خبير عسكري: إسرائيل تفرض كلفة مفتوحة على لبنان بـ”الردع العقابي”

تتصاعد التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية مع استمرار الغارات الإسرائيلية على مناطق في جنوب وشرق لبنان، في إطار ما تصفه إسرائيل بـ”الردع العقابي”. يهدف هذا الردع إلى زيادة التكلفة على حزب الله وتقويض قدراته العسكرية، بحسب الخبراء العسكريين. وتأتي هذه التطورات بعد إعلان الجيش الإسرائيلي عن قصف أهداف تابعة للحزب في جنوب لبنان ومنطقة الهرمل.
استراتيجية “الردع العقابي” الإسرائيلية ضد حزب الله
يرى العميد إلياس حنا، الخبير العسكري، أن الغارات الإسرائيلية لا تعتبر عمليات استباقية مرتبطة بتهديد مباشر، بل جزءًا من استراتيجية أوسع نطاقًا تهدف إلى ردع حزب الله. وتعتمد هذه الاستراتيجية على مبدأ “الهجوم هو خير وسيلة للدفاع”، وتسعى إلى إحباط أي محاولة للحزب لإعادة بناء ترسانته العسكرية.
وأضاف حنا أن نطاق الاستهداف الإسرائيلي يتوسع جغرافيا، فلم يعد يقتصر على جنوب الليطاني، بل امتد ليشمل مناطق شمالية قرب صيدا، وصولًا إلى البقاع والحدود السورية اللبنانية. ويعكس هذا التوسع محاولة إسرائيلية لتقويض البنية التحتية العسكرية للحزب في مختلف المناطق التي ينشط فيها.
تغيير في العقيدة العسكرية الإسرائيلية
تأتي هذه التطورات في سياق تغيير جذري في العقيدة العسكرية الإسرائيلية بعد عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023. ويصف حنا هذا التغيير بـ”التحول البنيوي” في التفكير العسكري الإسرائيلي، والذي يتميز بتوسيع نطاق العمليات العسكرية، وفرض وقائع ميدانية جديدة، والاعتماد على التفوق الجوي والاستخباراتي.
وبحسب حنا، فإن إسرائيل تسعى من خلال هذه الغارات إلى تهيئة الرأي العام الداخلي والخارجي، وترسيخ معادلة مفادها قدرتها على الدخول إلى لبنان وضرب أهدافه متى شاءت. هذا يشمل استهداف البنى التحتية العسكرية، بالإضافة إلى محاولة استهداف قيادات بارزة في الحزب، وهو ما يعتبر تصعيدًا كبيرًا.
في المقابل، يرى الخبير العسكري أن رد حزب الله على هذه الغارات سيكون محدودًا في هذه المرحلة. ويعزو ذلك إلى تغير مفهوم الردع لدى الحزب، الذي انتقل من “حرب الإسناد” إلى ما يسميه “الردع عبر التعطيل”، أي الاستمرار في المواجهة دون خسائر كبيرة للحفاظ على موقعه في أي معادلة مستقبلية.
ويشير إلى أن أي رد عسكري من الحزب قد يكون له تداعيات سلبية على بيئته وعلى الدولة اللبنانية، التي تسعى إلى حل الأزمة من خلال التفاوض غير المباشر.
الوضع الإقليمي يضيف تعقيدًا إضافيًا، حيث أن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى توسيع نطاق الصراع ليشمل جبهات أخرى. التوترات الحدودية ليست جديدة، ولكنها ازدادت حدة في الأشهر الأخيرة.
وتعترف إسرائيل، وفقًا لتحليلات حنا، بعدم قدرتها على تحويل “النصر العسكري” إلى إنجاز سياسي حقيقي. فلا يمكنها فرض استسلام أو تسوية مباشرة مع حزب الله، الذي يتمتع بدعم شعبي واسع وقدرة على الصمود.
لذلك، تلجأ إسرائيل إلى استراتيجية “الردع العقابي” من خلال التدمير الواسع، بهدف رفع التكلفة على الحزب وإبقاء العلاقة بينه وبين الدولة اللبنانية في حالة توتر دائم. ويشمل ذلك استهداف مناطق واسعة من جنوب الليطاني إلى شماله، مرورًا بالضاحية الجنوبية والبقاع.
الخسائر البشرية الناجمة عن هذه الغارات كبيرة، حيث قُتل أكثر من 4 آلاف شخص وأصيب حوالي 17 ألفًا آخرين في لبنان منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023. كما أن إسرائيل قامت بخرق اتفاق وقف إطلاق النار أكثر من 4500 مرة، مما أدى إلى مقتل وجرح المئات، واحتلالها 5 تلال لبنانية ومناطق أخرى.
فيما يتعلق باحتمال اجتياح بري واسع النطاق، يستبعد حنا هذا السيناريو في الوقت الحالي، لكنه يترك الباب مفتوحًا أمام عمليات برية محدودة ونوعية، بالتوازي مع القصف الجوي واستهداف البنى التحتية والقيادات العملياتية.
ويتوقع أن يشهد عام 2026 استمرار هذا النمط من التصعيد، مع تركيز خاص على وادي الليطاني، الذي تعتبره إسرائيل مصدر الخطر الأكبر المرتبط بالصواريخ والمسيرات قصيرة المدى. ويهدف هذا التركيز إلى محاولة فرض معادلة ردع جديدة طويلة الأمد.
في الختام، من المتوقع أن يستمر الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية في حالة من التوتر وعدم الاستقرار في المستقبل القريب. ويتوقف مسار الأمور على تطورات الأوضاع الإقليمية، وقدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى حلول سياسية تضمن وقف إطلاق النار وتحقيق الاستقرار الدائم. يبقى وادي الليطاني نقطة مراقبة رئيسية، بالإضافة إلى أي محاولات لتقويض اتفاق وقف إطلاق النار الحالي.





