“قانون الكلاب الضالة” يسبب خلافا بين السلطة والمعارضة بتركيا

أنقرة- رفضت المحكمة الدستورية العليا في تركيا، في مطلع مايو/أيار الجاري الطعن الذي تقدم به حزب الشعب الجمهوري المعارض لإلغاء تعديلات قانون حماية الحيوان، والتي تنص على تنظيم التعامل مع الكلاب الضالة.
وشمل الطعن 16 مادة من أصل 17 ضمن القانون الجديد، بدعوى تعارضها مع الحق في الحياة والصالح العام ومبادئ حماية الحيوان. إلا أن المحكمة أقرت دستورية التعديلات، لتفتح بذلك الطريق أمام تنفيذها الكامل من قبل البلديات.
وترافق القرار القضائي مع احتجاجات نُظمت أمام مقر المحكمة في أنقرة، شارك فيها عشرات الناشطين الذين رفعوا شعارات منددة بـ”شرعنة القتل الرحيم”، فيما استخدمت الشرطة دروع مكافحة الشغب لتفريق التجمع، في مشهد عبّر عن انقسام عميق أحدثه هذا الملف بين السلطة والمعارضة، وبين الدوافع الأمنية والاعتبارات الحقوقية.
خلفية التعديلات
جاءت التعديلات الأخيرة على القانون استجابة لتصاعد حوادث الهجمات التي نفذتها كلاب ضالة في السنوات الأخيرة، والتي تحولت إلى قضية رأي عام بعد أن تسببت في عشرات الإصابات والوفيات.
وبحسب تقرير صادر عن “جمعية الشوارع الآمنة”، فقد بلغ عدد ضحايا هذه الحوادث ما لا يقل عن 65 حالة وفاة منذ عام 2022 من بينهم 25 طفلا، في مؤشر يعكس تفاقم المشكلة بشكل لافت.
وشكلت حادثة وفاة طفلة تبلغ من العمر عامين، مطلع مارس/آذار الماضي، بعد تعرضها لهجوم مجموعة من الكلاب الضالة في ولاية قونية، لحظة مفصلية دفعت الحكومة إلى التعهد باتخاذ إجراءات جذرية لحماية السلامة العامة، معتبرة أن السياسات السابقة، القائمة على الإمساك بالحيوانات وتعقيمها ثم إعادتها إلى الشارع، لم تعد كافية للحد من الخطر.
وفي 30 يوليو/تموز 2024، أقر البرلمان التركي، بأغلبية قادها حزب العدالة والتنمية الحاكم، التعديلات المثيرة للجدل على القانون رقم 5199 الخاص بحماية الحيوان، وذلك بعد مناقشات محتدمة ورفض واسع من قوى المعارضة. وصوت 275 نائبا لصالح القانون مقابل 224 ضده.
ودخل القانون حيز التنفيذ يوم الثاني من أغسطس/آب 2024، ويتضمن مجموعة من الإجراءات التي تُلزَم البلديات في عموم تركيا بتنفيذها، أبرزها:
- جمع جميع الكلاب الضالة من الشوارع وإيواؤها في ملاجئ مخصصة.
- تطعيم وتعقيم الحيوانات.
- تشجيع التبني من خلال حملات دعائية.
- القتل الرحيم للحيوانات التي يثبت بالفحص البيطري أنها تمثل خطرا على الصحة العامة أو تعاني من مرض عضال.
- إلزام البلديات بتخصيص ما لا يقل عن 0.3% من موازناتها السنوية لتطوير خدمات إيواء الحيوانات.
- تشديد الرقابة الحكومية.
مهلة التنفيذ
مع بدء سريان تعديلات قانون حماية الحيوان، دخلت البلديات التركية في سباق مع الوقت لمواجهة تحديات لوجستية ومالية معقدة تفرضها المرحلة الجديدة.
ففي الوقت الذي تشير فيه التقديرات الرسمية إلى وجود نحو 4 ملايين كلب ضال يجوب الشوارع في مختلف أنحاء البلاد، لا تتجاوز القدرة الاستيعابية الحالية لملاجئ البلديات 105 آلاف كلب موزعة على 322 مركز إيواء فقط، مما يكشف عن فجوة بنيوية كبيرة بين الواقع والطموح التشريعي.
ورغم أن القانون يمنح البلديات الكبرى مهلة حتى عام 2028 لاستكمال بناء وتوسعة الملاجئ المطلوبة، فإن الحكومة أكدت أن هذه المهلة لا تعني تأجيل الالتزام، بل تتيح فقط جدولا زمنيا تدريجيا لتأمين البنية التحتية، على أن تُنفذ المهام الميدانية الأساسية من جمع وإيواء وتبنٍّ على الفور.
في هذا السياق، قال وزير الزراعة والغابات إبراهيم يوماقلي، في تصريحاته أواخر فبراير/شباط الماضي، إن عددا كبيرا من البلديات بدأت بالفعل اتخاذ خطوات عملية لتطبيق القانون، مشددا على أن “الواجب القانوني نافذ منذ الآن، وأن كل بلدية مطالَبة بإدراج المخصصات اللازمة في ميزانياتها لعام 2025 لتنفيذ عمليات الإيواء والتبني والبناء، دون تهاون”.
بالتوازي مع ذلك، رفعت وزارة الداخلية مستوى الرقابة على البلديات لمتابعة تنفيذ القانون ميدانيا، حيث أعلن الوزير علي يرلي قايا في مارس/آذار الماضي عن تكليف 39 مفتشا إداريا رفيعي المستوى للقيام بجولات تفتيشية تشمل جميع الولايات التركية.
من جهته، أكد الرئيس رجب طيب أردوغان في تصريحات خلال مارس/آذار الماضي أن الحكومة ستتخذ خطوات صارمة لضمان التطبيق الفعلي للقانون، ملوحا بتدخل الدولة المركزية عند “تقاعس السلطات المحلية”.
رفض المعارضة
يرى عضو جمعية “الشوارع الآمنة” المعنية بالسلامة المجتمعية، مراد بينار، أن تطبيق القانون خطوة ضرورية لحماية الأرواح وتنظيم العلاقة بين الإنسان والحيوان في الفضاء العام.
ويقول للجزيرة نت إن القانون لا يستهدف الكلاب، بل يهدف لتقنين التعامل معها بشكل مسؤول بعد تزايد الحوادث، معتبرا أن الأهم هو تطبيقه بروح تُوازن بين السلامة العامة والرفق بالحيوان، مع توفير الملاجئ والموارد اللازمة.
منذ لحظة طرحه، قوبل “قانون تنظيم الكلاب الضالة” بموجة اعتراضات واسعة من منظمات حقوق الحيوان والنشطاء البيئيين، الذين اعتبروا التعديلات بمثابة “تفويض قانوني بالإعدام الجماعي” لهذه الكائنات تحت ستار التنظيم والسلامة العامة.
وبرز “اتحاد جمعيات حقوق الحيوان” في طليعة المعترضين، إلى جانب عشرات الجمعيات الأخرى التي عبّرت عن مخاوفها من أن يُفضي تطبيق القانون إلى إفراغ الشوارع من الحيوانات أو تحويل الملاجئ إلى أماكن مزدحمة تفتقر لأبسط معايير الرفق بالحيوان.
على مستوى البلديات، اصطدمت التعديلات برفض علني من قبل كبرى الإدارات المحلية التي تُسيطر عليها المعارضة، وعلى رأسها بلديات إسطنبول وأنقرة وإزمير التابعة لحزب الشعب الجمهوري، حيث أعلن رؤساؤها -صراحة- رفضهم تنفيذ عمليات الجمع الشامل أو الإعدام.
وقال زعيم الحزب، أوزغور أوزال، عقب إقرار القانون، إن “بلدياتنا ستقاوم هذا القانون”، واعتبره تجاوزا أخلاقيا لا يتسق مع مبادئ الرفق بالحيوان. وأشار إلى أن الإمكانات المتوفرة للبلديات لا تمكّنها عمليا من القيام بمهام بهذا الحجم، داعيا إلى العودة لتكثيف برامج التعقيم والتطعيم التي أثبتت نجاعتها جزئيا سابقا.
من ناحيته، يعتبر الناشط الحقوقي أحمد دوندار، أن القانون بصيغته الحالية يفتح الباب أمام القتل الممنهج للحيوانات تحت ذريعة التنظيم. وأشار، في حديثه للجزيرة نت، إلى وجود بدائل إنسانية أكثر فاعلية، كالتعقيم والتوعية والتبني، محذرا من أن التطبيق العشوائي قد يؤدي إلى انتهاكات ويُسيء لصورة تركيا دوليا.