم أعداء الإنسانية أيضا، وقد صدر هذا الكتاب ردا على كتاب ألفه إسرائيل ولفنسون في سنة 1927م.

هيأ الله – عز وجل – لي الوسائل، فأصدرت قبل فترة وجيزة كتابا جعلت عنوانه: «شمس الإسلام تشرق…»، وأعان الله على طبعه فيسر له من الأفاضل الذين عرفوا بمثل هذه المواقف من تولي الإنفاق على طبعه احتسابا للأجر، لذا فقد حتمت على نفسي ألا يعرض في مكتبات بيع الكتب، وأن يوزع مجانا لمن له رغبة في الاطلاع عليه.

لقد اندفعت إلى تأليف هذا الكتاب عندما مررت بمجموعة من محلات بيع الكتب في الكويت، ورأيت فيها كتبا تسيء إلى ديننا وتاريخنا، ويؤثر ما فيها على حاضرنا وعلى مستقبلنا، دون أن يشعروا بعظم الخطأ الذي يقومون به.

ومن أمثال هذه الكتب التي يراها كل من يرتاد هذه المكتبات:

1 – كتاب: تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية والإسلام، وهو من تأليف: إسرائيل ولفنسون.

2 – كتاب: التوراة جاءت من جزيرة العرب، تأليف: كمال الصليبي.

3 – كتاب: الجزيرة العربية والتوراة من تأليف: جيمس ألن مونتغمري.

وقد اقتنيت هذه الكتب وقرأتها بتمعن، ورددت على بعض ما جاء فيها من أمور لو نشر القليل منها في مقال يقرأه القراء في إحدى صحف بلادنا لضج الناس احتجاجا عليه.

ولن أكرر هنا ما ذكرته في الكتاب الذي أشرت إليه في بداية هذا الفصل، فما أريده مفصلا هناك بما فيه الكفاية، وسيعرف القارئ منه ما يلي:

1 – إن هذه الكتب وأمثالها لم تؤلف لأغراض علمية أو تثقيفية، وإنما أُلفت لغرض يتكشف للقارئ منذ الصفحات الأولى لأي كتاب منها، وهو مساندة إسرائيل في مواقفها ضد العرب خاصة والمسلمين عامة.

2 – تتضمن الإلحاح على أن التوراة نزلت في جزيرة العرب، وأن هذه الجزيرة شهدت رسالة نبي الله موسى عليه السلام. ومن المعروف أن التوراة قد نزلت على سيدنا موسى عليه السلام في طور سيناء. فهذا الذي قالوه كذب وافتراء محض.

3 – التأكيد على أن اليهود كانوا يقيمون في الجزيرة العربية، مع إيحاء بأن هذه الإقامة كانت في كل أنحائها، وأنهم قد أفادوا الجنس العربي هناك وعلموه، وكان قبل وصولهم بعيدا عن كل الأمور الحيوية التي تتميز بها الشعوب الأخرى. وهذا – وإن كان كذبا على التاريخ ومجراه – فإنه دليل على أنهم طارئون على المواقع التي نزلوا بها من هذه الجزيرة، وقد جاءوا إلى هذه المواقع لسبب ذكرناه في الكتاب، وهذا الأمر يجعلنا نتساءل: إذا كانت الجزيرة العربية مسكونة بأهلها أصلا، ثم حل في بعض أجزائها أعداد محدودة من اليهود، فهل كان هناك انتظار لوصولهم هناك حتى تنزل التوراة في هذه الجزيرة؟ أم أنها نزلت بها قبل أن يأتي إليها اليهود، فأخذوها عندما حلوا بها، ولم يكونوا يعرفونها قبل ذلك؟ ولا رد على هذه التساؤلات، لأن الادعاءات الباطلة لا تستحق الرد عليها.

4 – ومن الأغراض التي جرى تأليف هذه الكتب لأجلها التأكيد على الادعاءات الباطلة التي يُطلقها اليهود ومنها ما ذكر عن المؤرخين العرب. فقد ذكر مؤلفوها أن هؤلاء المؤرخين العرب كانوا حريصين – منذ البداية – على طمس كل ما أنجزه اليهود من أعمال، وما تركوه من آثار فكرية تميزت – على وجه الخصوص – في شعرهم الذي لم يهتم به أحد من العرب ولم يلتفت إليه رواة الشعر القديم، فلم يعدله ذكر إلا ما ورد من أبيات قليلة ضمن قصائد متناثرة لا تكفي للدلالة على مستواه الفني الباهر، على حد قولهم، وقد تضمن كتابي الرد على ذلك.

