في حوار مع الجزيرة نت.. وزير الصناعة اليمني يحذر من كارثة اقتصادية ويتهم الحوثيين

كشف وزير الصناعة والتجارة اليمني، محمد الأشول، عن مؤشرات مقلقة لانهيار اقتصادي غير مسبوق في البلاد، محمّلا جماعة الحوثي مسؤولية تفاقم الأزمة منذ انقلابها على الحكومة الشرعية عام 2014، على حد تعبيره.
وأكد الأشول -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن القطاع الصناعي تعرّض لتدمير شبه كامل، بينما تراجع القطاع التجاري إلى تلبية الاحتياجات اليومية فقط، مع اعتماد شبه كلي على الاستيراد.
ووصف الوزير المشهد الاقتصادي الحالي بأنه “كارثي بكل المقاييس”، نتيجة تدمير الحوثيين للبنية المؤسسية وفرضهم نظامًا اقتصاديًا مُتشظيًا بين مناطق النفوذ، مما أدى إلى تدهور العملة وانهيار الإنتاج وارتفاع الأسعار.
وأكد أن جزءًا من الاقتصاد الوطني تحوّل إلى “شبكات مافيا عابرة للحدود” تُديرها المليشيا، في ظل استحواذها القسري على المؤسسات الإنتاجية والمالية.
في المقابل، كشف الوزير عن خطة حكومية لتنشيط الاقتصاد عبر تشجيع عودة رؤوس الأموال المهاجرة، وتطوير المناطق الصناعية في عدن والمخا والمكلا، وإعادة تأهيل العمالة عبر معاهد فنية متخصصة.
وأشار إلى مشاورات مع منظمات دولية وقطاع خاص لإعادة إعمار البنية التحتية، مع تركيز على الصناعات التحويلية والغذائية والدواء كقطاعات واعدة.
وردًا على تراجع ثقة المواطنين بلجان مراقبة الأسعار، نفى الأشول وجود “لجان” رسمية، مُرجعًا ارتفاع الأسعار إلى تدهور العملة الوطنية، مع وعد بإجراءات حكومية عاجلة بالتنسيق مع القطاع الخاص.
وفيما يخص الأمن الغذائي، نوّه الأشول إلى تنويع مصادر استيراد القمح لمواجهة الأزمات العالمية، وتحسن إمدادات الوقود مؤخرًا.
وأكد الوزير أن القطاع الخاص اليمني يلعب دورًا محوريًا في إيصال المواد الغذائية حتى إلى المناطق النائية رغم التحديات، وكشف عن ضبط 2748 طنًا من السلع الفاسدة خلال 2024، مشيدًا بتعاون كبار التجار في الإبلاغ عن المواد التالفة.
وفيما يلي نص الحوار:
-
بداية، كيف تصفون ملامح المشهد الاقتصادي الحالي في اليمن، في ظل التراجع الحاد للعملة الوطنية وغلاء المعيشة؟
المشهد الاقتصادي في اليمن يعيش واحدة من أسوأ مراحله التاريخية، وقد بدأ هذا الانهيار مع انقلاب مليشيا الحوثي على الحكومة الشرعية في اليمن عام 2014، ومنذ ذلك الحين، دخل الاقتصاد الوطني في حالة من التمزق الحاد، عموديًا وأفقيًا، حيث تفككت البنية المؤسسية، وبرز اقتصاد الظل والسوق السوداء كبدائل مشوهة ومدمرة للاقتصاد الرسمي.
أصبح المشهد على شكل نظامين اقتصاديين منفصلين، يتنازعان السيطرة على مناطق جغرافية محدودة، في حين شهدنا مؤخرًا تطورًا بالغ الخطورة تمثّل في انزلاق جزء من اقتصاد البلاد إلى قبضة شبكات مافيا عابرة للحدود، تديرها المليشيا، وتُسخّر موارد البلاد لخدمة أجندة طائفية مدمّرة. كما تعمّدت تلك الجماعة تدمير المؤسسات الإنتاجية، ومنعت تصدير النفط، واعتدت على القطاع الخاص، بعد أن حوّلته إلى كيان تابع يخدم مصالح فئوية ضيقة.
كل هذه الممارسات أدت إلى تدهور العملة، وغلاء الأسعار، وشلل الإنتاج، وانهيار المؤسسات المالية، وتفاقم هشاشة البنية الاقتصادية المتوارثة أصلًا من عقود سابقة، مما يجعل المشهد الحالي كارثيًا بكل المقاييس.
-
كيف تنعكس هذه الأزمة على القطاعات الصناعية والتجارية التي تشرف عليها وزارتكم؟
في الواقع، نحن لا نواجه مجرد أزمة، بل نعيش كارثة اقتصادية متكاملة تُفرز أزمات متلاحقة. القطاعات الصناعية والتجارية بطبيعتها شديدة الحساسية تجاه الظروف السياسية والأمنية، وقد انعكس ذلك بوضوح في الانهيار شبه الكامل للقطاع الصناعي، الذي لم يكتفِ بالتوقف، بل أصبح هدفًا مباشرًا للمليشيات الحوثية، وضحية للصراع المسلح.
وتجاوز الأمر حدود الاستهداف العسكري، ليصل إلى تدخل سلطات الانقلاب في البنية المؤسسية للقطاع الصناعي، من خلال الاستحواذ القسري والتهديد بالسلاح، مما أدى إلى تفكيك المنظومة الإنتاجية. ونتيجة لذلك، تعطّلت العمليات الاقتصادية الحيوية، وتراجعت مداخيل الدولة، وتوقفت الاستثمارات.
أما القطاع التجاري، فقد تعرض لتدهور كبير، وتغيرت طبيعته بشكل لافت، حيث تراجع النشاط التجاري إلى حدود ما يسد رمق الناس من احتياجات يومية، مع اعتماد شبه كلي على الاستيراد، وانكماش الصادرات إلى مستويات متواضعة للغاية.
-
ما أبرز التدابير العاجلة التي تعتزم الوزارة اتخاذها للتخفيف من معاناة المواطن، الذي أصبح ينفق أكثر من 80% من دخله على الغذاء؟
وزارة الصناعة والتجارة تعمل ضمن إطار البرنامج الحكومي وبما تمليه عليها مهامها الدستورية، من أجل تنشيط الحركة التجارية والصناعية، وتشجيع الاستثمار، والعمل على استعادة رأس المال الوطني المهاجر.
وقد بدأنا فعليًا بتأسيس مجالس لرجال الأعمال اليمنيين في دول المهجر، وتكثيف اللقاءات معهم لدراسة متطلبات عودتهم وتسوية أوضاعهم بما يسهم في تعزيز ارتباطهم بالداخل.
كما نولي اهتمامًا خاصًا برعاية القطاع الخاص داخل البلاد، ونسعى إلى تنشيط المناطق الصناعية، حيث سيتم قريبًا تسليم المنطقة الصناعية في “العلم” بعدن للمطور، بالإضافة إلى أعمال تطويرية جارية في المناطق الصناعية بمدينة المخا والمكلا.
هذه الجهود، إلى جانب مهام الوزارة الأخرى، تهدف إلى إعادة تنشيط الدورة الاقتصادية، وتحريك عجلة التنمية، لخلق فرص عمل جديدة، ورفع مستوى معيشة المواطنين، والتخفيف من معاناتهم اليومية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
جزء من اقتصاد البلاد انزلق إلى قبضة شبكات مافيا عابرة للحدود، تديرها المليشيا، وتُسخّر موارد البلاد لخدمة أجندة طائفية مدمّرة
-
ما حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع الصناعي بسبب الحرب؟
في ظل الحرب، لم يعد السؤال عن حجم الأضرار بقدر ما أصبح عن “ماذا تبقّى من القطاع الصناعي؟” فالوصف الأدق لما جرى هو التدمير الشامل.
ويمكن تقسيم حال القطاع إلى 3 فئات:
- جزء دُمر كليًا نتيجة الأعمال العسكرية المباشرة.
- وجزء غادر البلاد بشكل متسارع حاملا معه خبرات وطنية راكمتها الدولة عبر عقود.
- وجزء ثالث تحوّل إلى أطلال، توقفت فيه عجلة الإنتاج، وأصبح خاضعًا لابتزاز المليشيات عبر الجبايات والاستحواذ، خصوصًا تحت مسمى “الحارس القضائي”، مع غياب شبه كامل للطلب المحلي نتيجة انهيار القدرة الشرائية في مناطق سيطرة المليشيا.
-
ما هي أبرز خططكم لإعادة تشغيل المصانع وتأهيل العمالة؟
الوزارة، ضمن توجهات الحكومة، تعمل حاليًا على إعادة تقييم قانون الاستثمار، بما يضمن تقديم حوافز وضمانات فاعلة لعودة المستثمرين.
كما نواصل لقاءاتنا مع القطاع الخاص في الخارج، إلى جانب تنشيط المناطق الصناعية في المناطق المحررة مثل عدن والمخا والمكلا. ونولي اهتمامًا خاصًا بإعادة إنشاء المعاهد الفنية والصناعية، لتأهيل العمالة الوطنية بكفاءة عالية تواكب احتياجات إعادة الإعمار والتنمية.
-
هل هناك شراكات قائمة مع منظمات دولية أو مستثمرين لإعادة تأهيل البنية التحتية الصناعية؟ وما الحوافز التي تقدمونها؟
تعمل الحكومة حاليًا على إعداد تصور شامل لتوجيه المساعدات نحو الجانب التنموي، بما يسهم في معالجة العديد من جوانب القصور البنيوي. وهناك نقاشات جارية مع القطاع الخاص حول ما تعرّضت له المصانع من دمار، على أن يُدرج هذا الملف ضمن برامج إعادة الإعمار.
كما نعمل على إعداد رؤية أولية تمهد لوضع إستراتيجية وطنية خاصة بالنهوض بالقطاع الصناعي، وذلك بالشراكة مع القطاع الخاص، وستكون هذه الرؤية جزءًا من مخرجات “الأسبوع الاستثماري”، الذي نطمح لأن يشكل منصة حوار جاد وبنّاء بين القطاعين العام والخاص.
نأمل أيضًا في بناء شراكات فعالة مع المنظمات الدولية المختصة بالقطاعين الصناعي والإنتاجي. أما من جهة المستثمرين، فهناك تجاوب مشجّع، لكن تفعيل هذا التوجه يبقى مرهونًا بتوفير الحوافز القانونية والتسهيلات الإجرائية التي تضمن بيئة آمنة ومستقرة للاستثمار في القطاعات الصناعية والإنتاجية.
-
ما القطاع الصناعي الذي ترونه الأكثر جدوى للاستثمار فيه حاليًا؟ ولماذا؟
البنية الصناعية في اليمن كانت ولا تزال محدودة نسبيًا، ولم تُنشأ فيها صناعات كبيرة بالشكل المطلوب، ويُعزى ذلك إلى حداثة هذا القطاع واعتماده في السابق بشكل شبه كلي على الدولة، إضافة إلى ضعف رأس المال الوطني وميول تركيبة الأعمال في البلاد نحو التجارة أكثر من الصناعة.
مع ذلك، فإن الصناعات التحويلية والغذائية تُعد من أكثر القطاعات الواعدة حاليًا، نظرًا لاستقرار الطلب المحلي عليها ومرونتها في التكيف مع الظروف.
كما يُعتبر قطاع صناعة الدواء من المجالات الحيوية التي تتطلب تنمية عاجلة، لما لها من بعد إنساني وإستراتيجي في ظل شح الاستيراد.
أما على صعيد التصدير، فالصناعات الإنتاجية المرتبطة بالثروات الطبيعية، مثل قطاع الأسماك والمنتجات الزراعية، تحمل إمكانات كبيرة للنمو، وتُعد من بين الخيارات المجدية لاستقطاب الاستثمار الخارجي والداخلي، خاصة مع توفّر المواد الخام محليًا وقابلية هذه المنتجات لدخول الأسواق الإقليمية.

-
كيف تتعامل الوزارة مع أزمة نقص القمح والوقود؟
يُعد الأمن الغذائي أولوية قصوى لدى الوزارة، وقد تمكّنا، بفضل الله، من تجاوز العديد من التحديات خلال الفترات الماضية، بدءًا من الإغلاق الشامل في جائحة كورونا، وصولًا إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي أحدثت أزمة قمح عالمية ودفعَت العديد من الدول المنتجة إلى وقف التصدير. وقد شكّلت هذه الأزمات دافعًا قويًا للبحث عن بدائل وتنويع مصادر الاستيراد، وهو ما بدأنا العمل عليه فعليًا.
