صادرات السجاد من أفغانستان.. تحديات كبيرة وآفاق واعدة
![](https://dailygulfnews.com/wp-content/uploads/2025/02/D8A8D984D8A77-1739190722-780x470.jpg)
كابل – تجاوزت صادرات أفغانستان من السجاد 9 ملايين دولار في النصف الأول من 2024، وفق إعلان وزارة الصناعة والتجارة الأفغانية، مما يعكس أهمية هذه الصناعة الحرفية باعتبارها أحد أهم قطاعات الاقتصاد وأكثرها تمثيلا للتراث الثقافي للشعب الأفغاني.
اهتمام عالمي
يقول المتحدث باسم وزارة الصناعة والتجارة الأفغانية، عبد السلام جواد إن أفغانستان صدّرت في النصف الأول من 2024 أكثر من 2400 طن من السجاد الأفغاني إلى مجموعة من الأسواق العالمية بقيمة تراوحت بين 8.7 ملايين و9 ملايين دولار.
وبرزت أسواق رئيسية للسجاد الأفغاني وفق المتحدث، منها باكستان وتركيا والإمارات وأوزبكستان وإيطاليا والولايات المتحدة والهند والصين.
ويضيف جواد في حديث للجزيرة نت: “تعمل الوزارة على تسهيل بيئة التجارة وتعزيز قدرة المنتجات الأفغانية على المنافسة العالمية، بما في ذلك السجاد، لتكون هذه الصناعة ركيزة أساسية في نمو الاقتصاد الوطني”.
ورغم أن السجاد يشكل نسبة صغيرة من إجمالي صادرات أفغانستان -التي تتجاوز مليار دولار- فإنه لا يزال يعتبر من المصادر الرئيسية للدخل الوطني في البلاد.
رمزية ثقافية وحرفية
والسجاد الأفغاني، بالإضافة إلى كونه منتجا اقتصاديا، هو جزء من هوية الشعب الأفغاني وتراثه الثقافي، وتتميز هذه الصناعة بتقنيات الحياكة اليدوية العالية الجودة، وتُستخدم فيها الخيوط المصنوعة من الصوف والحرير، مما يبرزها بين الصناعات العالمية.
وتتميز كل منطقة في أفغانستان بنمط خاص من السجاد يعكس خصوصيتها الثقافية، من سجاد قندهار ذي الألوان الدافئة إلى سجاد هرات المزخرف الذي يستوحي فنونه من الثقافة الفارسية.
ومن بين أهم مناطق صناعة السجّاد الأفغاني الولايات الشمالية مثل بلخ وجوزجان وفارياب وسمنجان وتخار، ويعد السجاد التركماني من أبرز وأغلى أنواع السجاد الذي يعكس ملامح عريقة للثقافة والتراث والفن.
وقال رئيس اتحاد صناع ومصدري السجاد الأفغاني، نور أحمد نوري: “سجاد أفغانستان له طابع خاص وهويّة مميزة، لا يمكن لأي سجاد آخر أن ينافسه في الأسواق العالمية. إنها صناعة تمتد جذورها عبر العصور، ولا تزال تحافظ على جودتها العالية”.
تحديات
رغم النجاحات التي تحققها صادرات السجاد الأفغاني، فإن صناعة السجاد في أفغانستان تواجه العديد من التحديات التي تؤثر على قدرتها التنافسية وفاعليتها في الأسواق العالمية، ومن أبرز هذه التحديات:
- المنافسة العالمية الشديدة: تواجه صناعة السجاد الأفغاني منافسة قوية من دول أخرى مثل إيران وتركيا، وهما تتمتعان بصناعات سجاد متميزة، مما يؤثر على حصة أفغانستان في الأسواق العالمية، خاصة في ظل تقنيات الإنتاج المتطورة للدولتين المنافستين.
ويشكو بعض تجار السجاد في أفغانستان من أن باكستان تصدر السجاد الأفغاني كصناعة باكستانية إلى الأسواق الدولية مما يؤثر سلبا على سوق السجاد الأفغاني وسمعته. - الأزمات الاقتصادية والسياسية: تؤثر الظروف الأمنية والسياسية التي تمر بها أفغانستان سلبا على استقرار الإنتاج، وتعيق توفير المواد الخام بشكل منتظم وترفع من تكاليف الإنتاج، مما يؤدي إلى تأثيرات مباشرة على القدرة التنافسية للسجاد الأفغاني في الأسواق الدولية.
- البنية التحتية اللوجستية: رغم الأهمية الكبرى لصناعة السجاد، لا تزال البنية التحتية اللوجستية في أفغانستان تحتاج إلى تحسينات كبيرة، إذ يفتقر البلد إلى بنية تحتية قوية في مجال النقل والشحن، مما يعوق وصول السجاد إلى الأسواق العالمية بشكل أسرع وأكثر فعالية.
- التأشيرات والتجارة الدولية: يواجه التجار والمصدرون الأفغان تحديات في الحصول على تأشيرات سفر إلى العديد من الدول، مما يعوق حضورهم في المعارض التجارية الدولية، الأمر الذي يجعل من الصعب التوسع في أسواق جديدة وتعريف العالم بالسجاد الأفغاني.
- الافتقار إلى التكنولوجيا الحديثة: بينما يتمتع السجاد الأفغاني بجودة عالية بفضل الحرفية اليدوية، فإن القطاع يفتقر إلى تقنيات الإنتاج الحديثة التي من شأنها رفع الإنتاجية وتقليل الكلفة، مما يجعل السجاد الأفغاني أغلى من السجاد الذي يكون من إنتاج المصانع في بعض الدول المنافسة.
حياكة السجاد
في الآونة الأخيرة، ومع ارتفاع معدلات البطالة في أفغانستان، اتجه بعض سكان العاصمة الأفغانية كابل إلى حياكة السجاد كوسيلة لمواجهة التحديات الاقتصادية.
يقول مصطفى، أحد سكان كابل، للجزيرة نت إنه بدأ حياكة السجاد مع أسرته بعد أن فقد وظيفته، مضيفا: “الأعمال أصبحت قليلة، والآن لا يوجد أي عمل. كنت أعمل سابقا في صناعة السجاد، واليوم قررت أن أعود إلى هذا العمل لتأمين بعض الدخل”.
ويقول مواطن أفغاني آخر يدعى مهدي إنه عمل 4 سنوات في مخبز، بينما كان أفراد أسرته يعملون في صناعة السجاد، ويضيف: “اليوم، قررت أن أشارك في صناعة السجاد لتأمين مصدر دخل ثابت لعائلتي”.
من جانبه، يقول محمد حسن، مسؤول في أحد ورش حياكة السجاد، إن عدد الأشخاص الذين بدؤوا في تعلم حياكة السجاد قد ازداد بشكل ملحوظ منذ بداية فترة حكومة طالبان، خاصة مع تزايد الطلب على السجاد في فصل الشتاء.
دور الحكومة في تعزيز الصادرات
من جهة أخرى، يعتقد اتحاد صناع ومصدري السجاد الأفغاني أن زيادة إنتاج السجاد سيسهم بشكل كبير في تعزيز صادراته، ويقول نور أحمد نوري نائب رئيس الاتحاد: “عندما يزيد الإنتاج، فإن صادرات السجاد ستزداد أيضا. حاليا، يتم تصدير 95% من السجاد الأفغاني إلى الخارج، بينما يتم بيع 5% فقط داخل أفغانستان”.
وتعد حياكة السجاد من الصناعات المهمة في البلاد، إذ يشارك فيها معظم المواطنين في ولايات شمالي أفغانستان، خاصة في جوزجان وبلخ وفارياب وسربل.
طلب من النساء
في ولاية بدخشان شمالي أفغانستان، زادت بشكل ملحوظ أعداد النساء اللاتي يعملن في صناعة السجاد، ولفت العديد من الحرفيين إلى أن إنتاج السجاد في هذه الولاية زاد بصورة كبيرة، غير أن المشكلة الرئيسية التي تواجههم هي نقص الأسواق لبيع المنتجات.
![احدى ورش حياكة السجاد في ولاية بدخشان شمالي أفغانستان](https://dailygulfnews.com/wp-content/uploads/2025/02/بلا6-1739190716.jpg)
وتقول رويا، إحدى الحرفيات في ولاية بدخشان: “ثمة تحديات في هذا المجال، مثل عدم وجود سوق أو أجهزة لغسل السجاد. إذا تم حل هذه المشاكل، يمكن أن تباع منتجاتنا بشكل جيد”.
وتقول سهيلة، حرفية أخرى: “نطلب من الحكومة الأفغانية أن تفتح لنا سوقا لنتمكن من بيع منتجاتنا”.
ويُعزى ارتفاع الإنتاج في بدخشان إلى انضمام العديد من الفتيات اللاتي كن يتلقين التعليم، لكن تم توقف تعليمهن بسبب الظروف الراهنة، فبدأن العمل في صناعة السجاد.
في هذا السياق، قال المسؤول في اتحاد حائكي السجاد في ولاية بدخشان، عبد العلي يفتلي للجزيرة نت: “العديد من الفتيات اللواتي كن في المدارس، واللواتي كن في المنزل بلا عمل، بدأن الآن في حياكة السجاد، مما ساهم بشكل كبير في نمو هذه الصناعة”.
تجدر الإشارة إلى أن مديرية الصناعة والتجارة في ولاية بدخشان تعمل على تعزيز تسويق المنتجات الحرفية الخاصة بالنساء من خلال إنشاء مركز تجاري خاص بهن وتنظيم المعارض لتسويق السجاد المحلي.
وأكد مدير شؤون المشاريع في مديرية الصناعة والتجارة في ولاية بدخشان، ثمر الدين رحماني للجزيرة نت أن المديرية تعمل بشكل جاد على فتح أسواق لهذه المنتجات وتنظيم معارض للمنتجين المحليين.
ووفقا للإحصاءات الرسمية، يعمل أكثر من ألف امرأة في 15 من أقاليم ولاية بدخشان في مجال تجارة السجاد، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد في المستقبل القريب.
آفاق واعدة
تسعى أفغانستان إلى تعزيز صادراتها من السجاد عبر تنظيم معارض محلية ودولية، تهدف إلى فتح أسواق جديدة وتعريف المستهلكين بجودة المنتجات الأفغانية، وفي هذا السياق، يعتقد التجار والحرفيون أن إقامة معارض دولية ستزيد من فرص تصدير السجاد إلى مختلف أنحاء العالم.
وقال أمان الله عزيز، أحد بائعي السجاد الأفغاني، في حديث للجزيرة نت: “نأمل أن تفتح الحكومة الأفغانية الممرات الجوية، لتسهيل تصدير السجاد إلى أوروبا وأميركا وأستراليا. فتح هذه الممرات سيساعد في تعزيز صادراتنا إلى أسواق أكبر، ويسهم في تقديم منتجاتنا لجمهور أوسع”.
دور الحكومة والاتحاد
في إطار جهود الحكومة الأفغانية لدعم صناعة السجاد، قال عضو اتحاد سجاد أفغانستان، أحمد زاده: “يجب على الحكومة الأفغانية أن تستمر في توفير التسهيلات التجارية للمصنعين والمصدرين، بما في ذلك دعم تنظيم المعارض المحلية والدولية، وتحسين المرافق اللوجستية لتسهيل التصدير”.
وأضاف: “إذا تم توفير المزيد من الدعم في ما يتعلق بإصدار التأشيرات للتجار وتفعيل الممرات الجوية، فإن صادرات السجاد ستنمو بشكل ملحوظ، مما سيسهم في توفير فرص عمل إضافية وتحقيق النمو الاقتصادي”.
بين التحديات والفرص
بينما تواجه صناعة السجاد في أفغانستان تحديات متعددة على صعيد المنافسة العالمية والظروف الاقتصادية، فإن ثمة فرصا كبيرة للنمو والتوسع في أسواق جديدة من خلال تحسين التسهيلات التجارية وتنظيم المعارض.
ومع استمرار جهود الحكومة والقطاع الخاص، يمكن أن يشهد السجاد الأفغاني مستقبلا مشرقا يعزز مكانته كأحد أهم الصادرات الأفغانية على الساحة العالمية.