5 – محاولة إضفاء صفة شمول الدين اليهودي لمنطقة واسعة من جزيرة العرب، بل وغيرها، بينما كان الواقع أنهم – فيما يتعلق بالجزيرة العربية – لم يكونوا فيها إلا أعدادا محدودة ومعزولة، وقد زال وجودهم سريعا لسوء أعمالهم كما ورد في كتاب «شمس الإسلام تشرق»، ولو كان أمرهم كما قد وصفهم هؤلاء الكتاب لما كان من السهل إجلاؤهم.

هذا، وقد تبين بالبحث والمقارنة بين أحداث التاريخ أن كل ما ورد في هذه الكتب وأمثالها منذ كتاب ولفنسون الذي صدر في سنة 1927م، وكتاب مونتغمري المطبوع في سنة 1936م، إنما قصد به دعم اليهود في دعواهم، ثم في حربهم الغاشمة ضد الأمة الإسلامية والعربية، بدليل أن الفترة التي صدر فيها هذان الكتابان، وأمثالهما، مما لم تتم ترجمته، كانت هي الفترة التي اشتعلت فيها الدعوة اليهودية إلى احتلال فلسطين وقيام إسرائيل بعد ذلك.

فكأن الأمر إسهام من المؤلفين في نشر هذه الدعوة، ومؤازرة للمعتدين المغتصبين.

ولا أدعى أنني أول من أثار هذا الموضوع الخطير، فقد نهض بذلك من أبناء أمتنا غيري، وسيتابع آخرون هذا العمل لتعرية المبطلين وكشف أكاذيبهم وأطماعهم، ومما يذكر من ذلك:

1 – كتاب: «افتراءات كمال الصليبي، وهو من تأليف الأستاذ محمد بن عبدالله الحميد، وهو من أبناء المملكة العربية السعودية الشقيقة، وقد كان له رد سخّر به قلمه لتعرية أعداء بلاده وقومه. وقد استكمل الأستاذ الحميد عمله حين لجأ إلى أستاذنا الشيخ حمد الجاسر وهو – كما هو معروف – حجة في تاريخ الجزيرة العربية وتاريخها فحصل منه على ردود قاطعة ضمنها كتابه، وكانت داحضة لكل أقوال الصليبي، مبينة لما فيها من خلل.

2 – أما الكتاب الثاني فهو كتاب: «تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام». وهو رد على كتاب إسرائيل ولفنسون، ألفه الأستاذ إسماعيل غريب الكيلاني، وتتبع فيه كثيرا من الأغاليط والادعاءات الباطلة التي وردت في كتاب ولفنسون، وأضاف إليها أمورا بالغة الأهمية، منها ما يلي:

1 – يتحدث المؤلف في المقدمة عن جهود اليهود في تخريب حياتنا الثقافية، والتشكيك في تراثنا كله بما فيه من شعر ونثر. وذلك منذ أمد طويل، وخاصة حين أتت سنة 1925م ونشر اليهودي (مارجليوث) كتابه الذي لا يزال يطبع كلما نفد، وفيه بداية الحديث عن قضية انتحال الشعر الجاهلي التي تبناها د.طه حسين، ودعا لها في كتابه: «الشعر الجاهلي»، وهو الكتاب الذي جوبه عند صدوره بثورة قام بها عدد من العلماء والأدباء في حينه حتى صدرت كتب كثيرة في الرد عليه. ووجه شيخنا الأستاذ محمود محمد شاكر من أجله إلى طه حسين رسالة حول هذه القضية (قضية الشعر الجاهلي) ضمنها كتابه «المتنبي» فقال: «اسمع يا سيدي الدكتور، إنك لرجل كثير المغالطة، شديد اللدد، غير مستقيم الرأي، مضطرب الفكر، متخلف النظر». وكان أصل كتاب المتنبي قد طبع في سنة 1936م.

ولا شك في أن أفكار د.طه حسين حول هذا الموضوع قد تغيرت في السنوات الأخيرة من حياته. وكان ما قاله شيخنا الأستاذ محمود شاكر في الزمن الذي رفع فيه طه حسين الراية التي رفعها من قبله مارجليوث الذي تحدثنا عنه آنفا.

