أعلن أخصائيو الأورام في روسيا عن تحقيق معدلات نجاح ملحوظة تصل إلى 85% في علاج سرطانات الدم، وذلك بفضل التقدم في استخدام اللقاحات العلاجية. هذا الإنجيز، الذي كشف عنه الدكتور يفغيني بورتسيف رئيس قسم زراعة النخاع في مستشفى موروزوف بموسكو، يمثل تطوراً هاماً في خيارات علاج هذا النوع من السرطان. العلاج باللقاحات يختلف عن العلاج الكيميائي التقليدي، حيث يستهدف الخلايا السرطانية بدقة أكبر.
أكد الدكتور بورتسيف في تصريحات نقلتها قناة RT عربية أن هذه اللقاحات ليست وقائية، بل هي تدخل علاجي يهدف إلى مكافحة المرض بعد تشخيصه. وأضاف أن هذه التقنية الجديدة تتيح فرصة لتحسين نوعية حياة المرضى وتقليل الآثار الجانبية المصاحبة للعلاج.
تطورات علاج سرطانات الدم في روسيا
تعتمد اللقاحات العلاجية على تحفيز جهاز المناعة في الجسم لمهاجمة الخلايا السرطانية بشكل مباشر. وفقاً للدكتور بورتسيف، فإن هذا النهج يقلل بشكل كبير من الضرر الذي يلحق بالخلايا السليمة، وهو أحد أبرز التحديات في العلاج الكيميائي التقليدي. هذا التمييز الدقيق يجعل اللقاحات العلاجية خياراً واعداً للمرضى.
الفرق بين اللقاحات العلاجية والعلاج الكيميائي
يكمن الفرق الرئيسي في آلية العمل؛ فالعلاج الكيميائي يستهدف الخلايا سريعة الانقسام، مما يؤثر على الخلايا السليمة والسرطانية على حد سواء. بينما تركز اللقاحات العلاجية على المستضدات الفريدة الموجودة على سطح خلايا الورم، مما يقلل من الآثار الجانبية غير المرغوب فيها. هذا الاستهداف الدقيق يساهم في زيادة فعالية العلاج.
على الرغم من التقدم الكبير في علاج سرطان الدم، إلا أن بعض أنواع السرطان الأخرى لا تزال تمثل تحدياً كبيراً. أشار الدكتور بورتسيف إلى أن سرطان البنكرياس، على سبيل المثال، غالباً ما يتم اكتشافه في مراحل متأخرة، مما يتطلب اللجوء إلى العلاج الكيميائي التقليدي. الاكتشاف المبكر يظل عنصراً حاسماً في تحسين فرص الشفاء من جميع أنواع السرطان.
تتوفر اللقاحات العلاجية مجاناً للمواطنين الروس، مما يعكس التزام الحكومة بتوفير الرعاية الصحية اللازمة. في المقابل، قد تصل تكلفة العلاج إلى حوالي 27 مليون روبل روسي (ما يعادل حوالي 337,500 دولار أمريكي بناءً على سعر الصرف الحالي البالغ 80 روبل للدولار الواحد) للأفراد من خارج روسيا. هذه التكلفة تعكس التعقيد والتكنولوجيا المتقدمة المستخدمة في تطوير وتصنيع هذه اللقاحات.
تضم روسيا العديد من المراكز المتخصصة في علاج الأورام، بما في ذلك مستشفى موروزوف للأطفال في موسكو، ومركز بلوخين، ومستشفى ديما روغاتشوف، بالإضافة إلى مستشفى رايسا غورباتشوفا في سانت بطرسبورغ، والعديد من المستشفيات الأخرى في المدن الكبرى. هذه المراكز تقدم خدمات تشخيصية وعلاجية متكاملة للمرضى.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمرضى الأجانب الوصول إلى هذه العلاجات من خلال التواصل المباشر مع مستشفى موروزوف عبر موقعه الإلكتروني، والذي يوفر معلومات ودعم باللغتين الروسية والإنكليزية. هذه الخطوة تسهل على المرضى من جميع أنحاء العالم الحصول على الرعاية المتخصصة التي يحتاجونها.
فيما يتعلق بزيادة معدلات الإصابة بالسرطان بشكل عام، يرى الدكتور بورتسيف أن ذلك يرجع جزئياً إلى التطورات في أدوات التشخيص الطبي التي تسمح بالكشف عن المرض بدقة أكبر. وذكر أن عدد الأطفال الذين يتم تشخيص إصابتهم بسرطان الدم في روسيا يبلغ حوالي 155 ألف حالة سنوياً. هذه الزيادة في التشخيص لا تعني بالضرورة زيادة في معدلات الإصابة الفعلية.
نفى الدكتور بورتسيف وجود أي علاقة مثبتة علمياً بين لقاحات كوفيد-19 وزيادة معدلات الإصابة بالسرطان. وأكد أن إثبات مثل هذه العلاقة يتطلب دراسات طويلة الأمد تمتد لعقود. من المهم الاعتماد على الأدلة العلمية القوية قبل استخلاص أي استنتاجات حول هذا الموضوع.
أما بالنسبة للوقاية من السرطان، فأشار الدكتور بورتسيف إلى أن بعض الأنواع لها علاقة بعوامل وراثية، مما يجعل الوقاية منها أكثر صعوبة. ومع ذلك، شدد على أهمية اتباع نمط حياة صحي، بما في ذلك النظام الغذائي المتوازن والنشاط البدني المنتظم، لتقليل خطر الإصابة بالسرطان. بالنسبة لسرطانات الأطفال، فغالباً ما تكون مرتبطة بعوامل تتعلق بمرحلة الولادة، مما يجعل الوقاية منها أمراً صعباً.
من المتوقع أن تستمر الأبحاث والتطوير في مجال اللقاحات العلاجية، مع التركيز على توسيع نطاق استخدامها ليشمل أنواعاً أخرى من السرطان. كما ستشمل الجهود المستقبلية تحسين فعالية هذه اللقاحات وتقليل آثارها الجانبية. سيظل الاكتشاف المبكر والتشخيص الدقيق من العوامل الرئيسية في تحسين نتائج علاج السرطان.
