Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخر الاخبار

صورة طفل فلسطيني بوجه غائر وذراع هزيلة تشعل حملة تضليل رقمية عالمية

بين صورة تلخّص عملية التجويع، وأخرى تشكك في وجودها، وجد الطفل الغزّي محمد المطوق نفسه في قلب معركة رقمية لم يخترها.

صورة واحدة، لوجه غائر وذراع هزيلة، وجسد نُحتت تفاصيل عظامه من الجوع، كانت كفيلة بأن تتصدر الصفحات الأولى لصحف عالمية كبرى، وتختصر في ملامحها مأساة آلاف الأطفال في غزة الذين أنهكهم الحصار والتجويع.

لكن ما إن بدأت هذه الصورة تتنقل بين الشاشات والمنصات، حتى انطلقت في الجهة المعاكسة حملة رقمية مضادة، تقودها حسابات إسرائيلية، بعضها رسمي، وأخرى ذات طابع منسق، تحاول النيل من مصداقية الصورة، والطعن في الرواية الإنسانية التي حملتها إلى واجهة الرأي العام الدولي.

هل يعاني محمد المطوق من المجاعة فعلا أم إن الصورة جرى استخدامها في سياق مضلل كما تدعي تلك الحسابات؟ ولماذا تركّز الهجوم على هذا الطفل تحديدا؟ وما سر تزامن الحملة مع اتساع تغطية الإعلام الدولي لمأساة غزة؟

في هذا التقرير تتبعنا جذور الحملة، ورصدنا تفاعلاتها، وقابلنا الصورة بالوثيقة، وسردية الاحتلال بالشهادة، في محاولة لفهم ما وراء الهجوم.. وما يخفيه من سرديات مضادة.

تضليل إسرائيلي منسق

رصدت وكالة “سند” للرصد والتحقق الإخباري في شبكة الجزيرة حملة رقمية شاركت فيها حسابات إسرائيلية، سعت إلى إنكار المجاعة التي يعاني منها سكان غزة، والتشكيك في وسائل الإعلام الدولية التي تنقل حقيقة الأوضاع الإنسانية في القطاع.

 

 

واستندت الحملة إلى نشر معلومات مغلوطة، وترويج سرديات مضللة، والتشكيك في الصور والمقاطع التي توثق معاناة السكان، لا سيما الأطفال، بهدف تقويض التعاطف العالمي مع الفلسطينيين وتقليب الرأي العام ضد التغطية الإنسانية.

الصورة تتصدر الصحف العالمية

وفي 25 يوليو/تموز الجاري، تصدّرت صورة الطفل محمد المطوّق غلاف صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، ورافقها عنوان يصف سوء التغذية في غزة بأنه يهدد حياة الأطفال.
سرعان ما انتشرت الصورة في وسائل إعلام عالمية مرموقة، بينها الغارديان وديلي ميرور البريطانيتان، تحت عناوين مثل “أطفال غزة يموتون جوعا”، و”طفل يبلغ من العمر عاما ونصفا يواجه المجاعة”.

كما غطّت الصورة منصات إعلامية كبرى مثل “سي إن إن”، وبوليتكو، ووصفتها بأنها “مروعة”، مستعرضة تفاقم أزمة الجوع في القطاع بفعل استمرار الحرب وعرقلة دخول المساعدات.

تشكيك وتهكم

تزامنا مع هذه التغطية، شنت حسابات إسرائيلية -من بينها حسابات موثقة- حملة تشكيك ضد صورة الطفل، وادعت أنه لا يعاني من المجاعة، بل من “اضطراب عضلي”، متسائلة “لماذا لا تظهر والدته أو شقيقه بالوضع ذاته؟”.

 

 

وظهر وسم “محمد المطوق” باللغتين العربية والإنجليزية ضمن أبرز الوسوم على منصة “إكس”، مصحوبا بتعليقات ساخرة، منها “الطفل مريض منذ الولادة.. فبركة دعائية جديدة ضد إسرائيل.. الصورة معدلة أو توليد ذكاء اصطناعي”.