2 – يعرض كتاب الكيلاني بعد المقدمة شهادة لرجل غربي هو دريبر الذي ألف كتابا عنوانه: «تاريخ النشوء الفكري لأوروبا»، وقد ركز الأستاذ الكيلاني على ما ذكره دريبر في الفصل الثاني من المجلد الثاني لكتابه، وفيه حديث عن الأوضاع المزرية التي كانت عليها أوروبا مقارنة بما كان عليه العرب، ثم يقول: «ويتحدث بعد ذلك عن بعض ما منح العرب لأوروبا من ألوان الحياة حتى عرفوهم معنى العيش، وما منحوا العلم من تقدم حمل أوروبا إلى ما تستمتع به اليوم، وما تفخر بأنها بنته، وما بنت شيئا ولكنها نمت بحكم الاتصال والتدافع التسلسلي، وبدفع من عامل الزمن ما أخذته».

ويشير المؤلف إلى (وفود الأوروبيين على الجامعات الأندلسية لينهلوا من ينابيع العلم والمعرفة، وليتذوقوا الجمال) ويقدم أهم أمثلته لذلك: «جير بيرت» الذي عبر من جامعة قرطبة – الكافرة في رأيهم – إلى كرسي البابوية في روما باسم «سيلفستر الثاني» (2/36).

ثم يبين أن العرب يفخرون بلغتهم، ويقول: (وهو الفخر الذي لا يلامون عليه)، و(أن شعرهم هو الذي أعطى أوروبا شعراء التروبادور، والطوافين المتغنين بالشعر)، (ومن هذا وجد الترف، والذوق، والفروسية، وآداب المجتمع الرائقة طريقها من غرناطة وقرطبة إلى بروفانس ولانجدوك). (34 – 37).

«وكان العرب هم مبدعو القافية في الشعر، ومدخلوها على أشعار غيرهم».

والشعر العربي المقفى، وهو أهم ما يتعلق بنا، إذ إنه من الشعر البروفانسي «وهو ابن المجهودات العربية».

3 – ويتحدث عن أساس النظرية التوسعية لدى إسرائيل، فيقول: إنها تبدأ مما ورد في التوراة كما يقولون، ثم يواصل: إن مبدأ الصهيونية يعتمد على ما ورد في التوراة، في إصحاح الخلق: «لذريتك أعطي هذا البلد من نهر مصر إلى النهر الكبير». (إصحاح 15:8)، وقد رسم «هرتزل» في كتابه حدود إسرائيل، في الشمال: جبال طوروس، في الجنوب: قناة السويس، وفي الشرق: نهر الفرات.

ويفسر الصهاينة هذا القول على أنه حقيقة تاريخية وصك ملكية لتلك الأراضي، وكأن ذرية إبراهيم عليه السلام هم المتحدرون بصلة الرحم وليس بالإيمان، وكأن صلة الرحم لا تنصب على العرب، منهم كما جاء في سفر التكوين، ذرية إسماعيل عليه السلام الابن الأكبر لإبراهيم عليه السلام.

ويفسر أيضا باعتبار صحة اتصال نسب اليهود الحاليين بسكان أرض كنعان القديمة، بينما تؤكد البيولوجيا ويثبت التاريخ أن يهود اليوم، هم كالناس جميعا، نتاج اختلاط وامتزاج شعوب متعددة، ولا يمكنهم أبدا المطالبة بإرث أسلاف وهميين، واستبعاد السكان الحاليين من عرب مسلمين ونصارى مع أنهم سكان تلك الأرض، وأقرب لسكانها القدامى من المهاجرين الپولنديين أو الروس أو الرومانيين أو الهنغار.

4 – ثم تحدث عن الاتجاه إلى التوسع لدى الدولة اليهودية مستدلا بذلك على أقوال زعمائها، فقد نقل عن كل من بن غوريون، وموشي دايان ما صدر عنهما في هذا الشأن فنقل عن مذكرات بن غوريون قوله: «ليست المسألة مسألة احتفاظ بالوضع الراهن، فعلينا أن نقيم دولة غير متجمدة، دولة ديناميكية تتجه إلى التوسع».

ونقل عن دايان قوله: «إذا كنا نملك التوراة، وإذا كنا نعتبر أنفسنا شعب التوراة، فيجب أن يكون لنا – أيضا أرض التوراة».

