Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياسة

رسائل موسكو التصعيدية بكييف هل هي موجهة لترامب؟

في خطوة حملت دلالات رمزية وإستراتيجية بالغة، قصفت روسيا للمرة الأولى مقر الحكومة الأوكرانية في كييف، لتفتح باب التأويلات بشأن طبيعة الرسائل التي أرادت موسكو توجيهها من وراء هذا التصعيد.

ففي حين رأت باريس أن الضربة دليل على غياب أي نية للسلام، اعتبرها مراقبون محاولة روسية لتثبيت معادلة جديدة تربط الميدان الأوكراني مباشرة بالمسار الدبلوماسي مع واشنطن، وتحديدا مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ويقرأ الخبير بالشأن الروسي محمود الحمزة -في حديثه لبرنامج ما وراء الخبر- هذا الاستهداف باعتباره انتقالا نوعيا في قواعد الاشتباك، إذ كانت موسكو تتجنب منذ اندلاع الحرب استهداف مؤسسات الحكم السيادية في كييف.

ويعزو الحمزة هذه الضربة إلى رغبة الكرملين في الرد على الهجمات الأوكرانية المتكررة ضد منشآت النفط داخل روسيا، مما يجعلها رسالة انتقامية بقدر ما هي سياسية، مفادها أن موسكو قادرة على قلب الطاولة متى شاءت.

ولكن الرسالة تتجاوز الحسابات الميدانية المباشرة، فالخبير السياسي زياد ماجد يرى أن القصف أعاد إلى الأذهان لحظة اندلاع الحرب حين أعلن الكرملين أن من أهدافه إسقاط الحكومة الأوكرانية واعتبارها غير شرعية.

وبذلك، يلوّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجددا بأن التفاوض مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ليس خيارا ثابتا، خصوصا إذا مضت أوروبا في رفع مستوى دعمها العسكري، أو ناقشت نشر قوات على الأراضي الأوكرانية.

قوى غير غربية

وفي سياق متصل، يشير ماجد إلى أن موسكو تعزز موقعها بدعم قوى غير غربية، خصوصا بعد عودتها من قمم آسيوية موسعة أبرزها في الصين، حيث نسجت شبكة تفاهمات مع شركاء مثل بكين ونيودلهي.

ويضيف أن روسيا تستعرض اليوم قدرة متجددة على إنتاج طائرات وسلاح مسيّر، بعدما كانت تعتمد بشكل كبير على حلفاء مثل إيران، في محاولة لإظهار أنها ليست في عزلة إستراتيجية، بل جزء من محور عالمي موازٍ للغرب.

ومن واشنطن، يقرأ الصحفي محمد المنشاوي القصف على أنه رسالة موجهة مباشرة إلى ترامب لا إلى مؤسسات الحكم الأميركية.

فبوتين -حسب تقديره- يخاطب الرئيس الأميركي بوصفه شريكا محتملا في صياغة “سلام روسي الطابع” يقوم على تنازلات أوكرانية ترسخ السيطرة الروسية على أجزاء واسعة من إقليم دونباس وربما ما هو أبعد.

ويرى المنشاوي أن موسكو تراهن على ميل ترامب لإعجاب شخصي ببوتين، واستعداده للتعامل معه من موقع تفاهم لا صراع.

وتتقاطع هذه المقاربة مع سيناريو “فنلندي” تروّجه أوساط روسية داخل واشنطن، قوامه أن تقبل كييف بخسارة أراضٍ مقابل اعتراف دولي ببقائها دولة محايدة خارج حلف الناتو.

ضغط مواز

ورغم أن ترامب يتقلب في مواقفه، بين التلويح بالضغط على موسكو وبين الإشادة بصلابتها، فإن بوتين يبدو مقتنعا بقدرته على دفعه إلى ممارسة ضغط موازٍ على أوكرانيا وأوروبا للرضوخ.

وبينما يلوّح ترامب أحيانا بجولة جديدة من العقوبات، يعتبر خبراء أن شخصيته السياسية لا تسمح له بالاعتراف بخطأ التقدير في قمة ألاسكا مع بوتين، مما يجعل فرض عقوبات إضافية أمرا غير مرجح.

ويرى المنشاوي أن البيت الأبيض يميل حاليا إلى الضغط على كييف وحلفائها الأوروبيين للتعجيل باتفاق أولي يمنح ترامب إنجازا سياسيا يقدمه داخليا، دون الاكتراث كثيرا بالنتائج بعيدة المدى على الأمن الأوكراني.

وفي المقابل، تواجه أوروبا مأزقا إستراتيجيا. فبحسب ماجد، لا تمتلك العواصم الأوروبية أدوات فاعلة توازن بين دعم كييف والضغط على واشنطن، وهي تدرك أن موضوعات مثل شبه جزيرة القرم أو مناطق شرقية محتلة لم تعد مطروحة على الطاولة بشكل جدي.

ومع ذلك، تسعى لانتزاع ضمانات تحد من محاولات موسكو فرض حكومة موالية في كييف، ولو عبر فكرة قوة أوروبية لمراقبة مرحلة ما بعد الحرب.

ويلفت الحمزة من جهته إلى أن بوتين يستخدم “الصبر الإستراتيجي” مع ترامب، فهو يلوّح بعروض اقتصادية كالتعاون في القطب الشمالي، بينما يواصل التصعيد العسكري، وبذلك يوازن بين إغراء البيت الأبيض بالمصالح وبين فرض وقائع ميدانية تجعل أي تفاوض مستقبلي أقرب لرؤية موسكو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى