“شر البلادِ بلادٌ لا صديق بها”.. علاقة الإنسان بالإنسان في مرآة الزمن وثنايا الشعر

لو سألك أحدهم اليوم: كم صديقاً حقيقياً تدخر لعاتيات الزمان ونوائبه، بماذا تجيب؟ هل تعد نفسك من الأصدقاء الأوفياء؟ ما معنى الصداقة عندك؟ وهل لها أهمية في حياتك، أم تعدها إضافة إلى الحياة، إن وُجدت فيا مرحباً بها، وإن لا فلا ضير في ذلك ولا مشكلة؟
في عالمٍ تتسارع فيه وتيرة العلاقات وتتبدّل فيه المواقف، تظلّ الصداقة من أمتن الروابط التي يمكن للمرء أن يتعلق بها حين تهب رياح الزمن وعواتيه، ومن أسمى العلاقات والقيم التي تظهر إنسانية المرء، وتختبر صدقه ووفاءه من كذبه وخداعه.
الصداقة فَيْءٌ ودِفْءٌ إنساني لا ينتهي
كلمة الصداقة في اللغة مشتقّة من الصدق في المودة والنصيحة، وقد قيل في المثل “صديقك مَن صَدَقَك، لا من صَدَّقك”. الصداقة من أحلى العلاقات الإنسانية وأسماها وأرقاها وأصعبها في الوقت نفسه.
قد رافقت الصداقة الإنسان منذ فجر التاريخ، وعُرفت بوصفها قيمة اجتماعية وأخلاقية نبيلة، وقد تغنى بها الشعراء والأدباء على مر العصور، وعدّوها أهم الروابط الإنسانية بعد روابط الدم والعائلة.
الصداقة جسرنا نحو الآخر الذي يعنينا بقاؤه في أيامنا واستمراره في حياتنا، وهي بوابة العبور نحو معنى الوفاء، حيث تستريح النفس بعيداً عن الخوف من الغش والغدر والخداع والخيانة.
ماذا عن الصداقة في الإسلام؟
قال رسول الله ﷺ “المَرْءُ على دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ”. ويقول الناس في المَثَل: قل لي من تصاحب أقل لك من أنت.
إن الصداقة في الإسلام ليست محض رابطة تقوم على المودة، بل هي مسؤولية وتأثير متبادل ذو بُعدين، ولا يكفي التوافق الدنيوي لقيامها، بل لا بد أن تُؤسس على تقوى الأصحاب وما يُبدونه من صدق وإحسان ووفاء.
كيف تجلى مفهوم الصداقة بالأدب والشعر؟
شغل مفهوم الصداقة في الأدب العربي القديم والحديث مساحة واسعة من اهتمام الشعراء والأدباء على مر العصور، وربطوا مفهوم الصداقة بقيم الصدق والشفافية في التعامل، والوفاء والإخلاص، والكرم النفسي.
تظل الصداقة مرآة للإنسان، تُظهر ما في قلبه من صفاء أو زيف. ومن حَظِيَ بصديقٍ صادقٍ، فقد امتلك كنزًا ثميناً لا يُباع ولا يُشترى.
الصداقة ما بين الغدر والوفاء
يقول الشاعر العباسي ابن الرومي: “عدوك من صديقك مستفاد فلا تستكثرنَّ من الصِّحابِ”. كثيراً ما نسمع، في جلساتنا العامة والخاصة، الأحاديث عن غدر الأصدقاء وخياناتهم.
غير أن جرح الخيانة لا يندمل بسهولة، وقد يبقى ندبة في الروفسؤال الله تعالى أن يُحيطَنا بالأصحاب الصالحين على طول الطريق، وأن يجعلنا وإياكم منهم أو ممن يحاولون على أقل تقدير، فوجه الحياة يبدو باسماً حين تستريح النفس في واحة الصداقة وتشعر بقربها وانتمائها وقدرتها على أن تكون وتُقبل كما هي.





