فورين بوليسي: 3 دروس تعلمتها الصين من الولايات المتحدة

ترى الباحثة يو جيه أن الولايات المتحدة قدمت للصين نموذجًا قويًا لبناء القوة العالمية، وهو ما يفسر بعض السلوكيات الصينية الحالية التي تعتبرها واشنطن تهديدًا. وتوضح خطة الصين الخمسية القادمة (2026-2030) كيف استوعبت بكين الدروس المستفادة من الولايات المتحدة، وأعادت صياغتها لتتناسب مع طموحاتها الدولية. هذا التحول في الاستراتيجية الصينية يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين.
وتستعرض الكاتبة، وهي باحثة أولى في معهد تشاتام هاوس، ثلاثة دروس رئيسية تعلمتها الصين من منافستها التقليدية، مما يدل على مدى استفادة بكين من خبرة واشنطن في مجال السياسة الدولية. هذه الدروس تتعلق ببناء المرونة الاقتصادية، وتسليح الاقتصاد، وتجنب التدخلات العسكرية المباشرة.
الدرس الأول: بناء المرونة الاقتصادية
أحد أهم الدروس التي استخلصتها الصين هو أهمية المرونة الاقتصادية. يعود هذا المفهوم إلى ستينيات القرن الماضي، عندما واجهت الصين صعوبات في الحصول على التكنولوجيا بسبب مقاطعتها من قبل الاتحاد السوفيتي. أدرك قادة الصين حينها أن الاعتماد على الخارج يمكن أن يجعل اقتصاد البلاد هشًا.
وفي السنوات الأخيرة، ومع تزايد التوترات مع الولايات المتحدة، أصبحت بكين أكثر وعيًا بمدى اعتمادها على سلاسل التوريد العالمية للتكنولوجيا المتقدمة. نتيجة لذلك، أطلقت الصين مبادرات لتعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الخارج في القطاعات الحيوية، مثل أشباه الموصلات.
هذه السياسات تعكس بشكل كبير السياسات الصناعية التي اتبعتها الولايات المتحدة في الماضي، والتي هدفت إلى تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الأميركي وحماية مصالحه الوطنية.
الدرس الثاني: تسليح الاقتصاد
تعتبر الصين أن استخدام الأدوات الاقتصادية كأداة للضغط السياسي هو درس مهم تعلمته من الولايات المتحدة. لطالما استخدمت واشنطن ضوابط التصدير والعقوبات الاقتصادية للدفاع عن مصالحها وتعزيز أهدافها السياسية، خاصة خلال فترة الحرب الباردة.
وقد بدأت الصين في تطبيق استراتيجيات مماثلة، من خلال فرض قيود على صادرات بعض المواد الخام الاستراتيجية، مثل الغاليوم والجرمانيوم، وإصدار قوانين جديدة للتحكم في الصادرات. تهدف هذه الإجراءات إلى حماية الشركات الصينية وتعزيز نفوذها في الأسواق العالمية.
بالإضافة إلى ذلك، أنشأت الصين قائمة “الكيانات غير الموثوقة” التي تتضمن الشركات والمنظمات التي تعتبرها معادية لمصالحها. هذه القائمة يمكن أن تستخدم لفرض عقوبات على هذه الكيانات وتقييد وصولها إلى السوق الصينية.
الدرس الثالث: تجنب التدخلات العسكرية
تدرك الصين المخاطر والتكاليف المرتبطة بالتدخلات العسكرية في النزاعات الخارجية. لقد شهدت الولايات المتحدة تجارب مؤلمة في فيتنام والعراق وأفغانستان، حيث استنزفت هذه الحروب مواردها وأضعفت نفوذها.
لهذا السبب، تتبع الصين سياسة خارجية أكثر حذرًا وانضباطًا، تركز على حماية مصالحها الأساسية وتجنب الانخراط في صراعات لا تستطيع السيطرة عليها. في منطقة الشرق الأوسط، على سبيل المثال، تحافظ الصين على علاقات جيدة مع دول مختلفة، بما في ذلك إيران والسعودية، وتتجنب اتخاذ مواقف متطرفة.
على الرغم من تصاعد التوترات في تايوان وبحر الصين الجنوبي، تدرك بكين أن التورط في حرب واسعة النطاق يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على اقتصادها ومكانتها الدولية. لذلك، تسعى الصين إلى حل هذه النزاعات بالطرق السلمية والدبلوماسية.
في الختام، تشير هذه التطورات إلى أن الصين تتبنى استراتيجية متكاملة تهدف إلى تعزيز قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، مع تجنب الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في الماضي. من المتوقع أن تستمر الصين في تنفيذ خطتها الخمسية القادمة، مع التركيز على تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاعات الحيوية وتوسيع نفوذها في الأسواق العالمية. يبقى أن نرى كيف ستتفاعل الولايات المتحدة مع هذه التحديات، وما إذا كانت ستتمكن من الحفاظ على مكانتها كقوة عظمى مهيمنة في النظام الدولي. يجب مراقبة التطورات في العلاقات التجارية والتكنولوجية بين البلدين، بالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية في مناطق مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي.