٭ ٭ ٭

ومن الواضح أن حديثنا سيكون طويلا جدا إذا أردنا أن نتتبع كل ما ورد في هذا الكتاب الذي أجاد مؤلفه به سرد تفصيلات كثيرة حول موضوع الأطماع اليهودية والأكاذيب التي تسوقها مجموعات منهم حتى جاء كتابه وثيقة مهمة تفسر الأطماع التي استولت على ألباب هذه الفئة حتى جعلتهم ينسون أنهم من البشر، وظنوا أنهم فوق الجميع مكانة، ومن الملاحظ أنه استنتج كثيرا من المعلومات المتعلقة بالرد على بروفنسال اعتمادا على مراجع موثوقة، فأيد كل ما قاله في كتابه بشهادات جاءت تحت عنوان: «شهادات علماء ومؤرخين غير مسلمين».

وإضافة إلى ذلك، فإن مما يلفت النظر في هذا الكتاب أنه احتوى نقولا من أقوال زعماء صهيونيين محدثين، منهم من تولى المسؤولية في الكيان الصهيوني القائم حاليا على أرض فلسطين. وعلى سبيل المثال فقد نقل ما يلي: عن شارون الذي كان من زعماء إسرائيل البارزين وقد تولى فيها عدة مناصب مهمة كان آخرها رئاسة مجلس الوزراء في سنة 2002م، وهو مجرم حرب سلط أذاه على الشعب الفلسطيني، واحتل جنوب لبنان إلى بيروت.

يتذكر شارون طاغية من طغاة اليهود القدماء وهو حيي بن أخطب الذي كان يعيش في المدينة المنورة عندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، وكان حيي من أشد الناس حقدا وحسدا وعداوة للرسول الكريم.

ولكن شارون – المشارك له في دينه – يقول: «قدوتي في الحياة هو حيي بن أخطب، الذي كنت أحلم في أن أكون كما كان في دهائه، ونشاطه، وتفكيره».

هكذا قال وربما أنه كان يريد أن يقول للأمة الإسلامية إنه امتداد لأولئك الذين حاولوا إطفاء نور الله، عز جل، والقضاء على الدعوة الإسلامية. فكأنه يحذر، ويعلن – في الوقت نفسه – أن ذلك العداء القديم لا يزال قائما في نفوسهم هو وقومه.

ونقل غير هذا عن كتاب «العرب» الذي ألفه توماس كيرتان قوله: «الصهيونيون أوروبيون تماما، وليس هناك أي رابطة بيولوجية أو انثروبولوجية بين يهود أوروبا والقبائل العبرية القديمة، أي: ليست هناك أية قرابة عضوية أو قرابة دم بين الصهيونيين الذين هم من أهل أوروبا وبين قدماء العبريين».

وبعد هذا يمضي الأستاذ الكيلاني في سرد موضوعات كتابه مطوفا بكل القضايا التي اقتضاها بحثه الذي كان خاصا بالرد على افتراءات إسرائيل ولفنسون، لأنه رأى أن الأمر يقتضي منه التوسع. وقد أجاد – جزاه الله خيرا – في كل ما فعله وقدمه.

وهنا يلاحظ المتنبه لهذا المقال عدم إشارتنا إلى ادعاءات ولفنسون، ولإيضاح ذلك فإن ما يمكن أن يقال في هذا الشأن قد ورد في كتابنا الذي سبقت الإشارة إليه، ففيه بيان لما ينبغي العلم به من ترهات ولفنسون وادعاءاته المخالفة للحقائق التاريخية والعقلية معا. ولكنني أريد أن أضيف بعض ما تنبغي إضافته، تأكيدا لما سبق، ومن أجل ذلك فإنني أقدم ما يلي:

1 – هذه ملاحظات جانبية، ولكن ذكرها له ما يبرره، لأن استكمال ما مضى من الحديث هنا يلزمنا بأن نشير إليها، وهذا هو بيانها.

2 – كل الكتّاب الذين أصدروا كتبهم في هذا الموضوع الذي أشرنا إليه، ومنهم إسرائيل ولفنسون وجيمس ألن مونتغمري ومن كان على شاكلتهما، يزعمون أن اليهود لا ينفصلون عن جزيرة العرب، ويستعينون لإثبات ذلك بخيالات يستدلون بها على ما يريدون إثباته. وهذا في واقع الأمر شيء لا يستقيم أبدا لأنه سوف ينهار عند النقاش والمجابهة التاريخية والدينية معا.

لقد استمات ولفنسون في سبيل إثبات وجود اليهود في جزيرة العرب قديما، بل ادعى أن هؤلاء اليهود هم الذين علموا العرب التجارة والزراعة والصناعة، بل والقراءة والكتابة. ومن يقرأ له ذلك يجد صورة الأمة العربية قبل الإسلام وعند بدء انتشاره صورة تدل على أنها أمة جاهلة مهملة لا تستطيع تدبير نفسها، ولا كيف تكتسب معيشتها، وهذا أمر يدل على أنه يريد أن يثبت أن قومه جلبوا الخير لجزيرة العرب وأهلها، بل وكأن هذه الجزيرة ومن عليها في انتظار هذه الفرصة التي لا تعوض، وهو في ذلك كاذب من الناحية الواقعية، وكاذب على نفسه، فقد قال في كتابه الذي تحدثنا عنه ما نصه: «لا أعلم في تاريخ اليهود القديم إقليما تأثر فيه اليهود بأخلاق وعادات وتقاليد أبنائه إلى هذا الحد سوى إقليم الجزيرة العربية».

إنهم – وأعني بهم الكتّاب الذين أشرت إليهم – يريدون بكل الطرق أن يخدعوا الناس بما تتضمنه كتبهم، ولكنهم لن يستطيعوا خداع أحد لأن ما يراه القراء فيها لا يقل عن نوع من الترهات أو هذيان المحموم.

3 – يقولون مثلا: إن التوراة نزلت في جزيرة العرب، وأن في عباراتها دلائل على أجواء الصحراء العربية وهذا هو ما رددنا عليه في موضعه. ونضيف إليه أن الصفات التي ذكروها للصحراء والحداء الذي الذي يصاحب الإبل السائرة فوق رمالها، ليس ذلك كله مرتبطا – فقط – بالصحراء في الجزيرة العربية وحدها، ففي الأقاليم العربية الأخرى صحراوات كانت تعبرها الجمال تماما كما يجرى في الجزيرة العربية، والصفات التي ذكرت لا تنطبق على صحراء الجزيرة العربية دون غيرها.

4 – ويتحدثون عن الجنة فيقولون إنها موجودة على الأرض، وأن الناس تستطيع أن تراها – بل وتدخلها – في أي وقت شاءت. واختاروا قرية صغيرة تسمى الجنينة في مكان ناء فقالوا: هذه هي الجنة المقصودة في الكتب السماوية.

5 – في الوقت الذي نجد فيه بروفنسال ينحي باللائمة على العرب، وبخاصة منهم من كان من المؤرخين ورواة الشعر زعما منه أنهم جميعا أهملوا ما أنجزه اليهود، فإننا نجد من بني جلدته من يخالفه الرأي ويشهد لهم شهادة هي في صالحهم فهذا يهودي اسمه ايلي ليفي أبو عسل يقول في كتاب صدر له في سنة 1961م جملة ذكرها بعد مقدمة قصيرة: «لذلك قلما كان يجد اليهود عطفا شريفا يضارع عطف العربي عليهم».

وهو على العكس من ذلك يرى أن اليهود في البلدان الأخرى قد عانوا كثيرا من الأذى. يدلنا على ذلك قول صمويل اتنجر وهو أستاذ في التاريخ بالجامعة العبرية: «كان وضع يهود الشرق أفضل بكثير من وضع يهود أوروبا الذين اضطهدوا لأسباب سياسية واقتصادية ودينية».

٭ ٭ ٭

ولا بأس في تقديم هذا البيان قبل أن نصل إلى ختام مقالنا هذا فنقول: لم يذكر ولفنسون لفظ (الجاهلية) باعتباره دليلا على ما ذكره عن العرب من نقص في المعرفة، وما قاله كان عن أن اليهود الذين سكنوا في بعض الأماكن العربية هم الذين علموا أبناء الأمة العربية القراءة والكتابة. ولكننا – مع ذلك – ينبغي أن نذكر ذلك حتى نغلق الأبواب أمام أي معاد للعرب أو للمسلمين فيدعي أمرا يخالف الحقيقة.

من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، وهذا الأمر حجة له لا عليه، لأن القرآن الكريم الذي أذهل قريشا بمحتواه حينما استمع أهلها إلى بعض سور منه لا يمكن أن يكون صادرا من رجل أمي. وهذا ما جعلهم في حيرة من أمرهم، وقد ذكرنا في هذا الشأن ما قاله أحد كبار قريش لقومه حين استمع إلى آيات من القرآن الكريم تلاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذهلته، وعاد إلى قومه لكي يصف لهم ما سمع فقال: «سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط». وقد مرت بنا حكايته في بدايات هذا الكتاب. وكان هذا الرجل هو عتبة بن ربيعة وقد بقي على كفره، كما بقي أكثر قومه على ما هم عليه من عناد ومقاومة لما جاء في الكتاب الكريم. ومن أجل ذلك جرى نعتهم بالجاهلين، لأنه لم يعلموا مقدار ما جاء لهم به الوحي السماوي من الخير والفضل. ولم ينصاعوا للحق، جهلا منهم لأهمية انصياعهم لما قاله الله ورسوله. ولذلك وصفوا بالجهل كما وصف زمانهم بأنه زمان الجاهلية. ليس ذلك لجهلهم القراءة والكتابة فقد بينا – فيما مضى – أنه كان منهم من يقرأ ويكتب وجميع ما تتميز به الأمم من جميع الوجوه.

وسنرى أن لفظ (الجاهلية) هذا يختلف عن لفظ (الأمية)، فالجاهلية هي صفة الحالة التي كان عليها ذلك الجيل من قريش الذين كانوا في مكة عند مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصارت علما على العصر السابق للنبوة.

أما الأمية فالمقصود بها عدم القدرة على القراءة والكتابة. ولقد قال الرسول الكريم لصحابته وهو يشرح لهم بعض ما يتعلق بشهر رمضان: «إنا أمة أمية، لا نقرأ ولا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا».

يقول الراوي وهو عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: «يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين».

وفي هذا الحديث الشريف تحديد لمعنى الأمية، وهي عدم المقدرة على القراءة والكتابة والحساب.

وهو صلى الله عليه وسلم لا يقصد بما قاله ان الأمة كلها أمية، لأنه يعلم أن حوله عددا لا بأس به ممن يتقنون ذلك، بل يجيدون لغات أخرى غير العربية كما بينا ذلك فيما سلف، ولكنه صلى الله عليه وسلم يعني الأكثرية التي دخلت في دين الإسلام قبل أن تنال قسطا من العلم بالقراءة والكتابة والحساب، ولذلك بين لهم عدة الشهر الكريم على الطريقة التي كانت سائدة في ذلك الوقت وهي العد على الأصابع، وفق طرق متفق عليها بينهم.

ولسنا – هنا – بحاجة إلى تكرار ما سبق ذكره عن معرفة أعداد من العرب – وبخاصة أهل مكة – بالقراءة والكتابة وما يتصل بهما من معارف أخرى كالطب والفلك والحكمة والشعر، وغير ذلك. ولكننا نريد أن نؤكد ما ذكرناه عن الفرق بين الجاهلية والأمية من حيث دلالة هذين اللفظين. وهذا نجده في النقاط التالية:

ذكر محمد بن مكرم لفظ (الجهل) في كتابه الشهير: «لسان العرب» فقال عنه: إن الجهل هو نقيض العلم، وذكر أن الله سبحانه وتعالى يعني بقوله الكريم: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم – البقرة: 273)، إنما أراد الجهل الذي هو ضد الخبرة، وقال صاحب الكتاب: «يقال فلان يجهل ذلك إذا لم يكن يعرفه».

وأضاف قائلا عن الجاهلية: إنها زمن الفترة التي سبقت ظهور الإسلام، وقال: «ذلك لأن الحال التي كان عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسله وشرائع الدين، ومن المفاخرة بالأنساب والكبرياء والتجبر ما هو معلوم.

