Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الكويت

في الرحاب الشريفة.. بقلم د. يعقوب يوسف الغنيم

  • نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وضع أساس الدولة الإسلامية في وقت قصير بالرفق واكتساب قلوب الناس ولم يكن طالب سلطان أو مال
  • ما إن حلت السنة الثامنة للهجرة حتى أقبل الناس من كل مكان مقرّين به رسولاً وبالإسلام ديناً ثم انتشر وأسقط دولتي الفرس والروم
  • بنى رسولنا صلى الله عليه وسلم المجتمع المسلم على مبادئ سامية تعزز الترابط بين أفراده وتصلح أحوالهم وتسدد خطاهم انطلاقاً من المسجد النبوي
  • الإمامان البخاري ومسلم وثّقا في صحيحيهما أقوال وأفعال الرسول وخططه في حماية المجتمع من الشرور وتمتين الألفة بين أبنائه
  • محمد فؤاد عبدالباقي جمع الصحيحين في كتاب «اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان» وأعادت وزارة الأوقاف طبعه بعد أن راجعه د.عبدالستار أبوغدة

تدعونا هذه الأيام المباركة إلى الإطلال على تلك الرحاب الكريمة العالية، التي شهدت فجر الدعوة إلى الإسلام، ونشأة الدولة الإسلامية وهي رحاب كان يزيدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضوره جلالا، وبهديه نورا، وبما كان يبذله في سبيل أداء الرسالة من حرص وجهد، وما يوليه أصحابه من رعاية، وما يقدمه إليهم من توجيه ونصح يفيدهم في الدين والدنيا. ويفتح أمامهم الطريق إلى الهدى والرشد. تنفيذا لقوله عز وجل: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) (سورة الحجر الآية رقم 94)، وهي الآية التي أعلن بموجبها الدعوة إلى الإسلام في مجتمع مكة، وعندما قوبل بما يكره، هاجر إلى المدينة المنورة معرضا – كما أمره الله عز وجل- عن الجاهلين.

استطاع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يؤدي ما أمره الله سبحانه وتعالى به، فأنشأ – في المدينة – مجتمعا إسلاميا فاضلا مترابطا، وصفه صلى الله عليه وسلم فقال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى».

ولقد وضع أساس الدولة الإسلامية التي صارت شامخة في وقت قصير، ولم يكن يتصرف كما يتصرف الملوك بل كان من طبعه الرفق واكتساب قلوب الناس.

ولم يكن طالب سلطان أو مال، وإنما كان يقوم بتنفيذ ما أمره الله به، ولو كانت له رغبة في مثل ذلك لاستجاب لكفار قريش الذي عرضوا عليه كل ما يمكن أن يطمع به بشر، فعافه وتمسك بما أمره الله به.

والدليل على ذلك ما أغراه به عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، مفوضا من جمع كبير يمثل كفار قريش حين كان جالسا في مجلس من مجالس قومه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في جانب من المجلس حيث يرونه، فاقترب منه عتبة وقال له:

«يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً، جمعنا من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل إلى أن يداوى منه».

حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني. قال: أفعل، فقال: (حم (1) تنزيل من الرحمن الرحيم (2) كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون (3) بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون (4) وقالوا قلوبنا في أكنّة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون (5)) سورة فصلت.

ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرأها عليه، فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: «قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك».

٭ ٭ ٭

إذن، فإن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن راغبا في مال أو زعامة أو ملك، ولكنه كان يلبي أمر الله عز وجل، فيقوم بنشر الدين الحنيف، ويهيئ السبل لقيام دولة الإسلام النقية التي انتقل إلى المدينة المنورة لكي يضع لها الأساس، وكانت الظروف قد تهيأت فيها لاستقبال هذا الحدث، وفشى الإسلام هناك قبل الهجرة النبوية بزمن قليل.

ومما سجله التاريخ أنه صلى الله عليه وسلم كان يهتم منذ وصل إلى دار الهجرة شرفها الله تعالى، وهو ينشر الإسلام، ويبني المجتمع الإسلامي الطاهر، ويوطد أركان الدولة الإسلامية التي بدأت في النمو سريعا بتوفيق من الله عز وجل.

ومن أهم المصادر التي تتضح بها صورة الحياة في هذه الفترة الزمنية التي بدأت بالهجرة النبوية: الأحاديث التي نقلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وهي مجموعة ضخمة تضم أحاديثه، وأوصافه وأعماله وسيرته، وطرق تعامله مع كل شؤون المسلمين.

ولقد عني علماء المسلمين – فيما بعد – بكتابة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمع أحاديثه. وكان هؤلاء الرجال من الصدق والأمانة حيث يطمئن كل مسلم – إلى يومنا هذا – إلى ما صنعوه. وبخاصة أنهم قد استبعدوا كل مدلس أو كاذب أو صاحب هوى مخالف للدين الإسلامي واستطاعوا الوصول إلى ما تطمئن إليه نفوسهم مما لا شك في نسبته إلى الرسول الكريم، وثبت أنه أثر من آثاره صلى الله عليه وسلم.

ولعل من أبرز رجال الحديث، وأشهرهم بين العلماء البخاري ومسلم، وهما وما صنعاه موضوع هذا الفصل. ولقد كان ما رصداه من أحاديث وأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلا على الجهد الذي بذل في بناء الدولة، وفي قوة ارتباط المسلمين بالرسول الكريم، ومدى إيمانهم بالرسالة التي جاء إليهم بها.

٭ ٭ ٭

بقي رسول الله في المدينة عشر سنوات وهو ينشر الدعوة إلى الإسلام، ويدفع المعتدين عن هذه الدولة الوليدة إلى أن ظهر اسمها في الآفاق، ثم بدأ الرسول بدعوة الخلق كافة إلى هذا الدين الحنيف، بادئا بالملوك والأمراء ورؤساء القبائل في كل جزيرة العرب وما حولها. وما أن حلت السنة الثامنة للهجرة حتى أقبل الناس من كل مكان مقرين به رسولا، وبالإسلام دينا، وقد كان من نتائج ذلك أن خرج الإسلام من جزيرة العرب بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بوقت قصير، وانتشر في كل مكان، مع سقوط جميع مناوئيه، وعلى رأسهم دولة الفرس ودولة الروم.

فكيف تم بناء هذا المجتمع؟

يستقبل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المسلمين في مسجده الذي أنشأه فور وصوله إلى المدينة المنورة، ويتحدث إليهم في شؤون الدين والدنيا مذكرا ناصحا وموجها.

ومع ذلك، فإن هذا المجلس لم يكن مقتصرا على الوعظ والتذكير بأمور الدين الإسلامي فحسب، بل كان – إلى جانب ذلك – مجلسا تدار فيه أحاديث متنوعة، ولكنها في حدود ما يصلح أمور المسلمين، ويسدد خطاهم ثم صار مجلسا يستقبل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفود، وحملة الرسائل إليه.

وكان – في المجالس المعتادة – يذكّر المسلمين ببعض ما هو مفيد لهم في ديناهم وأخراهم. ومن الملاحظ أنه صلى الله عليه وسلم قد تطرق إلى كل شؤون الحياة، عندما كان ينصح أصحابه. ومن يلقي نظرة على كتاب صحيح البخاري أو كتاب صحيح مسلم يجد أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كانت تأخذه بأصحابه الرحمة حتى أنه لا يبخل عليهم بالنصح والحث على الاستقامة وضرورة تقوية الصلات بينهم.

ونختار مما ورد في هذا الشأن من أقواله ما يلي:

– لا بد أن يسلم الراكب على الماشي، والقليل على الكثير.

– إن من حق المسلم على أخيه رد السلام.

– إن من المستحب السلام على الصبيان.

– من أتى مجلسا فوجد فيه فرجة جلس فيها، وإلا وراءهم.

– تحرم إقامة الإنسان من موضعه الذي سبق إليه.

– لا يتناجى اثنان دون الثالث، إلا بإذنه.

– الحث على طلب العلاج من الأمراض، واستحباب التداوي.

– لا يجوز إطلاق لفظ العبد والأمة والسيد.

ويبدي صلى الله عليه وسلم شفقته على أمته، فيحذرهم من الإلمام ببعض ما يضرهم، ومن ذلك:

– كراهة الدخول إلى البيوت بلا استئذان أهلها.

– استحباب تغيير الاسم القبيح لشخص ما إلى اسم حسن.

– الحث على التراحم، والتواصل، وتحريم الهجر فوق ثلاث ليال.

– تحريم الظن السيئ والتجسس.