نحرص على تشجيع القطاع الخاص لزيادة استثماراته في استيراد السلع الأساسية، خاصة القمح، من مصادر جديدة ومتنوعة لضمان الاستقرار التمويني. أما فيما يتعلق بأزمة الوقود، فقد قامت الجهات المختصة بجهود كبيرة في تأمين الإمدادات، ونتيجة لذلك شهدنا تحسّنًا ملموسًا واستقرارًا نسبيًا في هذا الجانب.
-
ما الإجراءات الملموسة لضمان وصول المواد الغذائية الأساسية إلى المناطق النائية؟
طبيعة الإنسان اليمني هي التجارة وخبراته كبيرة في هذا الجانب لذا فالتسويق والوصول إلى أبعد المناطق تأتي ضمن مميزات التاجر اليمني.
ويمتلك القطاع الخاص مهارة مذهلة في التوصيل والنقل مع تقديرنا لصعوبات الطرق وتآكلها وتهالك وسائل النقل غير أنها تقوم بالدور وأكثر، ومكاتبنا في المحافظات تقوم بدور جيد وتعمل على دراسة الأسواق وتحديد الاحتياجات، أستطيع القول إننا لا نعاني من إيصال المواد الغذائية إلى المناطق النائية.
-
بحسب استطلاع للرأي أجريناه قبيل هذه المقابلة، يرى أكثر من 80% من المواطنين أن لجان مراقبة الأسعار فاشلة… ما ردكم؟
ليس هناك فشل وليست هناك لجان لمراقبة الأسعار، وإنما إدارات في مكاتب الوزارة في المحافظات، وكل ما يحدث هو أن انهيار العملة أمام العملات الأجنبية يؤدي إلى ارتفاع فاتورة الاستيراد وتآكل القيمة الشرائية للريال اليمني.
ولكن نحاول في الوزارة المقاربة والوصول للسعر العادل للسلع وهي مسألة غاية في الأهمية والصعوبة مع تدهور أسعار الصرف بشكل يومي مما يجعل المحافظة على سعر عادل أمرا صعبا، وتصلنا كثير من الشكاوى من التجار الذين ارتفعت أنشطتهم التجارية، وارتفاع القيمة الاستيرادية للمنتجات.
سنعمل على تحضير مجموعة من التدخلات الحكومية التي تقلل من ارتفاع أسعار السلع الأساسية بالتنسيق مع القطاع الخاص.
انهيار العملة أمام العملات الأجنبية يؤدي إلى ارتفاع فاتورة الاستيراد وتآكل القيمة الشرائية للريال اليمني.
-
هل لدى الوزارة إحصاءات رسمية حول حجم السلع الفاسدة أو المقلّدة التي تم ضبطها خلال العام الماضي؟
نعم، لدينا إحصائيات حول ذلك، بلغت السلع التي تم ضبطها وتحريزها وإتلافها خلال العام 2024 (2748 طنا) مع ضرورة الإيضاح أن تلك السلع ربما فسدت بسبب ظروف معينة في التخزين والانقطاع الطويل للكهرباء.
وأغلب التجار بمبادرة ذاتيّه يتواصلون مع الوزارة للإبلاغ عن بضاعتهم الفاسدة ليتم إتلافها في الأماكن المخصصة لذلك، وغالبا ما نجد تعاونا من كبار التجار ولكنه يقل مع تجار التجزئة، ونغطي الأمر من خلال النزول الميداني على مستوى جميع المحافظات.
-
ماذا عن الموقف الرسمي من الجدل الذي أُثير مطلع العام الجاري بشأن شحنة القمح الفاسدة في ميناء عدن؟
بالنسبة لأي شحنة فاسدة في الميناء أو المنافذ الجمركية نعتمد على جهاز حكومي مقتدر وهو الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، وهي من يقرر ويصدر التقرير الفني وفق اللوائح المنظمة. لذلك هناك الكثير من شحنات القمح التي تم إعادتها إلى بلد المنشأ وبعضها تخص منظمات دولية، لذا يترك الأمر للفنيين. وهناك إجراءات ناظمة لعمليات الاعتراض والبحث عن مختبرات محكمة.