إذن!! فإن لفظ الجاهلية لا يتيح لنا القول إن العرب كانوا في حياة كلها ظلام دامس، فقد كنا نرى بينهم العقلاء والحكماء، والشعراء وذوي الرأي والأبطال. ونرى لهم اتصالهم بالعالم من حولهم عن طريق رحلاتهم، وبخاصة رحلات التجارة صيفا وشتاء كما ورد في القرآن الكريم. ورحلات كبارهم إلى الملوك المجاورين لهم، إضافة إلى استقبالهم زوار البيت الحرام الذي كان له تعظيم عند العرب جميعا. وكانت الأسواق الموسمية تجمع أبناء الجزيرة من كل جهة، فيشهد الناس أنشطة متعددة تفوق أغراض البيع والشراء إلى تبادل المفاخر والأفكار والأشعار».

تلك نقاط مهمة كان لابد لنا من ذكرها لكي نؤكد بها عدم مصداقية بروفنسال عندما تحدث عن دور مزعوم لليهود الذين كانوا يعيشون بالمدينة المنورة عندما قال إنهم علموا العرب كثيرا من الأمور ومنها القراءة والكتابة، وقد سبق لنا الرد على هذه الفرية.

وإضافة إلى كل ما تقدم، فإن من المهم أن نشير إلى آيات من القرآن الكريم تدل دلالة واضحة على مفهوم الجهل والجهالة، ومنها:

– في موضع الحث على الإنفاق في سبيل الخير بين الله سبحانه وتعالى أن من ذلك أن ينفق القادرون على الفقراء. ووصف هؤلاء الفقراء بقوله الكريم (سورة البقرة آية 273): (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم) (273). ومعنى الجهل هنا من لا يعرف حقيقة أمرهم، وقد سبق لنا ذكر هاتين الآيتين الكريمتين.

– جاء في سورة البقرة – أيضا – الآية رقم 67 أن بني إسرائيل قالو لسيدنا موسى عندما أبلغهم بأن الله عز وجل أمرهم أن يذبحوا بقرة: أتتخذنا هزوا؟

فقال بنص الآية الكريمة: (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) (67).

ومن الواضح أنه لا يريد بقوله هذا أن يخبرهم بأنه غير متعلم.

– ويقول عز وجل في سورة الأنعام الآية رقم 111: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون) (111).

وقد فسر المفسرون ذلك بقولهم: «يجهلون أنهم خاضعون لله تعالى إن شاء هداهم وإن شاء أبقاهم على ما كانوا عليه من الكفر».

ذلك لأنهم قالوا سنهتدي إذا قدمت لنا الأدلة التي وردت في الآية الكريمة، وقد علم الله عز جل أنهم لن يؤمنوا حتى ولو رأوا الآيات، فالله أعلم بما في نفوسهم وعقولهم.

وهناك آيات أخرى وشواهد كثيرة تدل على المعاني التي يدل عليها لفظ (الجهل).

٭ ٭ ٭

كل هذا الذي تم عرضه يثبت الاختلاف في النوايا بين العرب واليهود، وكان أولى بهذا الجنس الأخير الذي عاش مطمئنا في حماية ورعاية العرب قبل الإسلام وبعده أن يبادلهم العناية والرعاية، فيكون وفيا لهم كما وفوا له. ولكن العكس هو الذي حدث، فإنه عندما تمكن كان أول من اتجه إليهم بشرّه هم العرب، وها نحن نرى – يوميا – ما تقوم به إسرائيل من قتل وتشريد لأبناء فلسطين العرب، لا يمنع طغاتها ما ذكرناه، ولا تثنيهم نداءات العالم عن القيام بما يقومون به من أعمال تحدوهم إليها أحقاد لا مبرر لها.

إننا نستمع إلى تصريحات زعمائهم منذ أوائلهم إلى هؤلاء الذين هم قادة الكيان اليهودي حاليا فنكاد نستمع إلى رؤساء عصابات إجرامية، لا ينظرون إلى الأمور نظرة إنسانية، ولا يبالون بالحقوق، ويبنون حاضرهم ومستقبلهم على الكذب الذي صاغه لهم بروفنسال ومن لف لفه.

وعلى الرغم من كل ما صدر ويصدر منهم، فإنهم يقابلون بشجاعة أبناء فلسطين الشرفاء الذي حملوا السلاح دفاعا عن أنفسهم وعن وطنهم ودينهم، وإن الله لمع الصابرين المكافحين، ولا نملك إلا أن نقول لأعدائنا:

نحن – المسلمين – لدينا وعد من الله عز وجل هو غير وعدكم الذي سقط لعدم امتثالكم للأوامر الإلهية.

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء، الآية رقم (7): (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) (7).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى