فيديو الأسير 24.. لماذا أرادته القسام مختلفا عن المقاطع السابقة؟

اتفق محللان سياسيان على أن مقطع الفيديو، الذي بثته كتائب القسام للأسير الإسرائيلي الذي نجا من قصف سابق لجيش الاحتلال، شكل تحولا نوعيا في مضمون الرسائل التي توجهها المقاومة إلى الداخل الإسرائيلي، من خلال تركيزه على البعد الإنساني واليأس المتزايد من تعاطي الحكومة والمجتمع مع ملف الأسرى.
وقال الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى إن المقطع الذي ظهر فيه الأسير الذي عرّف نفسه بأنه “الأسير رقم 24” يختلف عن سابقيه من حيث النبرة، إذ عبّر بوضوح عن شعور عميق بالإحباط، ليس فقط من الحكومة، بل من المجتمع الإسرائيلي الذي يتماهى مع حالة “تطبيع” متزايدة تجاه وجود الأسرى في غزة”.
ورأى مصطفى أن اللافت في الفيديو هو التلميح إلى أن الرأي العام بات يتكيف مع سردية الحكومة التي تسوّق لها وتفيد بأن العمليات العسكرية هي أولوية تتفوق على استعادة الأسرى، مشيرا إلى أن الحكومة الحالية لا ترى في هذا الملف أولوية ملحّة، بل أصبحت تتحدث بذلك علنا أمام جمهورها.
وكانت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قد بثت مساء السبت مقطعا مصورا لأسير إسرائيلي وصف فيه ظروف احتجازه بـ”البالغة السوء”، كاشفا عن نجاته من قصف مرتين منذ انتهاك إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار، قبل نحو شهرين.
وكانت القسام نشرت قبل أسبوع مشاهد تظهر عددا من مقاتليها وهم يحاولون إنقاذ أسرى إسرائيليين بعد تعرضهم للقصف، لكنها لم تكشف عن هوياتهم.
وفي رسالته، هاجم الأسير الحكومة الإسرائيلية، متسائلا كيف يمكن للاحتفال بـ”عيد الاستقلال” أن يستقيم في ظل بقاء عشرات الجنود أسرى في غزة، ودعا الشارع الإسرائيلي إلى التحرك والضغط على القيادة، كما أشار إلى غموض يلف مصير زميله الذي كان برفقته.
حالة البلبلة
وأضاف مصطفى أن هذا الغموض يُعمّق من حالة البلبلة داخل المجتمع الإسرائيلي بشأن عدد الأسرى الأحياء، لافتا إلى تصريحات متضاربة لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وزوجته بشأن الرقم الدقيق، مما يعكس فوضى معلوماتية مقصودة أو ارتباكا حقيقيا في إدارة الملف.
ولفت إلى أن هذا التخبط يضعف من سردية الحكومة، ويجعل هذه المقاطع أداة فاعلة في إعادة طرح القضية في الوعي الإسرائيلي، خصوصا عندما تحمل تساؤلات وجودية من داخل الأسر نفسه بشأن المصير، كما بدا في قول الأسير إنه لا يعلم إن كان سيُشاهد مجددا أو يرى عائلته.
أما الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة، فرأى أن هذه المقاطع تشكل ضغطا تراكميا على الحكومة الإسرائيلية، حتى وإن بدا تأثيرها محدودا في الوقت الراهن، فهي أشبه بقطرات ماء تنخر الوعي شيئا فشيئا، وتستهدف إثارة القلق الداخلي على المدى البعيد.
وأشار إلى أن توقيت بث الفيديو لم يكن عابرا، بل جاء متزامنا مع تصعيد عسكري جديد في غزة، وقرار الحكومة الإسرائيلية توسيع العمليات رغم جهود وساطة متواصلة من قطر وتركيا بإسناد أميركي لإقناع نتنياهو بالجلوس على طاولة التفاوض، وهو ما رفضه بشكل قاطع.
واعتبر أن ما كشفه الأسير من تعرضه للقصف بعد انتهاء الهدنة ينسف سردية الحكومة بأن الضغط العسكري هو السبيل لإعادة الأسرى، موضحا أن ما حدث يعكس نتائج مباشرة لنهج التصعيد الذي ينتهجه نتنياهو، والذي بات يهدد حياة الجنود المحتجزين أنفسهم.
سياق دعائي
وأوضح الحيلة أن الفيديو الجديد يرتبط بسياق دعائي متكامل تتبعه المقاومة مؤخرا، مشيرا إلى مقطع سابق يُظهر محاولة لإنقاذ أحد الأسرى تحت الأرض، في ظل نقص الأكسجين بفعل القصف، وهو ما يبرهن -حسب قوله- على أن استهداف الأنفاق يهدد الأسرى بشكل مباشر.
من جانبه، أكد مصطفى أن الحكومة الإسرائيلية لم تعد تخفي موقفها بأن تحقيق الأهداف العسكرية يتقدم على استعادة الأسرى، مذكرا بتصريحات وزيرة إسرائيلية وصفت هذا التوجه بأنه “أفضل هدية” في عيد الاستقلال، مما يعكس مستوى الجرأة في طرح هذه المقاربة.
وأضاف أن مثل هذه التصريحات تُعمّق الفجوة بين الخطاب الرسمي ومشاعر ذوي الأسرى، وتغذي الشعور بأن الحكومة تتخلى عنهم لصالح أهداف عسكرية فضفاضة، مما يعزز من أهمية المقاطع التي تنشرها المقاومة في كشف التناقضات داخل الدولة العبرية.
وختم الحيلة بالقول إن المقطع الأخير يعيد التذكير بأن الأسرى ليسوا فقط ورقة سياسية، بل أشخاص يواجهون الخطر الحقيقي مع كل قرار عسكري، مشيرا إلى أن تجاهل هذا البعد قد يُفاقم التوتر الداخلي الإسرائيلي، ويدفع عائلات الأسرى إلى كسر حاجز الصمت مجددا.