– تحريم الظلم.

– تحريم الكذب.

– فضل إزالة الأذى عن الطريق.

– الوصية بالجار.

– استحسان أخذ النفس 3 مرات أثناء الشرب، على أن يكون التنفس خارج الإناء.

– استحسان تغطية الأواني حتى لا يتسلل إليها ما يفسد ما بها.

– إغلاق أبواب المنازل ليلا، وإطفاء النار إن وجدت وذلك بسبب توخي الحذر من الأضرار.

وهناك أمور كثيرة أخرى وردت في الأحاديث الشريفة تكفل ترابط المجتمع، وتحميه من الشرور. وما قدمناه هنا لا يغني عن العودة إلى الأصول التي كان ما تقدم بعض ما ورد فيها.

٭ ٭ ٭

ألمحنا فيما مر من حديثنا هذا إلى عالمين من علماء الحديث هما: البخاري ومسلم. وذكرنا أن كل واحد منهما قد جمع مجموعة مهمة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلها باسم: الصحيح، وصار يطلق على الأولى منهما اسم: صحيح البخاري، وعلى الثانية اسم: صحيح مسلم.

ثم خطر ببال فاضل من الرجال المشتغلين بالعلوم الدينية بما فيها ما يتعلق بالحديث الشريف، أنه يكون من الأفضل أن يجمع هذان الكتابان في كتاب واحد يحتوي على ما أجمع عليه العالمان من أحاديث، فإنه في هذه الحالة يحصل المسلم على مجموعة من الأحاديث التي اتفق عليها هذان الشيخان، وهما أهم من اشتغل بهذا العلم، إضافة إلى أن علماء الحديث غيرهما يُقرون لهما .

هذا الرجل هو الشيخ محمد فؤاد عبدالباقي، الذي حقق ما خطر بباله في كتاب أعده لهذا الغرض، وأطلق عليه اسم: «اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان».

٭ ٭ ٭

الإمام البخاري هو واحد من أعلام المحدثين الذين نالوا السبق إلى رصد مجموعات الحديث النبوي الشريف التي جمعوها بعد تحقيق وتدقيق شديدين من أجل إثبات صحتها، حتى لقد سمى كتابه الجامع للحديث وهو صحيح البخاري، ولد هذا العالم الجليل في سنة 194هـ، وتوفي في سنة 456هـ، واسمه الكامل هو: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، وأصله من بخارى.

اشتهر بحرصه على طلب العلم منذ صغره، وقد أبدى تفوقا في الحديث والتاريخ والفقه، وترك مجموعة من المؤلفات يزيد عددها على الثلاثين كتابا في الحديث والفقه والتفسير وأسماء الرجال ذوي الأثر في العلم والعمل من أجل نشر الدين الإسلامي الحنيف.

وكان موضع ثناء علماء عصره منذ كان يحضر مجالس العلم ويتلقاه عن مشايخه.

كنت – فيما مضى – أبحث عن مرجع موثوق به يذكر البخاري وكل ما يتعلق بحياته وعلمه، ولقد تيسر لي ذلك فعثرت على ما أريد حين وقع في يدي كتاب فريد من نوعه، وهو كتاب: «سير أعلام المحدثين» الذي ألفه الأستاذ أحمد مختار رمزي، وفي الكتاب بيان كل ما يحتاج إليه الباحث أو الراغب في المعرفة، وقد أفرد فيه فصلين وافيين كتب فيهما ما يغني الباحث عن البخاري ومسلم فقد تتبع سيرتهما وأعمالهما، وبين في مقدمة الكتاب ما دعاه، إلى تأليفه. فقال: «ولقد وجدنا في الفترة الأخيرة أناسا خرجوا علينا بأفكار شاذة، فصار دأبهم الحط من قيمة البخاري رغبة في هدم أصل من أصول الدين الحنيف وهو الحديث، ونحن إذ نرفض ما يقوله هؤلاء الشواذ، فإننا نجد فيما ورد في كتاب «سير أعلام المحدثين» ما يشفي الغليل في الرد عليهم، وقطع دابرهم، وكان الكتاب المشار إليه وقفا لله تعالى، قصدت به خدمة الإسلام والمسلمين، والرد على المبتدعة ومنكري الحديث، ونحن نعلم أن إنكار هؤلاء لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بدأ بإنكار العمل الجليل الذي قام به أمثال الإمام محمد بن إسماعيل البخاري الذي ننكر أشد الإنكار ما قد قاله عنه الضالون من أكاذيب، ومن تكذيب، ونرى أنه بما عرفنا عنه من المصادر الشريفة ما يدل على أنه أكرم من هؤلاء جميعا وأصدق.. رحمه الله».

