تغيير التخصص الجامعي هدر لسنوات الدراسة

يعد اختيار التخصص الجامعي من القرارات المهمة والتجارب المصيرية التي يمر بها الطلبة عموماً، حيث يقفون بين رغباتهم وطموحاتهم من جهة، ورغبات الأهل ومتطلبات سوق العمل ومعدل الثانوية العامة من جهة أخرى، فضلاً عن إصرار بعض الأهالي والطلبة على اختيار تخصصات بعينها لأسباب نفسية أو مجتمعية بغض النظر عن مدى ملاءمتها لمستوى الطالب أو ميوله، أو حتى الخطط والتوجهات المستقبلية بشأن تلك التخصصات.
هذه المعادلة الصعبة تضع الطلبة أحياناً أمام خيارات قد تبدو صعبة ومعقدة، وربما تؤثر في حياتهم ومستقبلهم ومصيرهم الوظيفي، وأهمها قرار تغيير التخصص الجامعي، الذي غالباً ما يواجه من قبل ذوي الطالب والمحيطين به بالرفض، وقد يكون الطالب نفسه في حيرة بين الاستمرار في تخصصه الحالي الذي لا يجد فيه شغفه، أو أن قدراته ومهاراته لا تتلاءم مع هذا التخصص، وبين الانتقال إلى تخصص آخر لا يعلم إن كان سينجح ويستمر فيه أم لا، خصوصاً إذا كان قد تخطى سنتين أو أكثر من الدراسة الجامعية، الأمر الذي يجعل قراره تحدياً وخياراً صعباً.
معايير
وقال عدد من الأكاديميين والخبراء لـ«البيان»، إن هناك معايير تتحكم في اختيار الطالب للتخصص الجامعي، مثل التوقعات المستقبلية لسوق العمل، توفر فرص العمل، الميول الشخصية للطالب، مهاراته وقدراته، رغبات الأهل، والإمكانات المادية.
كما أشاروا إلى أن عدة معوقات قد تواجه الطالب في اختيار التخصص الصحيح، من بينها ضعف الإرشاد المدرسي والأسري، تعدد جهات الإرشاد، التغيرات السريعة في سوق العمل، الاعتماد على نتائج الثانوية في اختيار التخصص، غياب التخطيط المستقبلي لدى الطالب، وعدم دراية الطلبة بالتخصصات الحديثة ووظائف المستقبل.
واقترحوا حلولاً للتغلب على تحديات اختيار التخصص، مثل استحداث مساقات دراسية في المدارس للتعريف بوظائف وتخصصات المستقبل، تنظيم زيارات دورية للمدارس لتعريف الطلبة بأهم التخصصات الجديدة، ترك حرية الاختيار للطالب دون ضغوط، تخصيص مشرف أكاديمي في المراحل الثانوية.
أحلام وطموحات
يرى البروفيسور خالد محمد خليفة المري عميد البحوث ورئيس قطاع البحوث والابتكار والمشاريع الخاصة في الجامعة البريطانية بدبي، أن بعض الطلبة قد ينساقون وراء أحلامهم وطموحاتهم من دون الالتفات إلى المؤشرات المستقبلية لمتطلبات سوق العمل أو إلى آراء الآخرين الأكثر اطلاعاً منهم، والبعض الآخر ينتقي تخصصه استناداً إلى آراء أسرته أو أصدقائه أو حتى إلى ما تشير إليه تحليلات السوق في الوقت الراهن، فيما يلجأ آخرون إلى التخصص الذي يظنون أنه سيوفر لهم حياة أفضل ويحقق لهم مستقبلاً مهنياً مرموقاً، الأمر الذي يدخل الطالب في دوامة بين تحقيق ميوله ورغباته من ناحية، وبين رغبة الآخرين وتوقعات السوق الوظيفية من ناحية أخرى.
قرار مهم
من جانبه، يؤكد الدكتور عبدالله إسماعيل الزرعوني الأستاذ في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة روشستر للتكنولوجيا بدبي، أن قرار تغيير التخصص الجامعي عند الطلبة يعتبر من القرارات المهمة التي تحتاج إلى تفكير عميق واستشارات كثيرة، ولا يمكن القول إن هذا القرار صائب أو خاطئ، لاسيما إذا لم تتوافق مهارات وميول الطالب مع التخصص الذي اختاره نتيجة عوامل متعددة، أهمها ضغط الأهل على الطالب وتوجيهه وإجباره على اختيار تخصص بعينه.
