فيلم “سنو وايت”.. البحث عن الحب في عالم لا يُشبه القصص الخيالية
![](https://dailygulfnews.com/wp-content/uploads/2025/02/D8A8D988D8B3D8AAD8B1.jpgss-1739552215-780x470.jpg)
بينما تقدم أغلب الأفلام قصص الإنسان العادي من الطبقة الوسطى، هناك أفلام أخرى تخرج عن هذا الإطار المحدود، بعضها يجنح إلى تقديم حكايات بشر خارقين، فوق الإنسانية، وأخرى تُسلط الضوء على حيوات المهمشين، هؤلاء الذين إما يتم تجاهلهم في أحسن تقدير، أو التنمر عليهم في أسوأ الظروف.
فيلم “سنو وايت” يقدم قصة مختلفة، حيث يُدخل المشاهد إلى عالم فئة المهمشين، على وجه التحديد قصار القامة، لكنه لا ينحو إلى الابتزاز العاطفي للمشاهدين، بل يقدم هؤلاء المهمشين بالعدسة التي يجب النظر إليهم من خلالها، كأشخاص عاديين، يعيشون في المجتمعات نفسها، لكنهم يعانون بشكل إضافي بسبب طبيعتهم الجسدية.
فيلم “سنو وايت” من إخراج تغريد عبد المقصود، وبطولة مريم شريف بالمشاركة مع محمد ممدوح ومحمد جمعة ونهال كمال المهدي وصفوة، بينما يظهر كريم فهمي في دور شرفي قصير. عُرض الفيلم في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، لتفوز مريم شريف بجائزة أفضل ممثلة، ثم عُرض بشكل تجاري في مصر.
سنو وايت امرأة تتحدى جسدها
يبدأ “سنو وايت” بتعريفنا على العالم الاعتيادي لبطلته إيمان (مريم شريف)، امرأة شابة تعيش حياة بسيطة مع أختها الأصغر التي ربتها بعد وفاة والديها. إيمان قصيرة القامة بشكل واضح، لكنها لا تدع ذلك يصبح أداة تعريفها في العالم، فهي تمارس حياتها كأي امرأة أخرى في عمرها. تعمل في وظيفة روتينية بمجمع التحرير، وتضطر من أجلها لركوب المواصلات، وتتدافع مع بقية الموظفين لاستخدام المصعد، وحين لا يعمل، تضطر للمعاناة على السلالم التي لا تتلاءم مع قصار القامة، وعندما يطلب منها مديرها ملفا في رف مكتبي عالٍ، تُخرج السلم الذي وضعته جانبا لهذا الغرض وحده.
تلك هي الحياة اليومية لإيمان، في حين تخصص لياليها لغرفتها الشخصية، التي تبدو مختلفة تماما عن كل تفاصيل حياتها الأخرى. غرفة مزينة بشكل رقيق، يغلفها اللون الوردي، وتمثال صغير لشخصية سنو وايت الكرتونية على طاولة جانبية. وفي هذه المساحة الآمنة، تفتح جهاز حاسوبها لتبدأ محادثاتها اليومية مع عماد (محمد ممدوح)، الشاب المصري المغترب الذي يحلم بالعودة يوما ما ليعقد قرانه على إيمان، أو الفتاة الجميلة التي يظنها إيمان، بعدما استخدمت كثيرا من المرشحات الإلكترونية لتغيير صورتها، ولم تخبره عن قصر قامتها. بينما تماطله هي، وتؤجل اللقاء بينهما قدر الإمكان، مستمتعة بهذه العلاقة الأفلاطونية التي تُشبعها عاطفيا.
ويضطرب هذا العالم البسيط لإيمان عندما يأتي خاطب لأختها الصغيرة صفية (نهال كمال المهدي)، والذي تحاول والدته إفساد الزيجة بعدما ترى إيمان، خوفا من إنجاب ابنها طفلا قصير القامة مثل خالته، وذلك على الرغم من استمتاع صفية بقامة طبيعية. ولذلك تشترط الأم (صفوة) على العروس وأختها شراء ثلاجة كبيرة غالية الثمن.
لا يصبح ثمن الثلاجة معضلة الفيلم الوحيدة، بل تظهر مشكلة أخرى تتمثل في إصرار عماد على مقابلة إيمان، ورغبته القوية في الزواج منها، الأمر الذي يضعها في مرآة أمام حقيقة هذه العلاقة: هل تؤمن بالفعل بأنها تستحق الحب على الرغم من وضعها الجسدي؟
ويصبح هذا السؤال معضلة الفيلم الحقيقية، فإيمان لا ترى نفسها سجينة جسدها، على الرغم من معاناتها لهذا السجن بالفعل. لذلك، ترفض الزواج من شاب قصير القامة آخر يتقدم لها، وتبقى مصممة على ألا تظهر معدومة الحيلة أمام والدة خالد، خطيب أختها، بينما هي لا تمتلك المال الكافي لشراء الثلاجة في الحقيقة، وترفض تقليل مديرها من شأنها عندما تطلب سلفة من حقها، وهي الموظفة التي تم تعيينها طبقا للقانون الذي يحتم توظيف 5% من ذوي الاحتياجات الخاصة.
أزمة المشاريع الأولى
“سنو وايت” هو الفيلم الأول للمخرجة تغريد عبد المقصود، على الرغم من أن مسيرتها تمتد منذ بداية الألفية الثالثة تقريبا، حيث عملت مساعدة إخراج في أغلب الأحوال. وقد صرحت من قبل أنها كتبت سيناريو الفيلم منذ سنوات طويلة، قبل أن تبدأ العمل عليه مخرجة منذ 4 سنوات تقريبا.
ويحمل فيلم “سنو وايت” جماليات وأزمات الأفلام الأولى، ويدور حول مشروع شخصي لمخرجة حملت في قلبها قصة الفتاة قصيرة القامة، التي تعاني من تحديات جسدية وظروف مادية تعيق تحقيق أحلامها البسيطة، المتمثلة في زواج أختها من جهة، وعثورها على حبيب يرى روحها وليس جسدها الذي يحمل عيوبه الخاصة.
وفكرة فيلم “سنو وايت” طازجة وشديدة الواقعية، حتى وإن شابها بعض العيوب في عملية التنفيذ، أبرز هذه العيوب الحوار الذي يميل إلى المباشرة في كثير من الأجزاء، خصوصا تلك التي تضم إيمان وصفية. حيث بدت كلماتهما كخليط من الكليشيهات المحفوظة التي تقال في مثل هذه المواقف، وأخرى مفتعلة لا تتلاءم مع الخلفية الثقافية لهما.
كما تميز طاقم الفيلم بتنوعه بين الممثلين ذوي الخبرات المحدودة، مثل مريم شريف ونهال كمال المهدي، وبين محترفين نجح صناع الفيلم في استقطابهم، مثل محمد ممدوح ومحمد جمعة في دور خالد، خطيب صفية. لكن هذا التنوع أظهر مشاكل في الأداء لدى الممثلتين الأقل خبرة، حيث بدتا مفتعلتين في كثير من المشاهد، ولم تستطع المخرجة ضبط انفعالاتهما في مشاهد الشجارات التي جمعت بينهما أكثر من مرة، لتبدو في بعض الأحيان أقرب إلى الطابع الكارتوني بعيدا عن اللمسة الواقعية الغالبة على الفيلم.
ومع ذلك، فإن أفضل ما قدمته المخرجة تغريد عبد المقصود هو ضبط إيقاع الفيلم، وخصوصا في المشاهد الصعبة ذات الشحنات العاطفية المتدفقة، والتي أثرت على مسار الأحداث والمتفرجين على حد سواء، مثل المقابلة الأولى بين إيمان وعماد، وعودة إيمان مع الثلاجة إلى المنزل على ظهر سيارة النقل في لحظة تتويج لانتصارها على ظروفها الصعبة.
فيلم “سنو وايت” يُعد تجربة مميزة في تقديم عالم قصار القامة بشكل عادل، على الرغم من عيوب إدارة الممثلات والحوار الذي كان بحاجة إلى إعادة صياغة في بعض المواضع، فإنه يعدنا بأننا أمام مخرجة تمتلك مشروعا سينمائيا مغايرا، يحاول تجاوز المعايير المادية في النظر إلى البشر.