وأما الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، فإنه من مواليد مدينة نيسابور سنة 206هـ. وقد نشأ في بيت علم إذ كان أبوه الحجاج أحد علماء زمنه.

اعتبر صحيح مسلم ثاني أصح كتاب جامع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو والبخاري على رأس قائمة جامعي الحديث الشريف.

بدأ في طلب العلم صغيرا، وتدرج حتى أخذه من كبار العلماء، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل. وتوفي سنة 261هـ. وكانت له رحلات كثيرة لقي فيها مشاهير العلماء، فأخذ عنهم.

وكانت للبخاري مكانة في نفسه، إذ كان يوقره ويجله. ويقول له: «لا يبغضك إلا حاسد».

وفي مجال المقارنة بين الشيخين: البخاري ومسلم، يقول ابن تيمية: «واتفق العلماء على أن البخاري أجل من مسلم في العلوم، واعرف بصناعة الحديث، وكان مسلم تلميذه وخريجه، ولم يزل يستفيد به، ويتتبع آثاره».

ويقول ابن حجر العسقلاني: «وصل لمسلم في كتابه حظ عظيم لم يحصل لأحد مثله».

هذا ولمسلم غير كتابه «صحيح مسلم» مجموعة كبيرة من المؤلفات كلها تدور حول الحديث ورجاله وهي تقرب من ستة وعشرين مؤلفا، طبع ما عثر عليه منها، ولم يتيسر طبع المفقود بطبيعة الحال.

٭ ٭ ٭

وأما الشيخ محمد فؤاد عبدالباقي، فهو باحث مصري تخصص في العلوم الشرعية، وعني بالحديث النبوي الشريف، وفهرسة القرآن الكريم، ومن إنجازه في ذلك:

1- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.

2- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان.

3- وله فهارس أخرى ذات نفع كبير للباحثين وطلاب العلم.

وللكتابين اللذين ذكرناهما هنا مكانة عند كل من يهتم بما يتعلق بكتاب الله عز وجل وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، باعتبار أن الكتاب والسنة مصدران أساسيان من مصادر التشريع، والدلالة على أمر الله به ونهي عنه، وما أشار به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على أمته من أمور تهديهم إلى سبل السلام، والعيش الكريم، البعيد عن التناحر. وهذا هو ما رأينا عليه أصحابه الكرام رضي الله عنهم، حتى قال فيهم: «أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم».

وقال أيضا: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».

(أحد: الجبل المعروف بالمدنية المنورة، المد: مكيال تكال به بعض المواد الغذائية، النصيف: النصف).

والفائدة التي نجنيها من كتاب «المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم» تتجلى عندما يخطر على بال واحد منا لفظ من ألفاظ آية من الآيات، فيخفى عليه موضعها من المصحف فإننا نستطيع بواسطته الوصول إلى السورة ورقم الآية المطلوب البحث عنها، لأنه يقرب البعيد بأيسر السبل.

فلقد سار منسق هذا الكتاب على طريق المعاجم اللغوية، فأختار من ألفاظ الآيات ما أرجعه إلى مادته الأصلية، تم بين لنا أين نجده في كتاب الله الكريم، فإذا أراد أحدنا أن يعرف الآية التي ورد فيها لفظ (القواعد) فما عليه إلا أن يعود إلى مادة: قعد، ومنها يعرف أن هذا اللفظ قد جاء في الآية رقم 127 من سورة البقرة، وهي: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم (127)).

وقد استوحى الشيخ محمد فؤاد عبدالباقي فكرة كتابه هذا من كتاب سبق وأن أصدره المستشرق الألماني فلوجل، وتم طبعه في سنة 1842م، ولكنه لم يكن ناقلا للكتاب الأول، مكتفيا بما ورد فيه، بل إنه اختار طريقا أكثر سهولة ووضوحا، وأقرب إلى الإفادة.