وأوضح أن تغيير التخصص خلال فترة الجامعة لا يدل أبداً على ضعف الطالب أو فشله أو عدم قدرته على الاستمرار في التخصص الأول، مشيراً إلى أنه ليس من السهل على أي طالب أن يضيع سنوات من حياته عبثاً إلا لأسباب مقنعة من وجهة نظره.
ورش توعوية
بدوره، يقول الدكتور محمد المصلح الأستاذ المساعد في كلية الهندسة والعلوم الفيزيائية وعضو لجنة الذكاء الاصطناعي للتعليم والتعلم في جامعة «هيريوت وات» بدبي: بالنسبة لاختيار الطلبة للتخصصات الجامعية، يجب أن تتشكل رغبات وميول الطالب في المرحلة الثانوية على أقصى تقدير، مشيراً إلى أهمية أن تنظم الجامعات والمؤسسات التعليمية زيارات لطلبة المدارس في مدارسهم، وتعقد ورشاً توعوية لهم بهدف مساندتهم وتشجيعهم على اختيار التخصصات المناسبة قبل دخولهم الجامعة، لافتاً إلى أهمية وجود خطط عملية مدروسة تقوم بها الجامعات بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم في كيفية اختيار الطالب للتخصص الذي يتناسب مع ميوله ورغباته، وأكد أن جامعة هيريوت وات تنظم ورش «مهندس ليوم واحد» لطلاب المدارس الثانوية لتعريفهم بماهية التخصص».
دور المدرسة
تقول المعلمة ريهام فوزي، إن المدارس هي البيئة الثانية بعد المنزل وحجر الأساس في تأهيل الطالب لمواجهة التحديات المستقبلية، حيث يتلقى فيها الرعاية والتشجيع على اكتساب وتنمية المهارات اللازمة لاتخاذ القرارات السليمة ومن ثم تنميتها وتعزيزها.
وأكدت أنه في ظل تركيز الدولة على مفهوم تطوير رأس المال البشري بمعايير تعليمية عالية، وبما يماشى مع الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي 2030 لتعزيز وزيادة الخبرات والمعارف المستدامة القائمة على الابتكار، فإنه من الضروري توسيع نطاق المنهاج الدراسي ليشمل عدة مواضيع توسع بدورها آفاق الطالب، من خلال إكسابه المعارف المتنوعة ليتمكن من تحديد مستقبله المهني والوظيفي.
دوافع نفسية
وحول الدوافع النفسية والاجتماعية لتغيير الطلبة للتخصص الدراسي عقب التحاقهم به، أوضح محمد علي النجفي، الخبير النفسي، أن هناك حالة نفسية يواجهها أغلب الأهالي والطلبة تسمى بـ«متلازمة كليات القمة» مثل كليات الطب والهندسة، وهذه الحالة تدفعهم إلى الاعتقاد بأنها التخصصات الأفضل، ويشعرون بالإحباط في حال التحق أبناؤهم بكليات أخرى «أقل منها في المستوى» بحسب تصورهم.
وأضاف أن تغيير التخصص له جانبان، الأول يتمثل في عدم وجود رؤية واضحة بشأن محتوى التخصص لدى الطالب وذويه، والثاني هو عدم فهم احتياجات سوق العمل بدقة وعدم الاطلاع المستمر على متغيراته، بالإضافة إلى بعض المعتقدات والمفاهيم الخاطئة التي تجعل الأهل يصرون على التحاق أبنائهم بـ«كليات القمة» ولا يرضون بغيرها بديلاً، وهذا يحتاج إلى أن يكون الطالب على دراية كافية منذ المرحلة الثانوية بالتوجهات والخطط المستقبلية.
شقان ويرى النجفي أن الإرشاد الأكاديمي أمر مهم ويعتمد على شقين، الأول توضيح التخصصات والمتطلبات التي تتلاءم واهتمامات الطلبة الشخصية وقدراتهم، والثاني هو مدى حاجة سوق العمل للتخصص، مشيراً إلى أن الطالب في حال استمر مجبراً على استكمال سنواته الدراسية في تخصص لا يرغبه سيؤثر ذلك سلباً على إنتاجيته في العمل الذي سيلتحق به واندماجه فيه، الأمر الذي سيؤثر فيه سلباً من مختلف النواحي.