زيارة البرهان إلى تركيا.. ما تأثيرها في مجريات الحرب بالسودان؟

أثارت زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، إلى تركيا مؤخرًا نقاشًا واسعًا حول دوافعها وتأثيرها المحتمل على الأزمة السودانية المستمرة. وبينما يرى البعض في هذه الزيارة خطوة إيجابية لتعزيز الدعم الإقليمي، يعتبرها آخرون مجرد تحرك بروتوكولي محدود الأثر على مسار الحرب والصراع الدائر في السودان. وتأتي هذه الزيارة في ظل جهود دولية وإقليمية متزايدة لإيجاد حل للأزمة السودانية، مع التركيز على أهمية تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان البرهان في أنقرة، حيث جرت مناقشات رسمية حول تعزيز العلاقات الثنائية وتفعيل اتفاقيات التعاون السابقة في مجالات متعددة، بما في ذلك الاقتصاد والزراعة والموانئ وإعادة الإعمار، بالإضافة إلى التعاون الدفاعي. وقد نشر مجلس السيادة السوداني صورًا للبرهان في القصر الرئاسي التركي، مؤكدًا على أهمية هذه الزيارة في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
زيارة البرهان إلى تركيا: هل هي خطوة نحو الاستقرار أم مناورة سياسية؟
يرى مراقبون أن زيارة البرهان تهدف بشكل أساسي إلى الحصول على دعم تركي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه السودان. وتعتبر تركيا دولة ذات نفوذ إقليمي متزايد، ولديها علاقات قوية مع مختلف الأطراف الفاعلة في المنطقة. وبحسب القيادي في الكتلة الديمقراطية، داود أحمد الطاهر، فإن أنقرة تمثل دولة محورية يمكن أن تلعب دورًا داعمًا لاستقرار السودان ووحدة أراضيه.
وأضاف الطاهر أن الجيش السوداني لا يعيش حالة تراجع ميداني، بل “يمسك بزمام المبادرة في عدة جبهات”، مشيرًا إلى استعادة مناطق في دارفور. وأكد على حق السودان في إبرام اتفاقيات عسكرية ودفاعية مع أي دولة، معتبرًا أن تفعيل اتفاقيات التعاون مع تركيا، بما فيها احتمالات الدفاع المشترك، يأتي في إطار المصالح المتبادلة.
أبعاد التعاون الدفاعي بين السودان وتركيا
تثير احتمالات التعاون الدفاعي بين السودان وتركيا تساؤلات حول الأهداف الاستراتيجية لهذا التعاون وتأثيره على ميزان القوى في المنطقة. ويرى البعض أن هذا التعاون قد يساهم في تعزيز قدرات الجيش السوداني لمواجهة التحديات الأمنية، بينما يرى آخرون أنه قد يؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية. وتشير التقارير إلى أن تركيا تسعى إلى توسيع نفوذها في أفريقيا، وقد ترى في السودان شريكًا استراتيجيًا مهمًا لتحقيق هذا الهدف.
في المقابل، قلل حاتم إلياس، القيادي في تحالف “تأسيس”، من أهمية الزيارة، واصفًا إياها بأنها “زيارة بروتوكولية” لا تخرج عن إطار المناورات السياسية. وقال إلياس إن “البرهان يحاول اللعب على تناقضات إقليمية ودولية عبر تحالفات متبدلة مع تركيا وروسيا وإيران، دون أن يحقق أثرًا حقيقيًا على الأرض”.
وأضاف أن تركيا، كغيرها من الدول، لن تخرج عن الإجماع الدولي المتشكل بشأن حل الأزمة السودانية. وأشار إلى أن ما يوصف بزخم دولي داعم للحكومة السودانية، “لا يعكس تحولًا حقيقيًا”، بل يأتي في إطار تحركات رمزية لا تغير ميزان القوى ولا تفتح أفقًا فعليًا لإنهاء الحرب.
اندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، بسبب خلافات حول المرحلة الانتقالية، مما أدى إلى أزمة إنسانية حادة ومقتل الآلاف ونزوح الملايين. وتتواصل الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حل سياسي للأزمة، ولكن حتى الآن لم يتم تحقيق تقدم ملموس. وتشمل الجهود الحالية مبادرات توسط من قبل دول مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، بالإضافة إلى جهود الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.
من المتوقع أن تستمر المشاورات بين السودان وتركيا لتحديد آليات تنفيذ اتفاقيات التعاون الموقعة، مع التركيز على المجالات ذات الأولوية مثل الاقتصاد وإعادة الإعمار. ومع ذلك، يبقى مستقبل هذه الاتفاقيات مرتبطًا بتطورات الأوضاع السياسية والأمنية في السودان، وقدرة الأطراف السودانية على التوصل إلى حل شامل للأزمة. وستظل الأزمة السودانية على جدول أعمال المجتمع الدولي والإقليمي في الفترة القادمة، مع استمرار الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والسلام في البلاد.





