فوائد الديون الحكومية بوابة الأرباح للبنوك الباكستانية

شهدت البنوك الباكستانية في الأشهر الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في أرباحها، محققة بعضاً من أعلى العوائد في آسيا، ويعزى هذا النمو إلى ارتفاع أسعار الفائدة بشكل كبير في البلاد على مدار العامين الماضيين، ما أدى إلى زيادة كبيرة في الأرباح المتأتية من الديون الحكومية التي تشكل الجزء الأكبر من الميزانية العمومية للبنوك.
وأفادت بيانات «إس آند بي غلوبال»، بأن 7 من المصارف الخمسة عشر التي حققت أعلى عائد إجمالي في الربع الثاني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تواجدت في باكستان، وتشمل «ستاندرد تشارترد باكستان» و«بنك الفلاح».
وتضاعفت الأرباح بعد احتساب الضرائب في القطاع المصرفي إلى 642.2 مليار روبية باكستانية، ما يعادل 2.3 مليار دولار في 2023، بحسب المركزي الباكستاني. وفي العام ذاته، انكمش اقتصاد باكستان، خامس أكبر دولة قياساً بعدد السكان، وسط واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في آسيا بالأعوام الأخيرة.
وقال محمد سهيل، الرئيس التنفيذي لدى شركة توبلاين سيكيوريتيز للوساطة، إن العامين الأخيرين، اللذين شهدا رفع المركزي أسعار الفائدة إلى نحو 20% لكبح التضخم الذي سجل مستويات عالية بلغت 38% في يونيو 2023، كانا «أوقاتاً للاحتفال بالنسبة للبنوك».
وأضاف: «كان المصرفيون ومساهموهم الأكثر سعادة في باكستان في هذه الأزمة الاقتصادية الأخيرة ودورة زيادة الفائدة».
تواجه باكستان أعباء ديون آخذة في الازدياد، حيث تخطى إجمالي نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 74%. وقد تضخم حجم الدين المحلي، الذي تتحمله إلى حد كبير المصارف التجارية التي تصطف على جانبي شارع «شاندريجار»، الذي يوصف بأنه «وول ستريت»، كراتشي، إلى أكثر من 43 تريليون روبية في مارس 2024، ما يعادل نصف الناتج المحلي الإجمالي تقريباً وبارتفاع من 11 تريليون روبية قبل عقد.
وبلغ الاقتراض الحكومي لدعم الموازنة 29 تريليون روبية بنهاية يونيو، ليتضاعف تقريباً من 15 تريليون روبية اقترضتهم الحكومة قبل 3 أعوام. وضخ «المركزي»، الذي يتخذ من كراتشي مقراً له، أموالاً إلى المصارف لضمان وجود ما يكفي من السيولة لتمويل أعباء الدين الحكومية المتزايدة.
وفي خضم دورات الانتعاش والانكماش في باكستان، ظلت السندات الحكومية مساراً خالياً من المخاطر لصافي إيرادات المصارف من الفوائد، خاصة خلال الركود الأخير.
وارتفع انكشاف البنوك على السندات الحكومية إلى أكثر من 54% من إجمالي الأصول، أو نحو 3 أضعاف المتوسط المسجل في الاقتصادات الناشئة، وفقاً لبيانات جمعتها «فيتش ريتنغز».
ويرى رحمت حسني، الرئيس التنفيذي لدى «ناشونال بنك أوف باكستان»، أحد أكبر المصارف في البلاد، أن «حيث كانت هناك فرصة للمصارف لتحقيق عوائد أعلى سيتم الاستفادة منها»، وتابع: «إنها أساسيات الاقتصاد».
و«حينما تكون هناك أوقات عصيبة، فأنت تعلم أن الفائدة سترتفع وستكون تعويضاً في الأساس عن انخفاض قيمة العملة»، بحسب ماتياس مارتينسون، كبير مسؤولي الاستثمار لدى شركة توندرا فوندر في ستوكهولم التي لديها صندوق للأسواق الناشئة الواعدة بقيمة 200 مليون دولار، وتحتل فيه باكستان ثاني أكبر الأوزان بعد فيتنام.
وحقق القطاع المالي طفرة تاريخية لسوق الأسهم في باكستان، حتى بينما كان الاقتصاد ككل في ركود، أما الاستثمارات، التي تمثل نحو 56% من إجمالي الأصول في القطاع المصرفي.
فقد ازدادت بمقدار 7 تريليونات روبية في 2023، بارتفاع يتجاوز 40% على أساس سنوي، وجاء 98% من التوسع من شراء السندات الحكومية، حسب ما أفادت بيانات المركزي.
وأشارت سانا توفيق، المحللة لدى شركة عارف حبيب ليميتد للوساطة، إلى تحقيق القطاع المصرفي نمواً سنوياً مركباً قدره 9% خلال العقد المنتهي في 2021، وهي النسبة التي قفزت إلى 45% في العامين المنصرمين.
ومع ذلك، يلوح خطر العجز عن السداد وإعادة هيكلة الدين المحلي الناتجة عنه في الأفق، مع معاناة البلاد ديوناً متراكمة دفعتها إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي لما يقرب من 24 مرة منذ تسلمها القرض الأول في 1958.
وكادت باكستان المتضررة جراء الأزمة تسقط في هوة التخلف عن السداد في يونيو 2023، قبل تقديم صندوق النقد الدولي الذي يتخذ من واشنطن مقراً له حزمة إنقاذ في اللحظات الأخيرة. وتمكنت باكستان من التوصل إلى اتفاق جديد للحصول على قرض جديد على مدار 3 أعوام بقيمة 7 مليارات دولار من الصندوق هذا الشهر.
وتستعيد الحكومة الباكستانية جزءاً كبيراً من أرباح المصارف عن طريق زيادة الضرائب، حيث اقتربت ضريبة كنسبة من الأرباح قبل الضرائب من 50% في العام الماضي، وفق تقرير صدر عن المركزي.
وسدد القطاع المصرفي ضرائب على الدخل بقيمة 618 مليار روبية في 2023، أي قرابة ضِعف القدر الذي دفعه في العام السابق، بحسب البيانات الصادرة عن رابطة المصارف الباكستانية التي تتخذ من كراتشي مقراً لها.
يتمثل الوجه الآخر للانكشاف الكبير على الحكومة في أن المصارف لم يتبقَ لها إلا القليل لإقراض القطاع الخاص.
وفي آخر اجتماعاتها، أعربت لجنة السياسة النقدية في المركزي عن قلقها بشأن «ازدياد الاعتماد على المصارف لتمويل العجز، ما يضغط على إمكانية اقتراض القطاع الخاص».
وتوجد لدى باكستان واحدة من أدنى معدلات الائتمان المحلي للقطاع الخاص كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغت النسبة ما يقل عن 12% في 2023، بانخفاض من 24% في 2008، بحسب البنك الدولي.
وقالت سانا توفيق من «عارف حبيب»: «نادراً ما كانت الظروف الاقتصادية في باكستان مشجعة للشركات على الحصول على قروض، حيث تخشى المصارف القروض المتعثرة».
وأضافت: «حينما يكون بإمكان المصارف الحصول على عوائد أفضل من استثمارات خالية من المخاطر، فلن يكون هناك حافز لها لتحمل خطر الإقراض» إلى القطاع الخاص.
ويعتقد مصرفيون في أن أرباح العامين الماضيين ستمنح المصارف الحماية التي تحتاجها للرهان على الشركات الصغيرة والمتوسطة الأكثر خطورة في باكستان.
وقال حسني إن «الأرباح الأعلى مكنتنا من تعزيز قاعدتنا لرأس المال، وبالتالي فإننا نتمتع بقدرة أعلى على استيعاب مخاطر إقراض القطاع الخاص في المستقبل».
ورجح مصرفيون ومحللون أن تظل باكستان بلداً صعباً بالنسبة للإقراض، وهي ذات اقتصاد غير رسمي وغير مصرفي إلى حد كبير وذات حماية قانونية ضعيفة وسياسات متقلبة. وقال حسني: «لن نشهد فورة في المعروض من الائتمان الخاص حينما تنخفض أسعار الفائدة».