عميد مسجد باريس: توصيات مجلس الشيوخ الفرنسي مثيرة للانقسام وللشكوك وللريبة

انتقد شمس الدين حفيظ، عميد مسجد باريس الكبير، تقريرًا حديثًا صادرًا عن مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي، يتضمن توصيات تهدف إلى مكافحة ما يصفونه بـ”التغلغل الإسلاموي” في المؤسسات العامة. يثير هذا التقرير جدلاً واسعًا حول مستقبل العلاقة بين الدولة الفرنسية والمجتمع المسلم، ويُعد بمثابة تصعيد في النقاش الدائر حول الإسلاموية في فرنسا.
ووفقًا لصحيفة لوفيغارو، يرى حفيظ أن التقرير يخلط بشكل خطير بين الدين الإسلامي وأيديولوجية الإسلاموية، مما يؤدي إلى وصم جماعي للمسلمين ويقوض الحريات الأساسية. وأكد أن هذه الإجراءات المقترحة تغذي مناخًا من الشك والتمييز، وتضر بجهود الاندماج والتعايش السلمي في المجتمع الفرنسي.
التقرير ومخاوف من وصم المسلمين
التقرير الذي أعده أعضاء من حزب الجمهوريين في مجلس الشيوخ الفرنسي، ويضم 17 توصية، يركز على ما يعتبرونه محاولات لتغيير المجتمع الفرنسي من خلال تبني أفكار دينية متطرفة. ويصف التقرير الإسلاموية بأنها “أيديولوجيا تهدف إلى تغيير المجتمع الفرنسي وفق معايير دينية متطرفة، مما يشكل مشروعًا انفصاليًا ممنهجًا طويل الأمد”.
ينتقد حفيظ بشدة بعض المقترحات الواردة في التقرير، مثل حظر صيام شهر رمضان على القاصرين دون سن 16 عامًا، واصفًا إياها بالجهل بالتعاليم الدينية ومحاولة غير مبررة للتدخل في حياة الأفراد. ويرى أن هذه الإجراءات لا تحترم حرية المعتقد والعبادة المكفولة دستورياً.
تأثير المقترحات على الحريات الفردية
ويركز التقرير بشكل كبير على فرض قيود على المظاهر الدينية في الأماكن العامة. وتشمل هذه القيود المقترحة منع ارتداء الحجاب للفتيات دون سن 16 عامًا في الأماكن العامة، فضلاً عن تقييد ارتداء الحجاب من قبل المرافقات في المدارس. كما يثير التقرير مخاوف بشأن مراقبة شاملة للمساجد والأسر والممارسات الدينية، وهو ما يعتبره حفيظ بمثابة خلق “نظام استثنائي” يتعامل مع المسلمين بشكل مختلف عن أتباع الديانات الأخرى.
الجدير بالذكر أن هذه المقترحات تتوافق مع تحركات مماثلة داخل البرلمان الفرنسي، حيث يسعى لوران ووكييه إلى طرح قانون مشابه.
انتقادات واسعة النطاق للإجراءات المقترحة
بحسب حفيظ، فإن الإجراءات المقترحة لا تستهدف المتطرفين الحقيقيين، بل تركز على المصلين العاديين وتتعارض مع مبادئ حرية الضمير والدستور الفرنسي وكرامة المواطنين المسلمين. ويؤكد أن العديد من الممارسات الدينية التي تستهدفها هذه المقترحات هي ممارسات مشتركة بين جميع الديانات السماوية.
وحذر حفيظ من أن تنفيذ هذه التوصيات قد يؤدي إلى انتهاكات خطيرة للخصوصية، مثل مراقبة عادات الأطفال الغذائية خلال شهر رمضان وفحص المظاهر الدينية في الأماكن العامة، مما يثير قلقًا بالغًا بشأن حقوق الإنسان والحريات المدنية. ويعتبر أن هذه المراقبة الشاملة تشكل تحولاً كبيرًا في طبيعة العلاقة بين الدولة والمواطنين.
بالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن هذه الإجراءات قد تأتي بنتائج عكسية في مكافحة التطرف. ويرى حفيظ أن فرنسا تحتاج إلى نقاش هادئ وبناء يقوم على الاحترام والكرامة المتبادلة، وليس إلى قوانين تزيد من الانقسام وتهميش فئات معينة من المجتمع.
مستقبل النقاش حول الإسلاموية في فرنسا
يشدد حفيظ على أهمية احترام العلمانية، ولكن بصيغتها التي تحمي جميع الأديان وتضمن حرية المعتقد والعبادة. ويؤكد على ضرورة تبني سياسات شاملة تعزز الحوار والاندماج بدلًا من الإجراءات التي تزيد من التوتر والانقسام. ويرى أن التعامل مع قضايا التطرف يجب أن يتم من خلال استراتيجية متوازنة تجمع بين الحزم في تطبيق القانون وحماية الحريات الأساسية.
من المتوقع أن يشهد مجلس الشيوخ الفرنسي مناقشات مطولة حول هذا التقرير وتوصياته. وستكون هذه المناقشات بمثابة اختبار حقيقي لقدرة فرنسا على التعامل مع التحديات المرتبطة بالتنوع الديني والهوياتي، مع الحفاظ على قيم العلمانية والحرية والمساواة. الخطوة التالية ستكون مناقشة التقرير في لجنة داخلية قبل طرحه للتصويت العام. ويراقب المراقبون عن كثب رد فعل الحكومة الفرنسية تجاه هذه التوصيات، وما إذا كانت ستتبنى بعضها أو سترفضها بشكل كامل.