٭ ٭ ٭

أما كتاب «اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان» فقد كان مطبوعا منذ فترة طويلة، حتى كاد يفقد، فقامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت بإعادة طبعه بعد أن راجعه د.عبدالستار أبوغدة مراجعة علمية دقيقة ومفيدة، وكتب له مقدمة وافية بين فيها ملاحظاته على الطبعة الأولى، وطريقته في المراجعة دون أن يغمط المرحوم محمد فؤاد عبدالباقي حقه. فقال: «وبعد، فإن كتاب (اللؤلؤ والمرجان) الذي جمعه الأستاذ محمد فؤاد عبدالباقي – رحمه الله وجزاه عن خدمة السنة خيرا – يمثل المحاولة الناضجة لتقديم الأحاديث المتفق على صحتها عند البخاري ومسلم (الشيخين) حيث أخرجاها في (الصحيحين). وقد جمعه بدقة، ورتبه وفقا لترتيب صحيح مسلم ليكون قريب التناول، بعد أن جرد الأحاديث من أسانيدها، واجتزأ برواية واحدة من الروايات المكررة – إلا نادرا – وأردف كل حديث بتوضيح موجز في الهامش لتفسير غريب اللفظ وغامض المعنى، وربط كل ما يتصل بالحديث الواحد برقم في الهامش مماثل لرقمه المتسلسل في الأعلى».

أما الوزارة فقد قالت كلمتها في البداية ضمن كلمة وقعها وزيرها الأسبق المرحوم يوسف جاسم الحجي، وفيها ذكر لجهد جامع الكتاب، نصه: «ولابد هنا من كلمة عن جامع الكتاب يقتضيها شكر المحسن، وجزاء من ترك علما صالحا ينتفع به، فهو المرحوم محمد فؤاد عبدالباقي الذي خلف من الآثار العلمية في مجال تيسير وسائل البحث في السنة ما يغنينا عن التوسع في ذكر حياته».

٭ ٭ ٭

ولقد أجرى الأستاذ محمد فؤاد عبدالباقي ترتيب كتابه: «اللؤلؤ والمرجان» مجرى ترتيب الصحيحين وفق أصلهما، وذلك بجعله في أربعة وخمسين بابا وأطلق على الباب الواحد اسم: كتاب فقال: «كتاب الصلاة» مثلا.

وكان أول هذه الأبواب هو: «كتاب الإيمان» وكان آخرها هو: «كتاب التفسير». وقد وسعت الكتب الأخرى (وهي أبواب الكتاب): موضوعات متعددة وردت في 1906 حديث. شملت ما يتعلق بالمجتمع كالزواج وما يتصل به، ثم المعاملات كالبيوع وما شابهها، والمواريث والهبات والوصايا والصيد والذبائح والأضاحي والأشربة، واللباس والزينة والآداب العامة، ثم يأتي كتاب السلام وفيه الأحاديث التي تدل على ما يجب على المجتمع المسلم أن يتمسك به، من حيث التعامل الحسن، والتآخي، وعدم إثارة الخلاف، والحرص على الرعاية الصحية والنظافة بصورة عامة ويأتي بعد ذلك كتاب الفضائل وفيه ذكر فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعده فضائل الصحابة الكرام، أما ما بعد ذلك فيأتي كتاب البر والصلة، وبه حث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لأمته على بر الوالدين وصلة الأرحام، وأن يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه.

وتستمر وتيرة الكتاب على هذا الترتيب حتى يصل إلى نهايته التي ورد في أواخرها:

– كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها.

– كتاب الفتن وأشراط الساعة.

– كتاب الزهد.

– كتاب التفسير. وفيه تفسير لعدد محدود من آيات القرآن الكريم. وقبل ذلك كله كان قد قدم كل ما يتعلق بأركان الإسلام من صلاة وصيام وحج وزكاة وغير ذلك من أنواع العبادات.

٭ ٭ ٭

كان ذلك هو ما أمكن ذكره من أمور ذات صلة بعنوان هذا المقال. ولقد منعت خشية الإطالة، وحال توقع ضيق مجال النشر دون كثير مما ينبغي أن يذكر. ولكن المرجو أن يكون فيما تقدم ما يكفي من معلومات لا بد من الإلمام بها في موضوع مهم كهذا الموضوع الذي طرح، وأن يكون مفيدا ومعبرا عن القصد. وهذا هو ما أوحت به أيامنا الكريمة هذه.

والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى