في حضرة الملك الأسير المعتمد بن عباد بأغمات المغربية
أغمات- هذه هي المدينة الصغيرة التي تقع على سفح جبال الأطلس جنوب شرق مدينة مراكش، والتي قال عنها الجغرافي أبو عبيد الله البكري في كتابه “المُغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب” -وهو جزء من كتابه الشهير “المسالك والممالك”- إن “التجار والغرباء كانوا ينزلون بها”.
كنا بعضا من هؤلاء الغرباء الذين وصلوا إلى أغمات، لكن ليس للنزول بها، بل لزيارة ضريح المعتمد بن عباد الإشبيلي الأندلسي، أحد أعظم ملوك الطوائف، الذي سبق وسيطرت مملكته إشبيلية على جنوبي الأندلس لفترة ليست بالقصيرة.
ولا يسعك إلا أن تتذكر أبيات الوزير الشاعر لسان الدين بن الخطيب (713هـ/1313م- 776هـ/1374م) وأنت في الطريق لزيارة دفين أغمات المغربية، عن طوع وقد رأيتها من أولى المهمات خلال وجودك بجبال الأطلس القريبة.
ابن الخطيب هذا الشاعر الأندلسي الرقيق رأى أن عليه واجب الزيارة، ولو بعد قرون لقبر رجل تخلى عنه كثير من الذين كانوا من المقربين منه بعد أن وقع في المحنة الشديدة إثر خلافه العميق مع زعيم الدولة المرابطية يوسف بن تاشفين، دفين مراكش.
فقال ابن الخطيب وقتها أبياتا بعضها لا يزال يزين حائط ضريح المعتمد:
قدْ زُرْتُ قَبْرَكَ عنْ طَوْعٍ بأغْماتِ
رأيْتُ ذلِكَ منْ أوْلَى المُهِمّاتِ
لِم لا أزُورُكَ يا أنْدَى المُلوكِ يَدًا
ويا سِراجَ اللّيالي المُدْلَهِمّاتِ
وأنْتَ مَنْ لَوْ تخَطّى الدّهْرُ مَصْرَعَهُ
إلى حَياتي أجادَتْ فيهِ أبْياتِي
محج للزوار
عندما تدلف إلى أغمات، لا تحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى ضريح المعتمد بن عباد، الذي بات -منذ قرون- محجا لكبار الشخصيات السياسية والأدبية منذ دفنه بها.
الكل يدلك على مقر الضريح بمجرد ما تفتح فاك متسائلا عنه، فقد باتت هذه المدينة الصغيرة لا تُذكر إلا ويُذكر الملك الشاعر المنفي بها، وهو الذي طغت شهرته على قادة أندلسيين نفوا بدورهم إليها ودفنوا بترابها، ولعل أبرزهم الأمير عبد الله بن بلقين، آخر ملوك بني زيري بغرناطة، والذي ترك لنا مذكراته الشخصية المهمة بعنوان “التبيان عن الحادثة الكائنة بدولة بني زيري في غرناطة”.
بمجرد ما تدخل إلى الضريح، تجد على يسارك مكتبا صغيرا للقيّم يضم كتبا عن تاريخ الأندلس وملوك الطوائف وما يؤرخ لحقبة المعتمد نفسه وعلاقته بالدولة المرابطية، وعادة ما يلج الزوار إلى المكتب لمعرفة تفاصيل أكثر عن الملك الشاعر.
أما قبر المعتمد، فهناك أمام مرأى العين على بعد خطوات من المدخل، تلج إلى المكان فتجد قبره أولا على الباب مزينا بفسيفساء “الزليج” التقليدية، وإلى جانبه هناك قبر زوجته ورفيقة دربه التي لم تتخل عنه في سراء ولا في ضراء اعتماد الرميكية، ويتوسطهما قبر صغير يضم رفات ابنهما أبي هاشم، الذي طالما خاطبه أبوه بأبيات شعرية حزينة مؤلمة خلال فترة الأسر بأغمات.
تقرأ الفاتحة على هؤلاء الراقدين هنا تحت التراب، وخيالك يسرح مع المصير الذي انتهوا إليه، وقد كانوا -جنوبي الأندلس- ملوكا ذوي جاه ونفوذ يخشاه الجميع، يرفلون في النعم، ويقصدهم الجميع رغبا في التقرب إليهم والفوز بعطاياهم.
أبيات حزينة
وتحيط بالضريح أبيات كان قد نظمها المعتمد نفسه ويقول فيها:
عَلِّل فُؤادَكَ قَد أَبَلّ عَليلُ
وَاِغنَم حَياتَكَ فَالبَقاءُ قَليلُ
لَو أَنَّ عُمرَكَ أَلفُ عامٍ كامٍلٍ
ما كانَ حَقا أَن يُقالَ طَويلُ
أَكَذا يَقودُ بِكَ الأَسى نَحوَ الرَدى
وَالعُودُ عُودٌ وَالشَمولُ شُمولُ
لا يَستَبيكَ الهَمُّ نَفسَكَ عنوَةً
وَالكأسُ سَيفٌ في يَدَيكَ صَقيلُ
بِالعَقلِ تَزدَحِمُ الهُمومُ عَلى الحَشا
فالعَقلُ عِندي أَن تَزولَ عُقولُ
تليها أبيات لسان الدين بن الخطيب التي قالها خلال زيارته للقبر.
كما تعلو الحائط قبالة قبر المعتمد أبيات يقول المؤرخون إنه أوصى أن تكتب على قبره بعد وفاته، وفيها يقول:
قَبرَ الغَريب سَقاكَ الرائِحُ الغادي
حَقّاً ظَفَرتَ بِأَشلاء ابن عَبّادِ
بِالحِلمِ بالعِلمِ بِالنُعمى إِذِ اِتّصلَت
بِالخَصبِ إِن أَجدَبوا بالري لِلصادي
بالطاعِن الضارِب الرامي إِذا اِقتَتَلوا
بِالمَوتِ أَحمَرَ بالضرغمِ العادي
بالدَهر في نِقَم بِالبَحر في نِعَمٍ
بِالبَدرِ في ظُلمٍ بِالصَدرِ في النادي
نَعَم هُوَ الحَقُّ وَافاني بِهِ قَدَرٌ
مِنَ السَماءِ فَوافاني لِميعادِ
كَفاكَ فارفُق بِما اِستودِعتَ مِن كَرَمٍ
رَوّاكَ كُلُّ قَطوب البَرق رَعّادِ
وَلا تَزالُ صَلاةُ اللَهِ دائِمَةً
عَلى دَفينكَ لا تُحصى بِتعدادِ
بداية الحكاية
يحكي الشيخ القيّم على الضريح قصة المعتمد بن عباد للزوار الذين يتركون مآثر مراكش وجامع فنائها وأسواقها الشعبية الجذابة ومرافقها السياحية، ويأتون هنا إلى هذه البلدة الصغيرة لزيارة هذا الملك الشاعر.
يحكي لهم كيف وُلد هذا الملك في مدينة باجة (جنوب البرتغال)، وكيف تمرّس على الحرب وعلى فنون القتال، وقد كان أبوه المعتضد بن عباد -الذي اشتهر بسطوته وشدته وحبه للشعر- قد ولاه إمارة مدينة “أونبة/ وَلْبة” (جنوب غرب إسبانيا)، وعينه قائدا للجيوش.
ولا يكاد يختلف المؤرخون حول كون المعتمد قد تولى الحكم بعد وفاة أبيه شابا في الثلاثين من عمره، لكنه أبان عن حنكة وقوة وصرامة ضمنت لفترة تماسك دولته في مستنقع من حروب لا تكاد تنتهي حتى تبدأ بين ملوك الطوائف، الذين لجأ بعضهم للتحالف مع العدو الخارجي ضد خصومه من بني ملته.
أحدهم كان المعتمد نفسه، الذي رغم سيطرته على جنوب الأندلس كله تقريبا، وقوته المتعاظمة في المنطقة، فإنه كان يخشى على سلطته من أمراء طليطلة على الحدود الشمالية لدولته، وكانت له معهم معارك لعل أقساها على المعتمد كانت المعركة التي خسر فيها ولده سراج الدولة، وكذلك خسارة قرطبة لفائدة غريمه المأمون بن ذي النون، خصمه اللدود.
ورغم أنه سرعان ما استعادها من قبضة حكام طليطلة في معركة حاسمة انتصر فيها وسقطت فيها أرواح خلق كثير من المسلمين، فإن إسقاط دولتهم كانت رغبة قوية بالنسبة له لتأمين حكم بني عباد وأراضيهم.
وهذا ما دفعه -حسب المؤرخين- للتحالف مع أمير منطقة قشتالة ألفونسو السادس الذي كان على علاقة طيبة بأمراء طليطلة، فاجتهد المعتمد في ضرب تلك العلاقة باتخاذ قرار هو الذي شكل نقطة تحول كبير في مساره السياسي.
ويذكر المؤرخون أن المعتمد بعث بوزيره المفاوض الشهير ابن عمار إلى ألفونسو السادس لإقناعه بإبرام اتفاق سري بينهما يقضي بمعاونة المعتمد في حرب خصومه، مقابل تخلي المعتمد عن دعم طليطلة لفائدة ألفونسو، وذلك إلى جانب تقديم مبالغ مالية كبيرة له.
وسقطت طليلطة
وتم الاتفاق، وسقطت طليطلة عام 478هـ تحت حكم ألفونسو السادس الذي سرعان ما تنكر لاتفاقه مع المعتمد، وبدأت نواياه تتكشف إزاء إمارته.
وكان سقوط طليطلة وانتهاء حكم مملكة بني ذي النون أمرا جللا حزن له مسلمو الأندلس، وقد سجل ذلك الشاعر عبد الله بن فرج اليحصبي المعروف بابن العسال، في أبيات قال فيها:
حثُّوا رَوَاحِلكم يا آل أنْدَلُسٍ
فَمَا المقَامُ بِها إلاّ مِنَ الغَلَطِ
الثوبُ يَنْسِلُ مِنْ أَطْرافِهِ وأَرى
ثَوْبَ الجزيرةِ مَنْسولاً مِنَ الوَسَطِ
وسرعان ما بدأ ألفونسو السادس يسيطر على أراض جديدة، وطالب المعتمد بن عباد بإرجاع ما أخذه من أراضي كانت بمملكة طليطلة، واستشعر كل ملوك الطوائف الخطر الداهم، فما لبثت الطريق أن تمهدت للاستعانة بأمير المسلمين في مراكش، يوسف بن تاشفين الذي كانت دولته المرابطية قد بلغت أوجها في عهده.
ورغم نصائح وجهت إليه بألاّ يستنجد بالمرابطين خوفا من استيلائهم على ملك الأندلس، فإنه أصر على موقفه وأجابهم بعبارته الشهيرة “رعي الجمال خير من رعي الخنازير”.
ولبى ابن تاشفين نداء الجهاد، وانطلق نحو الأندلس فكانت معركة الزلاقة الشهيرة عام 479 هـ-1086م التي سحق فيها جيش ألفونسو السادس الذي فر من ساحة الوغى مع تبقى من جنوده.
ابن تاشفين وملوك الطوائف
وجرت مياه كثيرة تحت الجسر، وعاد ابن تاشفين مرة ثانية ثم ثالثة إلى الأندلس لإنقاذها من العدوان الأجنبي، وفي كل مرة يزداد اقتناعا بأنه لا أمل في توحد ملوك الطوائف على تقوية صفوفهم في مواجهة عدو متربص يتحالف مع هذا ضد ذاك، ومع ذاك ضد هذا لأجل تحقيق مصلحته الخاصة فقط.
وفي المرة الثالثة كان ابن تاشفين قد عزم على السيطرة على ممالك الأندلس المشتتة وتوحيد صفوفها تحت رايته، وقد استشار لذلك ثلة من العلماء المسلمين الذين بلغت شهرتهم الآفاق، وبينهم حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (ت 505هـ) وأبو بكر الطرطوشي (ت 520هـ).
ومما ساعد على اتخاذ هذا القرار الخطير والمهم تنامي الأنباء إلى أمير المسلمين تؤكد تحالف عدد من ملوك الطوائف مع عدوهم المشترك ألفونسو السادس، وبينهم المعتمد بن عباد نفسه، برغم ما كان بينهم من حروب، إذ خاف ملوك الطوائف على ملكهم من المرابطين، في حين استشعر ألفونسو السادس خطر المرابطين على سلطانه، خاصة بعد الهزيمة المدوية في معركة الزلاقة.
المرابطون يسيطرون
نجحت خطة ابن تاشفين، وسيطر أمراء جيوشه على ممالك الأندلس، وصمد المعتمد في حصنه بإشبيلية لشهور بدعم من ألفونسو، قبل أن تنهار قواته ويُقتل عددٌ من أولاده، ويدخل المرابطون إشبيلية في 484هـ/1091م في حين نُقل هو أسيرا إلى المغرب، برفقة من تبقى من أسرته في سفن أعدت لهم، نقلتهم أولا إلى مدينة طنجة في أقصى شمال غرب المغرب، ثم نقلوا إلى قلعة فازار بجبال الأطلس المتوسط، ثم مكناس فأغمات، وهذا هو الخط الذي يظهر واضحا في مصادر المؤرخين.
وقد خلد الشاعر ابن اللبانة الداني الأندلسي دفين مايوركا (ت 507هـ) هذه اللوحة المؤلمة في قصيدته الشهيرة “تبكي السماء”، والتي جاء فيها:
تبكي السماء بمزنٍ رائحٍ غادي
على البهاليلِ من أبْنَاء عبَّادِ
وكَعْبَةٍ كانتِ الآمال تعمرُهَا
فاليَومَ لا عاكف فيها ولا بَادِ
هِيَ المقاديرُ لا تُبْقِي على أحَدٍ
وكلُّ ذي نفس فيها لآمَادِ
إِنْ يخلعُوا فبنو العبَّاسِ قدْ خُلِعُوا
وقد خلتْ قبْلُ حمص أرض بغْدَادِ
كانوا مُلوكاً ملوك الأرض فانصرفوا
ومالهم حَوْمة فيها ولا نَادِ
حمَوْا حَرِيمَهُم حتّى إذَا غُلبوا
سيقوا على نسقٍ في حبْل مقتادِ
نسيتُ إلا غداة النهر كونهم
في المنشآت كأمْواتٍ بألحَادِ
والنَّاس قدْ مَلؤوْا العبرين واعتبروا
من لؤلؤ طَافِياتٍ فوقَ أزْبَادِ
حُطّ القناعُ فلم تستَرْ مخدرَةٌ
ومَزّقت أوجه تمزيق أبرَادِ
تفرقوا جيرة من بعدما نشؤوا
أهلاً بأهْلٍ وأولادًا بأولادِ
سارت سَفَائنهمْ والنوح يصحبُها
كأنها إبلٌ يحدو بها الحادي
كم سَالَ في المَاءِ من دَمْعٍ وكم حملتْ
تلك الفظائع من قطعات أكْبَادِ
سنوات في الأسر
في هذه المدينة الصغيرة أغمات، التي كانت أول عاصمة للمرابطين قبل أن يتم ابن تاشفين بناء مراكش، عاش المعتمد أسوأ أيامه على الإطلاق وهو في قيود الأسر، التي يذكر المؤرخون أنها خُففت عنه لوهلة، قبل أن تشتد مجددا بعد أن أعلن ابنه عبد الجبار الثورة على المرابطين في الأندلس، فسارع المرابطون للقضاء عليها.
وقد رسم المعتمد بعض لوحات ألمه ومعاناته بشعره، وبينها أبياته التي نظمها وقد زرنه بناته في الأسر وكن يرتدين لباسا بسيطا، وعملهن كان أن يغزلن للناس مقابل ثمن بخس، فقال في الديوان الذي جمعه وحققه الدكتوران حامد عبد المجيد وأحمد أحمد بدوي وراجعه الدكتور طه حسين:
فيما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسرورا
فَساءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسورا
تَرى بَناتكَ في الأَطمارِ جائِعَةً
يَغزِلنَ لِلناسِ ما يَملِكنَ قَطميراً
بَرَزنَ نَحوَكَ لِلتَسليمِ خاشِعَةً
أَبصارُهُنَّ حَسراتٍ مَكاسيرا
يَطأنَ في الطين وَالأَقدامُ حافيَةٌ
كَأَنَّها لَم تَطأ مِسكاً وَكافورا
لا خَدَّ إِلّا تَشكّى الجَدبَ ظاهِرهُ
وَلَيسَ إِلّا مَعَ الأَنفاسِ مَمطورا
أَفطَرتَ في العيدِ لا عادَت إِساءَتُهُ
فَكانَ فِطرُكَ لِلأكبادِ تَفطيرا
قَد كانَ دَهرُكَ إِن تأمُرهُ مُمتَثِلاً
فَرَدّكَ الدَهرُ مَنهيّاً وَمأمورا
مَن باتَ بَعدَكَ في مُلكٍ يُسرُّ بِهِ
فَإِنَّما باتَ بِالأَحلامِ مَغرورا
قيد قاس
ثم ما يلبث أن يخاطب القيد نفسه قائلا:
قَيدي أَما تَعلمني مُسلما
أَبَيتَ أَن تُشفِقَ أَو تَرحَما
دَمي شَرابٌ لَكَ وَاللَحمُ قَد
أَكَلتهُ لا تَهشم الأَعظُما
وأكثر ما آلمه رؤية بناته له وهو في ذلك المنظر، وكذلك ابنه هاشم الذي يخاطبه قائلا:
يُبصِرُني فيكَ أَبو هاشمٍ
فَيَنثَني وَالقَلبُ قَد هُشِّما
اِرحَم طُفَيلاً طائِشاً لُبّهُ
لَم يَخشَ أَن يأتيكَ مُستَرحِما
وارحم أُخيَّاتٍ له مثله
جرعتَهنَّ السمَّ والعلْقَمَا
زوجة السراء والضراء
بين مقتل عدد من أولاده، وضياع ملكه، والحالة البئيسة التي بدت عليها بناته، وحاله في قيود الأسر، وقف المعتمد بن عباد وحيدا إلا من زوجته اعتماد الرميكية التي لم تتركه حتى بعد أن تبدل الوضع من النقيض إلى النقيض.
أحب المعتمد تلك المسجاة هناك إلى جانبه في هذ الضريح حبا عظيما، منذ لقائه الأول بها وهي بعد جارية خلال رحلة تنزه عادية، فاشتراها وأعتقها وتزوجها وفضلها على زوجاته وجواريه.
حتى إن المصادر التاريخية تذكر أن حبه لها بلغ لأن يتكنى باسمها فتحول من محمد بن عباد إلى المعتمد أبو القاسم محمد بن عباد، واشتهر بعد ذلك بالاسم الذي عرف به في التاريخ: المعتمد بن عباد، متخليا عن لقبه الأول: المؤيد بأمر الله.
وظلت تلك الزوجة الوفية إلى جانبه في مأساته وأسره حتى توفيت قبيله بفترة قليلة، فضاقت عليه الأرض بما رحبت، وسرعان ما لحق بها في 488هـ/1095م.
سؤال بلا جواب
وبينما تغرق في الأحداث والتفاصيل وأنت تنظر إلى قبر هذا المسجى هنا وحبيبته هناك وقبر ابنهما أبي هاشم يتوسطهما، يوقظك من ذلك الغرق نقاش سرعان ما حمي وطيسه بين العجوز قيّم الضريح ومرافق لوفد سياحي جاء لزيارة الملك الشاعر، حول أسلوب تعامل يوسف بن تاشفين مع المعتمد فلم يرحم عزيز قوم ذل.
المرافق أكد أن الأسلوب الذي عامل به ابن تاشفين الملك الأسير كان قاسيا ولا يليق بسمعته وتاريخه، بينما انبرى القيّم للدفاع عن أمير المسلمين، مؤكدا أن التفاصيل السياسية المعقدة المحيطة بالقرار تحتاج إلى أبحاث ودراسات لتفكيكها والبحث عن تفسيرات علمية تشرح ما جرى للمعتمد بن عباد في أسره، خاصة أن ملوك طوائف آخرين كانوا بأغمات لم يعانوا المصير نفسه، وبينهم الأمير عبد الله الذي وجد وقتا لتأليف مذكراته!
علما أن ضياع الأندلس بسبب ممارسات ملوك الطائف لخير دليل على أهمية قرار تدخل المرابطين، الذي لولاه لما امتد الوجود الإسلامي بشبه الجزيرة الإيبيرية إلى 8 قرون، كما يؤكد المؤرخون.
غادرنا ضريح ملك إشبيلية بقراءة الفاتحة مجددا، وانتقلنا إلى مراكش لزيارة ضريح زعيم الإمبراطورية المرابطية يوسف بن تاشفين، لعلنا نجد جوابا لأسلوب تعامله مع الملك الأسير، لكن يبدو أن أمير المسلمين كان “غاضبا” منا لزيارتنا غريمه من دون إذنه، حيث وجدنا باب الضريح مغلقا، فطرقنا الباب أكثر من مرة، لكن أحدا لم يرد علينا، أو يسمع لنا ركزا.