 

لم تقف الحملة عند الحسابات الشخصية، بل شارك فيها وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي، عبر إعادة نشر تدوينة للمحامي الأميركي ليو تيريل -رئيس فريق مكافحة معاداة السامية في حملة الرئيس دونالد ترامب- قال فيها إن “الصورة جزء من بروباغندا حماس”، متهما الإعلام الغربي بـ”تشويه صورة إسرائيل باستخدام صور من صراعات أخرى أو لأطفال مرضى”.

 

وكتب تيريل على حسابه الرسمي بمنصة إكس “بالضبط، صور لأطفال من صراعات أخرى، وأطفال يعانون من أمراض وراثية، وصور معدّلة أو منتجة بالذكاء الاصطناعي، كل ذلك بهدف تشويه صورة إسرائيل”، مطالبا وسائل الإعلام بالتوقف عن ترويج دعاية حماس، وفق تعبيره.

وثائق طبية تفنّد الادعاء

تحققت “سند” من المعلومات المتداولة، واطلعت على ملف الطفل محمد المطوق في العيادات الخارجية التابعة لمستشفى الرنتيسي-النصر للأطفال، بوزارة الصحة في غزة.

وتُظهر الوثائق الرسمية أن الطفل وُلِد بتاريخ 23 ديسمبر/كانون الأول 2023، ويعاني من آثار نقص أكسجين عند الولادة، مما سبب له ضمورا دماغيا وقصورا في القدرات الحركية، ويحتاجا تغذية خاصة، وأن حالته تطورت إلى سوء تغذية حاد خلال الحرب، وهو ما لم تذكره الحسابات الإسرائيلية المشاركة في الحملة.

 

صورة للتقرير الطبي لحالة الطفل محمد المطوق (وكالة سند)

 

 

 

سوء تغذية حاد

في تصريحات خاصة لـ”سند” أكدت والدة الطفل هداية المطوق أن ابنها البالغ من العمر عاما وسبعة أشهر “وُلد ولم يكن يعاني من سوء التغذية المهدد لحياته”، رغم معاناته بسبب نقص الأكسجين وارتخاء العضلات.

كما ظهرت والدته، في مقطع فيديو عبر “إنستغرام” قالت فيه إن طفلها “كان يمارس حياته مثل أي طفل طبيعي، قبل معاناته من سوء تغذية سام”.

 

 

 

وأكدت أن وزنه انخفض من 9 إلى 6 كيلوغرامات بسبب الحرب والمجاعة، لافتة إلى أنها تعيش في خيمة مؤقتة بدون خدمات أساسية.

 

 

وخلال تصوير الفيديو، رفعت المطوق صورة قديمة لطفلها الصغير، الذي بدا في حالة طبيعية، قبل تأثره بسبب قلة الطعام ونقص الحليب، مما يدحض الرواية الإسرائيلية حول عدم معاناة الطفل من سوء التغذية أو تأثره بأوضاع الحرب.

ويعكس الهجوم الرقمي على صورته جزءا من سردية أوسع، تسعى لتقويض تأثير المشاهد الإنسانية القادمة من القطاع، والتشويش على التقارير التي تنقل حقيقة ما يجري تحت الحصار والقصف.

وقالت وزارة الصحة في غزة، اليوم الاثنين، إن مستشفيات القطاع سجلت 14 حالة وفاة جديدة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية بسبب سوء التغذية، ليرتفع إجمالي وفيات المجاعة إلى 147 حالة، من بينهم 88 طفلا.

ويقف قطاع غزة على أعتاب كارثة إنسانية غير مسبوقة، تهدد حياة عشرات آلاف الأطفال الرضّع، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي في منع إدخال حليب الأطفال منذ 150 يوما متواصلة، في وقت يُقدر فيه عدد الأطفال دون سنّ العام الواحد في القطاع بأكثر من 40 ألف رضيع.

ويحذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة من أن نحو 650 ألف طفل فلسطيني يواجهون خطر الموت، بسبب الجوع وسوء التغذية ونقص الغذاء، مع تعثر دخول المساعدات واستمرار سياسة الحصار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى