فوز كاست برئاسة تشيلي يكرس التحالفات اليمينية في أميركا اللاتينية

شهدت أمريكا اللاتينية تحولًا ملحوظًا نحو اليمين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو ما تجسد بوضوح في فوز خوسيه أنطونيو كاست، المرشح اليميني المتطرف، في الانتخابات التشيلية. يعكس هذا الاتجاه تزايد المطالب بإجراءات صارمة لمكافحة الهجرة وتأمين الحدود، على غرار السياسات التي يتبناها قادة مثل دونالد ترامب في الولايات المتحدة ونجيب بوكيلة في السلفادور.
في 15 ديسمبر 2025، انتخب 58% من الناخبين التشيليين خوسيه أنطونيو كاست (59 عامًا) رئيسًا للبلاد، متفوقًا بفارق كبير على منافسته جانيت خارا، التي تمثل تحالفًا يساريًا واسعًا وحصلت على 42% من الأصوات. سيتولى كاست منصبه في مارس/آذار القادم، ليصبح أول زعيم من اليمين المتطرف يحكم تشيلي منذ نهاية الديكتاتورية العسكرية في عام 1990.
صعود اليمين في أمريكا اللاتينية: تحليل للاتجاهات الانتخابية
لا يقتصر هذا التحول على تشيلي فحسب، بل يمتد ليشمل دولًا أخرى في المنطقة. ففي هندوراس، يشير فرز الأصوات الجزئي إلى تقدم المرشح المحافظ نصري عصفورة، المدعوم من ترامب، بفارق ضئيل على منافسه سالفادور نصر الله. وقد أدلت الرئيسة الهندروسية المنتهية ولايتها، زيومارا كاسترو، باتهامات بالتزوير والتدخل الخارجي في الانتخابات.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اختارت بوليفيا رودريغو باز، رئيسًا من يمين الوسط، منهية بذلك عقدين من الحكم الاشتراكي. كما تولى المحافظ خوسيه خيري منصب الرئاسة بالوكالة في بيرو بعد عزل الرئيسة دينا بولوارتي، واعتمد خطابًا قويًا مناهضًا للجريمة يشبه أسلوب الرئيس السلفادوري نجيب بوكيلة.
كولومبيا ليست بمعزل عن هذا الاتجاه، حيث قرر الحزب الرئيسي في المعارضة اليمينية خوض انتخابات 2026 الرئاسية بدعم السيناتورة بالوما فالنسيا، المعروفة بتأييدها لترامب وضغوطه على النظام الفنزويلي.
وقبل نهاية عام 2025، شهدت دول مثل الأرجنتين (مع انتخاب خافيير ميلي) والإكوادور (مع انتخاب دانيال نوبوا) والبرازيل (خلال فترة حكم جايير بولسونارو) صعودًا مماثلًا لشخصيات يمينية إلى السلطة.
أسباب صعود اليمين
يرى خبراء سياسيين أن هذه الموجة من صعود اليمين تعكس “خيبة أمل” واسعة النطاق تجاه الأحزاب السياسية التقليدية، سواء كانت يسارية أو يمينية. ويعزو مايكل شيفتر، من مركز “الحوار بين الأميركتين” للأبحاث، هذا التحول إلى شعور الناخبين بالإحباط من عدم قدرة الحكومات السابقة على تحقيق نتائج ملموسة في مجالات مثل الاقتصاد والأمن.
وتشير كارولينا أورّيغو-ساندوفال، الخبيرة في العلاقات الدولية بجامعة الأنديز في بوغوتا، إلى أن شعبية المرشحين اليمينيين ترتبط بمناخ عام يركز على الأمن القومي ومواجهة ما يصفونه بـ”أعداء الداخل”. وتؤكد على أن سياسات الرئيس السلفادوري نجيب بوكيلة، والتي تتميز بالتشدد في قمع العصابات، أصبحت نموذجًا يحتذى به في دول أخرى في المنطقة.
ركزت حملة خوسيه أنطونيو كاست في تشيلي بشكل خاص على وعود بمكافحة انعدام الأمن والهجرة غير النظامية، متعهدًا باستعادة النظام في بلد يعتبر من أكثر دول أمريكا اللاتينية أمانًا. ويعكس هذا التوجه قلقًا متزايدًا بشأن قضايا الهجرة وتأثيرها على المجتمعات المحلية.
التحالفات والتداعيات الجيوسياسية
يتوقع غيوم لون، الخبير في مركز الدراسات الاقتصادية والسياسية الفرنسي، أن وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في تشيلي قد يعزز احتمالات التدخل الأمريكي في أمريكا اللاتينية، خاصة في المجالات المتعلقة بالدبلوماسية والأمن. ومع ذلك، يرى أن فرص التعاون بين الولايات المتحدة والدول الجديدة بقيادة اليمين قد تكون محدودة فيما يتعلق بقضايا مثل العلاقات مع الصين.
ويرجح لون أن كاست سيركز بشكل أساسي على القضايا الداخلية، مع السعي في الوقت نفسه إلى بناء تحالفات مع قوى أخرى ذات توجهات مماثلة في كل من الأمريكتين وأوروبا. ويشير إلى أن الرئيس المنتخب قد لا يرغب في “مخالفة رغبات ومصالح النخب التشيلية الكبرى”.
في المجمل، يشير هذا التحول السياسي في أمريكا اللاتينية إلى فترة من عدم اليقين والتغيير. ومن المتوقع أن تشهد المنطقة منافسة متزايدة بين القوى السياسية المختلفة، مع تركيز أكبر على قضايا الأمن والهجرة والاقتصاد. وستراقب الأوساط السياسية والاقتصادية الدولية عن كثب التطورات في تشيلي وهندوراس وبوليفيا ودول أخرى في المنطقة، لتقييم تأثيرها على الاستقرار الإقليمي والعلاقات الدولية.





